كتاب عربي 21

لماذا يفشل تعويم الجنيه المصري؟

1300x600
أصبحت الكتابة عن الوضع الاقتصادي المصري مثيرة للإحباط بسبب تردي أوضاع المصريين من سيء إلى أسوأ، فتدهور الجنيه المصري مستمر حتى أصبحت تسمع كل صباح لأول مرة الدولار يصل إلى 12 جنيها أو أول مرة 13 جنيها أو 14 جنيها، أصبح أمرا معتادا ولم يعد الأمر مثيرا للدهشة كما كان من قبل ولم تعد زيادة الأسعار هي الأخرى من الأمور المستغربة بل تعودنا عليها من كثرة مطالعة الأخبار في مصر. 

ولم يعد يجدي نفعا أن تتحدث إلى هذه الحكومة وأن تظهر لها مناطق الخلل فتتجنبه أو تبدي حلولا فتطبقها فنظام الحكم في مصر نظام فاشل بامتياز لا يمكن أن تثبت أنه نجح في حل ازمة اقتصادية واحدة يعاني ويصرخ منها الجميع، والحكومة لا تسمع شيئا على الإطلاق. 

والآن أصبح حديث الساعة هو تعويم الجنيه فهل لو قلنا للحكومة أن التعويم سيفشل ولن يحقق المرجو منه هل ستسمع الحكومة إلى كلامنا، وهل يوجد في هذه الدولة من يكبح التدهور والانزلاق السريع نحو الهاوية أم أن السقوط أمر محتوم وقضاء مكتوب على هذا الشعب المنكوب الذي لا يستطيع حتى أن يقول لا لهؤلاء الطواغيت والفراعين الذين يأكلون لحمه ويرمونه عظما، إنها مأساة شعب لا يملك من أمره شيئا، ولم يستطع أحد من الاقتصاديين أو من المفكرين المصريين أن يرسم خطا لنجاة الشعب أو يضع تصورا يساعده على الأقل في تقليل خسائره وآلامه في الفترة المقبلة.

على أية حال فإن تطبيق التعويم أمر أصبح قاب قوسين أو أدنى وفق شروط صندوق النقد، والاقتصاديون قبل غيرهم يعلمون ان مصر قد طبقته من قبل في 2003 ولم يغن عنهم من الأمر شيئا، فحينما طُبق من قبل وعدوا الناس بزيادة الإنتاج وزيادة الاستثمار وزيادة فرص العمل وتبخر كل ذلك وانخفض الجنية ولم تزد فرص العمل وانهارت الإنتاجية وزادت المصانع المغلقة كل ما سيفعله التعويم هو رفع الأسعار على الأقل بنسبة 40 مما سينعكس على المتغيرات الاقتصادية الكلية من ناتج وتشغيل وبطالة وأسعار الفائدة والتضخم. 

لذا فإن التعويم سيفشل في مصر للأسباب الخمسة التالية: 

أولها يكمن في أذواق وتفضيلات المصريين، فأذواقهم ترتبط بكل ما أنتج بالخارج والمصريون لم يعودوا يثقون في إنتاجهم الوطني وعقدة الخواجة أصبحت واقعا قائما لا مفر منه. 

ثانيها ارتفاع التضخم في مصر والذي ينعكس بصورة مباشرة في ارتفاع الأسعار والذي سيؤدى إلى الضغط على الجنيه ومن ثم انهياره بصفة مستمرة وهو ما ينعكس على عدم استقرار الجنيه أمام العملات الأخرى. 

ثالثهما هو سعر الفائدة في مصر فارتفاع التضخم جعل الفائدة الحقيقة على الإيداعات سلبية بما يعني أن المودع في أي حساب ادخاري في مصر يكبد بخسائر ضخمة في أمواله فيدفع المواطنين والأجانب إلى حد سواء إلى التخلص من الجنيه وإبداله بعملة أخرى وهو ما ينعكس بتزايد الإقبال على شراء الدولار ويزيد من تدهور الجنيه في نهاية الأمر. 

رابعهما هو المضاربة على الدولار فارتفاع الدولار المستمر يغري الجميع بالتجارة في الدولار فأصبح الجميع يعمل على جمع الدولار من كل مصادرة المختلفة بغرض تحقيق أرباح عالية في ظل انتشار الشائعات عن قرب تحقق التعويم فأصبح الجميع مقبل على شراء الدولار مما يزيد الطلب عليه مما يرفع سعره أكثر وأكثر. 

خامسها هو مستوى الدخل وقد أصبح جليا أن الفئة التي أغدق عليها من الأموال سواء ارتبط ذلك بفئات القضاة والجيش والشرطة والإعلاميين والسماسرة والمضاربين على الأراضي في مصر كل هؤلاء زاد طلبهم على الدولار لأنهم يعلمون علم يقين أن الجنيه في تدهور مستمر، فالأولى لهم هو التخلص أيضا من الجنيه المصري بأسرع ما يمكن حتى يستفيدوا من أسعار الدولار التي ترتفع باستمرار. 

إذن لن يستقر الجنية أمام الدولار مستقبلا فتدهور الجنيه أصبح هو القدر المحتوم على المصريين مما يرفع الأسعار وكل سياسات التعويم مآلها الفشل في دولة تتسول معظم إنتاجها من الخارج.