كتاب عربي 21

لماذا أعدم الكساسبة حرقا؟

1300x600
التعذيب بالنار من كبائر الإثم في الدين الإسلامي، لأن هذا الحق في معتقداتهم لله وحده، لذلك استنكر جميع المسلمين الذين يدينون حقا بالإسلام ويؤمنون بمعتقداته حرق الكساسبة، ولكن هل يحرم حرق الكساسبة ويحلل حرق غيره؟ 

والسؤال الذي نطرحه لماذا كان إعدام الكساسبة حرقاً، وليس بالسيف؟ والإجابة مطروحة للقارئ. 

كم من المؤسف ما آلت إليه الأوضاع في سوريا؟ همجية وحشية نقف عاجزين عن وصفها، وآخرها كان مشهد، يقال إنه إعدام للطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً، على الأراضي السورية، من تنظيم الدولة. 

ونأسف مجدداً لأننا نتوقع الأسوأ من الممارسات اللاأخلاقية والجرائم الممنهجة، في الفترات القادمة، طالما أن ردات الفعل العربية والعالمية لن تتجاوز الندب والشجب الإعلامي لحوادث فردية. 

ردات فعل غاضبة، تنوعت من خلالها الدعوات للثأر للكساسبة، والقضاء على تنظيم الدولة. قادة دول وكتّاب ومحللون، أتخموا وسائل الإعلام بقراءة الرسائل التي بثها تنظيم الدولة عبر هذا الإعدام البشع، وتجاهلوا عن قصد أو عن غير قصد، الأسباب التي أدت إلى وصولنا إلى هذه الوضع الأمني المتردي والعنف المستشري على الأراضي السورية، منذ تمكن تنظيم الدولة من سيطرته على الأراضي السورية و العراقية وتمدد نفوذه عليها.

محاولات المجتمع الدولي والحكومات العربية، الحفاظ على وجود نظام الأسد وحمايته، والدأب المستميت للدفاع عنه، هو السبب الحقيقي وراء حرق الكساسبة وإعدام الصحفيين، وقتل المدنيين والأبرياء على أيدي أطراف الصراع المسلح في سوريا. لا أحد بريء مما يحدث، ودم الكساسبة لن يكون يوماً أغلى من دماء السوريين على السوريين، مهما بلغ التعاطف والشجب في الأوساط السورية.

المجتمع الدولي يدرك تماماً أن ميوعة مواقفه تجاه انتهاكات الأسد التي تجاوزت الأعراف الإجرامية وراء هذه الأزمات السياسية في العالم العربي والغربي على حد سواء، وهو الحقيقية التي لا يمكن حجبها أو إنكارها عن الأوساط الشعبية.

سوريا في حالة انهيار أمني، والأسد الذي تدافعت دول لإبقائه، هو اليوم أعجز من أن يدافع عن أمن المناطق التي مازالت تحت سطوة حكمه، فها هو زهران علوش قائد جبهة الإسلام يعلن العاصمة دمشق منطقة عسكرية، غير مستثنٍ أي حي من أحيائها. 

وبعد ما شهدناه في الفترة الماضية من عمليات في قلب العاصمة، لا ينبئنا إعلان علوش إلا بمزيد من التدهور السياسي والأمني، ويبدو لنا أنها الرسالة الأقوى من فصيل مسلح، تعوّق أي حل سياسي مأمول.
 
 لقد بات من الواضح أن المجتمع الدولي أمام خيار التدخل البري للقضاء على تنظيم الدولة الذي تجاوز تهديده منطقة الشرق الأوسط، وبات تهديداً حقيقياً لأوروبا وأمريكا، ولم تسلم اليابان وغيرها من دول العالم من التأثر بنتائج بقائه وتمدده. 

ورغم محاولات الإدارة الأمريكية تجنب أي تدخل بري، والالتفاف على دول إقليمية وعربية لزجها في هذه الحرب الشعواء، إلا أنها تدرك أن تشكيل تحالف دولي أو عربي أو إقليمي للتدخل البري ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، لن يكون قبل الإنهاء على الأسد بشكل جدي، وضم الأطراف المسلحة المتصارعة تحت جناح متوازن على أقل تقدير.

فتنظيم الدولة يتغذى من الصراعات المسلحة، وينمو في بؤر الفساد والفوضى الأمنية، وهي الإمدادات الأكثر رفداً له، وقَطعُها عليه هو الأَولى، في حال أريد للمنطقة قليل من الاستقرار السياسي والأمني.