مقالات مختارة

حروب أبو ظبي

1300x600
يثير الانتباه ويستدعي العديد من الأسئلة الجهد الذى تبذله أبوظبي فيما سمي بالحرب على الإرهاب في داخل العالم العربي وخارجه. ورغم أن الممارسات تتم باسم دولة الإمارات العربية، إلا أن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن إمارة أبوظبي بالذات تقود ذلك الاتجاه، وتطلق المبادرات الخاصة به. أما الإمارات الأخرى فبعضها له رأي آخر في التعامل مع الملف، ومنها غير المكترث بالموضوع، أو غير القادر على تحمل كلفة أعبائه.

ما دعاني إلى التطرق للموضوع أنني قرأت تقريرا نشرته صحيفة الحياة اللندنية (في 9/7 الحالي) تحدث عن اتفاق تم توقيعه في أبوظبي مع الولايات المتحدة الأمريكية، لإطلاق مركز يتولى مواجهة الفكر "الداعشي". 

وقع الاتفاق عن دولة الإمارات وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور بن محمد فرقاش، وعن الولايات المتحدة وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية والشؤون العامة ريتشارد ستنجل. وبمقتضاه تم الاتفاق على إقامة مركز "صواب" للتراسل الإلكتروني. وهدفه دعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد تنظيم داعش. 

وذكر البيان الصادر بخصوص الموضوع في أبوظبي أن المركز يتطلع إلى إيصال أصوات المسلمين وغير المسلمين في جميع أنحاء العالم ممن يرفضون الممارسات والأفكار المضللة التي يروجها أفراد التنظيم. ولأجل ذلك فإنه سيعمل على تسخير وسائل الاتصال والإعلام لتصويب الأفكار الخاطئة، وإتاحة مجال أوسع لإسماع الأصوات المعتدلة. وسيتصدى المركز لهذه المهمة من خلال تواصله مع الجمهور عبر الإنترنت، ومواجهة وتفنيد الادعاءات الكاذبة والتفسيرات الدينية الخاطئة التي تبثها عناصر التنظيم. 

في هذا الصدد، ذكر السيد فرقاش أن المركز سيتعاون مع حكومات المنطقة والعالم، بما في ذلك حكومات 63 بلدا مشاركا في التحالف الدولي ضد داعش لتحقيق ودعم الاستقرار والأمن في المنطقة. 

ويرى وكيل الخارجية الأمريكي أن بلاده تقدر عاليا شراكتها مع دولة الإمارات في مكافحة التطرف. وأن مركز صواب سيظهر لتنظيم داعش وغيره من المتطرفين أن المسلمين المعتدلين في كل مكان يرفضون أفكارهم البغيضة وممارساتهم الوحشية.

في التقرير المنشور فإن مركز "صواب" الجديد امتداد لمبادرات أخرى أطلقتها أبوظبي في الاتجاه ذاته، منها مركز "هداية" لمواجهة التطرف، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة. إضافة إلى مجلس حكماء المسلمين الذى أرسل قوافل إلى 15 دولة للدفاع عن سماحة الإسلام واعتداله.

ما أثار انتباهي في ذلك التوجه عدة أمور، أولها أن دولة الإمارات لا تعاني من مشكلة التطرف والإرهاب من أي باب. ثانيها أن الاتفاق تم مع الولايات المتحدة التي لا يعرف لها دور في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين. الأمر الثالث أن المبادرات الأخرى التي اطلقتها الإمارات تصب في الاتجاه ذاته، حيث لا فرق يذكر بين مركز هداية ومركز صواب، ودورهما ليس بعيدا تماما عن مهام منتدى تعزيز السلم أو مجلس حكماء المسلمين.

الأمر الرابع أن أبوظبي دخلت في مواجهة واسعة النطاق وحامية الوطيس مع جماعات الإسلام السياسي، خصوصا بعدما هبت رياح الربيع العربي، ورغم أنها لم تتخل عن ذلك الدور حتى الآن، إلا أنها ركزت في الآونة الأخيرة على الحرب ضد الإرهاب. في حين لم تكن لها مشكلة مع الاثنين، لكن مشكلتها الحقيقية كانت مع الربيع العربي الذى عارضته واحتشدت ضده أغلب الدول الخليجية.

استطرادا، فإنه يلفت النظر أيضا أن دولة الإمارات أطلقت مبادرات أخرى موازية من خلال الأنشطة التي تتولى تمويلها في بعض الدول العربية، ومنها مصر التي قامت فيها بتمويل أربعة أو خمسة مراكز بحثية، إلى جانب أنشطتها التمويلية الأخرى، كما أنها تقوم بتمويل أربعة مراكز حقوقية على الأقل في أوروبا تباشر عدة مهام، منها مواجهة الإسلام السياسي والمساهمة في الحرب ضد الإرهاب، وهذه المراكز هي: الشبكة العالمية للحقوق والتنمية، ولها مكتبان في أوسلو وجينيف ــ من أجل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو مركز له مكاتب في لندن وأوسلو وجينيف ــ المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان في جينيف ــ مركز جينيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي. 

ويتردد في أوساط الحقوقيين أن محمد دحلان الذى يتولى بعض المهام الخاصة في أبوظبي هو من أنشأ هذه المراكز، وعين مديرين فلسطينيين لأغلبها. كما أنه يبذل جهدا لإقامة منبر إعلامي إماراتي في لندن.

لدي ملاحظات ثلاث على تلك الأنشطة هي: أنها تعبر عن طموح مشروع ورغبة في إثبات الحضور في الفراغ العربي المخيم ــ ثم أنها تمارس على جبهة عريضة تتجاوز إلى حد كبير طاقات الإمارات التي قد تتوافر لها القدرات المالية، ولكن الأمر مختلف فيما خص الخبرات البشرية التي تنهض بتلك المهام، الملاحظة الثالثة أنها تكثف الإنفاق على ما هو سياسي على قلة مردوده، في حين أن ما هو إنساني على أهميته البالغة في العالم العربي لا نكاد نرى له حضورا يذكر.

لقد تمنيت أن تتسق الدول الخليجية جهودها فيما تبذله خارج حدودها. لكن الفشل الذى مني به العمل العربي المشترك في مجالات الاقتصاد والسياسة، والتمسك بالتنسيق الأمني وحده، دفعني إلى استبعاد الفكرة في الوقت الراهن، على أمل أن يتوافر للعالم العربي يوما ما عقل رشيد يهذب الطموحات ويحسن ترتيب الأولويات، بحيث تصب الجهود فيما ينفع الناس، وليس فيما يستجيب لأهواء الأنظمة والحكام.



(نقلا عن صحيفة الشروق)