كتاب عربي 21

فقدان الثقة في البنوك والاقتصاد المصري

1300x600
في أواخر الثمانينيات، انهار الاتحاد السوفيتي وتفكك إلى دويلات وفقد المواطنون الروس الثقة في الروبل الروسي وهو عملة الاتحاد السوفيتي السابق، وأخذ الروس يتبادلون السلع فيما بينهم بالسجائر فأصبحت تقوم بشراء الموز مقابل سيجارتين على حين السكر بأربع سجائر، هذه ليست مزحة ولكنه كان واقع الحال حين انهارت الثقة في الروبل الروسي، رغم أن الروبل الروسي كان هو العملة الوحيدة المغطاة بالذهب آنذاك فكان كل روبل له وزن معين من الذهب، ورغم ذلك فقد الروس الثقة في عملتهم وأحلوا السجائر والدولار محلها. 

وفي أواخر العشرينيات من القرن الماضي كانت واشنطن مثلها مثل نيويورك والمدن الأمريكية الأخرى تعج بالحفلات والترفيه وزادت طموح الأمريكان وشغفهم نحو حيازة الثروة، وعرف الأمريكان طريقهم للبورصة وبدؤوا في حيازة الأسهم والسندات طمعا في الثراء الفاحش. 

وفي يوم الخميس الأسود الموافق 24 أكتوبر عام 1929 باع الأمريكان 12.9 مليون سهم في يوم واحد، وهو 3 أضعاف المبيعات في الأيام المعتادة وانخفضت أسعار الأسهم بنسبة 23% وانهارت فرض العمل وزادت البطالة إلى 25% بعد أن كانت 3% في العام الذي قبله وانخفضت الأجور إلى النصف تقريبا وعاشت أمريكا وأروبا أوضاعا اقتصادية صعبة لعشر سنوات. 

وفي أوائل العشرينيات من القرن الماضي بعد الحرب العالمية الأولى، انهار المارك الألماني نتيجة ارتفاع الأسعار، لدرجة أن ورقة المارك كان أوفر لاستخدامه كوقود بدلا من شراء الحطب، ورغيف الخبر ارتفع سعره بدلا من 1 مارك ليصبح 100 ألف مارك خلال الأزمة.

والوضع الآن في مصر أصبح على شفا انهيار كامل للاقتصاد، فالبنوك المصرية أصبحت عاجزة عن تلبية الطلب على الدولار، وأصبح الدولار يوميا بل ربما كل ساعة له سعر، وأصبح الاقتصاديون عاجزين تماما عن التوقع للمستقبل، فسوق الدولار في مصر لا يستطيع المختصين تقدير الطلب على الدولار، فوفق الدراسة الأمريكية التي أعدت بالاشتراك مع البنك المركزي المصري، كانت توقعت أن سعر الدولار ما بين 12 إلى 14 جنيها، لكن بعد أن فاق الدولار الـ18 جنيها أصبح الطلب على الدولار محكوما بالمضاربات وزيادة العجز في الموازنة العامة للدولة وتدهور الثقة في الجنيه المصري، وزاد من سوء الوضع منع البنوك المصرية تحويل أي دولارات للخارج، ومنعت تقريبا استخدام الكروت الائتمانية (الكرديت كارد أو الديبت كارد) سواء للاستخدام  أغراض التجارة المحلية أو للشراء من الخارج، فأصبحت ودائع المصريون كلها لا قيمة لها إلا للاستخدام بالعملة المحلية، فكثير من المواطنين في مصر أصبحوا يقفون طوابير لسحب إيداعاتهم من البنوك، نتيجة لعدم جدواها للمواطن، فإذا أراد أن يسافر للعلاج بالخارج لم يعد مسموحا له أن يحول دولارات للخارج للعلاج أو للسياحة أو حتى لشراء أجهزة لورشته، ولم يعد مسموحا بخروج أكثر من 5000 دولار مع المسافر. 

إذا لم يستطع المواطن الاستفادة من ماله الخاص وهو جهده وثروته، فلا يستطيع أن يستورد أو أن ينتج أو يعالج على نفقته أو يعلم أولاده في الخارج، فمن هنا تفقد الثقة في البنوك المصرية، وفقدانها سيؤدي إلى آثار سلبية ستلحق بالاقتصاد المصري. 

ولن تستطيع البنوك المصرية توفير الدولارات لاهي لديها مشروعات استثمارية أو إنتاجية تولد دولارات ومشروعات القطاع العام الذي كان سند التنمية وقائما على التصدير في كثير من الصناعات. 

فلن تستطيع البنوك المصرية حشد المدخرات وتعبئتها لتمويل عملية التنمية، والحقيقة أن دور البنوك في هذا المجال أصبح دورا محدودا للغاية فالبنوك لم تعد قادرة على توظيف الفوائض الادخارية التي لديها، فالبنوك لديها فوائض تقدر بـ 2000 مليار جنيه مصري، وأغلب استثماراتها في شراء سندات الخزانة العامة التي تطرحها الحكومة والتي توجها الحكومة لأغراض الإنفاق الجاري والذي لا يمثل زيادة في الاستثمارات أو توليد دخل إضافي يمثل إضافة للناتج المحلي الإجمالي. 

إن ما يحدث في مصر الآن كفيل بهدم الهيكل الاقتصادي كاملا فلا المواطن المصري سيثق في البنوك ولا المستثمر الأجنبي ستكون عنده الثقة في الاقتصاد طالما أن أزمة الصرف مهددة بالتزايد مما سيأكل الأخضر واليابس من النمو الاقتصاد المصري وسيصاب الاقتصاد بحالة من انكماش وركود تضخمي سيعاني منه الشعب المصري أشد معاناة.