كتاب عربي 21

تشريع القتل وانتهاك حقوق الإنسان في مجلس اللا- أمن

1300x600
هددت حكومة البيت الأبيض في عام 2013 بتوجيه ضربات ضد نظام الأسد، إذا ثبت استخدامه السلاح الكيماوي في قصف المدنيين، لكن موسكو العضو الدائم في مجلس الأمن تدخلت لتجنيب الأسد هذه الضربة وأقنعته بتسليم جزء من أسلحته الكيماوية، وعملت على إنجاح اتفاق سبتمبر من العام ذاته، القاضي بتسليم الأسد ترسانته من هذه الأسلحة الخطيرة تجنبا لقصف الولايات المتحدة التي انهالت على الأسد حينها بوابل من التهديدات الجادة بأن أي عمليات تحايل أو تباطؤ قد يدفع الأسد ثمنها غاليا. 

وأقر مجلس الأمن في العام ذاته قرارا يقضي بتدمير الترسانة الكيماوية السورية، وتمكنت بذلك روسيا من القفز فوق خطوط أوباما الحمراء التي وضعها للنظام السوري، وبالتالي جنبت العاصمة دمشق الضربات الأميركية والتي بدت قريبة التحقيق، خصوصا بعد تجاوز أعداد ضحايا القصف الكيماوي الألف والخمسمئة شهيد على أدنى تقدير. 

سوريا لم تقم بتسليم ترسانتها الكيماوية كاملة، وتم اكتشاف أربع منشآت كيماوية سرية قام الأسد بالاحتفاظ بها واستخدام ما فيها في عمليات قصف طالت عدة مدن وقرى ثائرة ضد نظامه. وقد صرحت حينها عدة مصادر دبلوماسية غربية وإسرائيلية بأن الأسد مازال يحتفظ بكميات قليلة من ترسانته الكيماوية، وتراوحت حينها التوقعات من العشرين إلى الثلاثين بالمئة من كامل الترسانة، وهي كمية كافية لقتل الآلاف وإثبات كون الخطر باقيا لم يزل، وهذا ما حدث فعلا حيث استمر الأسد في قصف المدنيين العزل بحجة القضاء على المعارضة السورية بالغازات السامة والمحرمة دوليا. 

أغمضت دول مجلس الأمن عيونها وصمّت آذانها وكأنها لا تعرف الفاعل الحقيقي وعلى الرغم من تأكيد الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها كيري، أن نظام الأسد متورط باستخدام هذه الأنواع من الأسلحة المحرمة دوليا من غاز الخردل والسارين والفوسفور وغيرها، باعتبار أنه ليس من الصعب على المعارضة السورية أن تتمكن من تملك هذه الأنواع من الأسلحة، إلا أنها لا تمتلك مروحيات أو طيران يمكنها أن توظفه لهذا النوع من القصف وأن النظام وحده يمتلك الأجواء السورية من بين القوى المتصارعة على السلطة في سوريا.  

ولحماية القاتل وتوفير المزيد من الوقت للقتل والتدمير، فقد تم خلط الأوراق وتوجيه أصابع الاتهام إلى المعارضة على الرغم من انتفاء الحجة وبعد الاحتمال لضعف إمكانات المعارضة، وعدم امتلاكها القدرات التي تتيح استخدام هذه الأسلحة بل ثمة حجة مفحمة على عدم استخدامها وهي أن المعارضة والحاضنة الشعبية من المدنيين هم ضحايا هذا السلاح! ومع ذلك أصدر الأمين العام للأمم المتحدة قرارا يقضي بإنشاء لجنة خبراء لتحديد المسؤولين عن هجمات باستخدام الأسلحة الكيماوية ومنها غاز الكلور وأي مواد كيميائية سامة أخرى ومحاسبتهم، سواء أكانوا أشخاصا أم كيانات أم حكومات، وسواء أكانوا من المنفذين أم المنظمين أم الداعمين أم المتورطين. 

على إثره تم تعيين فرجينا غامبا من الأرجنتين لرئاسة لجنة مستقلة مكونة من ثلاث أعضاء لقيادة الفريق المشترك من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيمائية، بشأن التحقيق في استخدام المواد الكيمائية كأسلحة في سوريا، أين نتائج التحقيق وأين العقوبات الرادعة؟ الأسد مازال يستخدم الأسلحة الكيماوية والقنابل الحارقة والبراميل المتفجرة. 

فإذا كان مجلس الأمن قد أباح للأسد وأتاح له كل هذه الفرص ليمارس إرهابه وإجرامه بحماية واحدة من أقوى أعضائه، فكيف يمكن أن نتوهم أن ينظر بشكوى ضد أعضائه دائمي العضوية إذا ما اعتدوا واستخدموا أقذر أنواع الأسلحة ضد شعب كل همه أن ينال شيئاً من الحرية والكرامة؟ ونتساءل: هل القصف الروسي بالأسلحة المحرمة دوليا ومن بينها مادة الفوسفور سيدخل يوماً في نطاق التحقيق؟ وبالتالي هل سيحافظ السيد بانكيمون على قراره الذي اتخذ بالإجماع ووافقت عليه روسيا! وهل سيتم محاسبة حكومة بوتين على استخدامها الأسلحة الفوسفورية والمحرمة دوليا في قصف الشعب السوري؟ أم إن ما يحق لأعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية لا يحق لغيرهم؟  

ونقول للسيد بانكيمون: ألم يعتريك القلق وأنت تشاهد بشكل مباشر عبر الصوت والصورة الطيران الروسي يقصف بالقنابل الفوسفورية بلدة بينين بجبل الزاوية في ريف إدلب وما تسبب به قصفه من إصابات قاتلة وحرائق وانفجارات هائلة؟ وهل تجريب القنابل العنقودية الذكية الروسية على الأطفال والنساء والشيوخ حلال ومباح؟  

إلى الآن لم نر من مجلس الأمن إلا منح الفرص لاستمرار الجريمة بحق السوريين، بل إن أعضاءه الأقوياء هم القتلة الإرهابيون، وحماة القتلة، ولا يملك الضعفاء منهم غير التنديد،  لذا، وبعد أن فرغ الاسم من معناه نقول لمجلس الأمن: أنت مجلس اللاأمن، للأسف، إذا كنا لم نقرأ من خلال متابعتنا لسير التحقيقات أي مؤشر إدانة حقيقية للأسد، فكيف لنا أن نتوقع إدانة سيده الروسي؟ وكيف نحلم بعقوبة الجريمة المنظمة؟ 

وإذا كنا لم نشهد خلال خمس سنوات من القصف المستمر بكافة أنواع الأسلحة المحرمة دوليا سوى خطوط حمر وهمية من قبل إدارة البيت الأبيض، فكيف لنا ألا نتوقع أن تكون الخطوط دائما خضرا إذا ما تعلق الأمر بحكومة بوتين؟  

وإذا عايشنا رفض مجلس الأمن تمرير قرار يدين استخدام البراميل المتفجرة التي سميت ببراميل الموت والتي تفنن شبيحة الأسد في ملئها بكل ما هو مؤذٍ وقاتل، فكيف لنا أن نأمل بأي إدانة ولو شفهية من قبل المجتمعين في "فيينا 2" لجريمة القصف الروسي للشعب السوري بالأسلحة الفوسفورية والمحرمة دوليا؟ ألا يحق لمجرمي مجلس الأمن ما لا يحق لغيرهم؟!