كتاب عربي 21

فشل سياسة تقليل الواردات

1300x600
في ضوء نقص الموارد الدولارية، سعت الحكومة المصرية بالتوافق مع البنك المركزى على التشديد على الواردات السلعية، لتقليل النفقات الدولارية التي تتجه إليها، حيث تمثل المكون الأكبر في مدفوعات النقد الأجنبي للخارج. 

وتعددت وسائل الضغط على المستوردين، التي شملت إصدار أسعار استرشادية لكثير من السلع المستوردة، يتم الارتكاز إليها عند تقدير قيمة الجمارك على السلع المستوردة، بديلا عن الاعتماد على الفواتير المقدمة من المستوردين لثمن شراء تلك السلع، التي رأت الجمارك أنها تقل عن القيمة الحقيقية، سعيا لخفض مكون الجمارك، والنتيجة للاسترشادية رفع قيمة السلع كوسيلة لتقليل الواردات.

ثم لجأت وزارة الصناعة والتجارة الخارجية لضرورة حصول الشركة الموردة لسلع متجهة للسوق المصرية، على شهادة من جهاز الرقابة على الصادرات والواردات التابع لها، كوسيلة تسعى من خلالها لتقليل الواردات، حيث شكا كثير من المستوردين من البطء في الحصول على الشهادة المطلوبة، وبقاء البضائع بالموانىء لفترات، حتى يتم الحصول على الشهادة ودفع رسوم أرضيات بالموانىء.

ثم كان تشدد البنك المركزي في إجراءات فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، وجعل العلاقة مباشرة بين البنك والجهة الموردة، إلى جانب إعلان البنك المركزي عن تركيز البنوك على تمويل استيراد السلع الغذائية الأساسية، والمواد الخام والأدوية وقطع الغيار، وفيما عدا ذلك تقوم شركات الاستيراد بتدبير قيمته من السوق السوداء التي يزيد سعر الصرف بها عن السعر الرسمي كثيرا .

وأضاف سعر الصرف المرتفع بالسوق السوداء زيادة على تكلفة السلع المستوردة، مما يمكن أن يحول دون قيام بعض المستورين بإتمام بعض عمليات الاستيراد، إما نتيجة صعوبة تدبير الموارد الدولارية أو لارتفاع سعر السلع بما يقلل من فرص تسويقها. 

ورغم كل تلك الإجراءات، تعلن مصلحة الجمارك عن بيانات الواردات في الفترة من يوليو 2015 وحتى مايو 2016، التي تمثل 11 شهرا من العام المالي 15/2016، لتصل إلى 528 مليار جنيه، مقابل 413 مليار جنيه في الشهور نفسها من العام المالي السابق، بنمو 28 %. 

وشملت زيادة الواردات السلع الغذائية الأولية للصناعة وللاستهلاك والسلع الغذائية المصنعة والمستلزمات الصناعية، والسلع الرأسمالية وقطع الغيار وسيارات الركوب والسلع الاستهلاكية المعمرة وغير المعمرة، وبقائمة المجموعات السلعية للواردات كانت الزيادة بكل النوعيات، عدا الوقود الخام لأسباب تتعلق بتراجع الأسعار العالمية للبترول وليس بالكمية، بما يشير لفشل الإجراءات الحكومية في تقليل الواردات، والمعروف أن البيانات الرسمية لا تشير لكل كميات السلع المستوردة، حيث لا يتم احتساب السلع التي يتم تهريبها ولا تدخل ببيانات الجمارك، وتم تقديرها بحوالي نصف قيمة الواردات السلعية السنوية.

إلا أنه رغم ذلك، فقد شهدت الأسواق المصرية نقصا واضحا في العديد من السلع المستوردة، منها السيارات وقطع غيار السيارات والأدوية وبعض المستلزمات الطبية والأجهزة المنزلية وغيرها، مما أدى لارتفاع أسعار الكثير من السلع، وقد يرجع ذلك لصعوبات حصول المستوردين والمهربين على العملات الأجنبية، التي ارتفعت أسعار صرفها جميعا أمام الجنيه المصري.

وتختلف وجهة نظر المستوردين والتجار بل وعدد من الخبراء الاقتصاديين عن وجهة الحكومة، في أن السلع الاستهلاكية مثل نسبة محدودة من إجمالى الواردات السلعية، بينما غالبيتها سلع ضرورية تتمثل في المواد الخام والسلع الوسيطة والسلع الرأسمالية، التي لا يوجد بديل محلي لمعظمها. 

بل إن تلك السلع المستوردة تمثل مكونات أساسية للسلع التي يتم تصديرها، ودون استيراد ستتأثر قيمة الصادرات، وبالفعل فقد أشارت بيانات الجمارك إلى تراجع قيمة الصادرات المصرية خلال الشهور الأحد عشر بنسبة 4 %، لتصل إلى 163 مليار جنيه مقابل 171 مليار جنيه، في الفترة نفسها من العام المالي السابق.

وهكذا بلغت قيمة العجز بالميزان التجاري المصري تلك الشهور الأحد عشر 364 مليار جنيه، مقابل 242 مليار جنيه بنمو 50 % لقيمة العجز التجاري، وهي المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد حاليا، حيث تمثل نسبة الصادرات 31 % من قيمة الواردات. 

وتحاول وزارة التجارة الخارجية في بعض الأحيان إيهام السوق بالنجاح في خفض الواردات، من خلال إعلان بيانات بعض الشهور، وهي البيانات التي تعبر عن التجارة من خلال المجالس التصديرية، والتي لا تشمل كل سلع التجارة الخارجية خاصة البترول الخام والمنتجات البترولية، التي تشكل حوالي ثلث التجارة الخارجية. 

ومن ناحية، أخرى منعت وزارة التجارة الخارجية جهاز الرقابة على الصادرات والواردات المنتج لتلك البيانات من إعلانها، منذ عدة شهور بعد تكرار تعبيرها عن تراجع الصادرات، ليتم إعلانها من خلال الوزارة فقط، التي تكتفي بإعلان نتائج بعض الشهور، التي ترى أنها تفي بالغرض الدعائي الحكومي.