كتاب عربي 21

الجماعة البائسة !

1300x600
حين يموت إنسان فإن جلال الموت يدفن معه كل شقاق وخلاف ولا يتبقى سوى الترحم على من مات وتسليم الأمر فيه لله لأن الميت صار بين يديه سبحانه وتعالى وليس للبشر عليه سلطان مهما كان خيره أو شره، ما تم روايته عن صلاة الغائب على القيادي الإخواني محمد كمال في تركيا وما حدث فيها من مغادرة لبعض قيادات الإخوان بسبب حديث قيادي إخواني آخر ينتمي لجبهة كمال، ثم تحول الأمر إلى إقامة صلاتين بمعنى صلاة لكل فريق على الميت نفسه في أماكن مختلفة! ما حدث يمثل انعكاسا للصراع البائس على قيادة الجماعة. 

محمد كمال الذي أعلنت صحف السلطة اعتقاله وبعدها بعدة ساعات أعلنت مقتله كان شخصا مثيرا للجدل في السنوات الأخيرة، ووصفه بيان الداخلية بأنه مؤسس الجناح العسكري الحديث للجماعة ومؤسس اللجان النوعية التي ينسب إليها أعمال عنيفة ضد النظام، من المثير للدهشة أن الرجل كان متهما من قبل قطاع من الإخوان بأنه موال للأمن ويعمل تحت سمع وبصر السلطة وأن ما يقوده من تمرد ضد القيادة التاريخية (جبهة محمود عزت) هو عمل تباركه السلطة لكسر الجماعة وشق صفها الموحد، وحين تم الإعلان عن مقتله سارع عدد من أنصار الرجل إلى اتهام جبهة عزت أنها قد سلمت كمال للأمن لتنتهي من إزعاجه وتكسر جبهته التي تدعو لتنحي القيادة التاريخية وتولية أمر الجماعة لقيادات شابة وجديدة تصلح أخطاء القيادة السابقة التي قادت الجماعة لكوارث ومآس لاحدود لها. 

أشد المتشائمين بخصوص الجماعة لم يكن يتخيل أن يصل الصراع بين قياداتها لهذا الحد الذي وصل للتخوين وتبادل الاتهامات وسط ظرف عصيب يصفه متابعو الجماعة بأنها المحنة الأكبر في تاريخها منذ التأسيس، محمد كمال أستاذ الطب المتمرد وصفه الكاتب عماد غانم بأنه وفريقه (يقودون أكبر انشقاق يحدث في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، فلم يحدث من قبل مثل هذا الانشقاق في البناء التنظيمي للجماعة، وكانت الانشقاقات تقتصر على القيادة العليا، ولم يكن يعدو الأمر خروج فرد من القيادة أو أفراد أما ما نحن بصدده فهو انشقاق حقيقي – إن اكتمل – يطال القيادة وجسد الجماعة على السواء، فهو انشقاق رأسي وأفقي في الآن ذاته والمناطق الجغرافية التي تتبع الدكتور محمد كمال وفريقه ليست بالهينة ولا الصغيرة، حتى إننا نرى في المنطقة الجغرافية الواحدة فريقين، فريق يتبع القيادة هذه وفريق يتبع القيادة تلك. ومع الاختلاف على تحديد النسب، حيث إن كل فريق يروج لأنه هو القيادة التي تنضوي من تحتها أغلب القطاعات التنظيمية، إلا أن الواضح أن لكل فريق تابعيه، وقد أصبح لكل فريق –تقريبا – هيكله التنظيمي المستقل، إذن، نحن أمام أكبر انشقاق في تاريخ جماعة الإخوان، يتأكد هذا الانشقاق وتتشكل ملامحه النهائية، بإصرار كمال على المضي في إجراءاته، إلى حد إجراء انتخابات جديدة لمكتب إرشاد جديد ومجلس شورى جديد). 

الطريقة التي تم بها قتل كمال أدخلته في زمرة الملهمين لشباب الجماعة الذين تفتخر أدبياتهم بسيد قطب وعبد القادر عودة وكمال السنانيرى وتعتبرهم شهداء سطروا صفحات من البطولة والفداء والثبات على المبدأ، اليوم تواجه القيادة التاريخية للجماعة هذا المأزق، فلم يعد سهلا تشويه كمال ولا جبهته أو التعامل معهم كمنشقين خارجين عن لوائح الجماعة وقيادتها التى تحتكر الشرعية، مقتل محمد كمال لن يوحد صف الجماعة كما يتخيل بعض الحالمين بل سيزيده انفراطا وتشققا وسيضاعف الحالة الراديكالية في نفوس جبهته الذين يلومون القيادة التاريخية ويحملونها مسؤولية مقتله بسبب سياستهم المهادنة للنظام – كما يرونها من وجهة نظرهم – أخطر ما أصاب جماعة الإخوان اليوم هو كفر قطاعات كبيرة من أبنائها بقيادتهم وعدم ثقتهم فيها بعد أن تعرضوا على مدار ثلاث سنوات لصدمات متتالية بسبب هذه القيادة. 

لا يمكن الحكم على نموذج محمد كمال وجبهته بشكل موضوعي لغياب المعلومات الكافية بين فريق يراهم منظرين للعنف ومتورطين فيه وبين فريق يراهم يمثلون الجناح الثورى للجماعة الذي كان يجب أن يتصدر المشهد ويقود مواجهة السلطة وإنقاذ التنظيم مما آل إليه من فشل وانهيار، لكن المؤكد أن انشطار جماعة بحجم الإخوان في منتهى الخطورة ويمثل فرصة سانحة لتنامي تيارات داخل التنظيم تتبنى العنف وقد تمارسه لاحقا. 

استمرار ضغط السلطة على تنظيم الإخوان ينحرف بقطاعات من الجماعة لأفكار أكثر تطرفا وتشددا واستمرار القيادة التاريخية الفاشلة للجماعة يعظم فرص التمرد والانشقاق، لن تنسى جبهة كمال ما فعلته القيادة التاريخية بمنع المساعدات المادية عن أسر المعتقلين التابعين لمكاتب إدارية خرجت عن طوع جبهة عزت ولن تنسى تخوين كمال وجبهته وما قيل في حقهم على مدار الشهور الماضية. 

مأساة جماعة الإخوان الحالية ليست في السلطة التي تعمل لاستئصالها فقط بل أيضا في قيادتها التي صنعت كل هذه الخطايا والأهوال وتصر على الاستمرار، معاناة آلاف أسر المعتقلين وتآكل التأييد الشعبي للجماعة ولعب الأطراف الإقليمية بالجماعة والتخلي عنها وانشقاق الآلاف من أفرادها ويأسهم من إصلاح القيادة كل ذلك لم يغير قناعات القيادة الفاشلة بالتنحي والخروج من المشهد للأبد. 

الجماعة التي كانت تصف نفسها بالجماعة الربانية صارت جماعة بائسة بين صراع على القيادة وثمن باهظ تدفعه نتيجة خيارات خاطئة واستعلاء أحمق وهوس بالسلطة والتمكين وسذاجة سياسية صنعت مشهدا مكن الثورة المضادة من التهام الجميع، هل تتعلم الجماعة من تجارب شقيقاتها في الأردن والمغرب وتونس، وهل تتعلم من تجربتها في الخمسينات وتجربتها الأخيرة في مصر؟ الأيام تخبرنا!