كتاب عربي 21

مؤتمرات أم مؤامرات تؤجل حل الأزمة السورية؟

1300x600
خرج مؤتمر فيينا حول الشأن السوري، والذي ضم سبع عشرة دولة بالإضافة إلى الأمم المتحدة، ببيان حول المبادئ الأساسية لحل الأزمة في سوريا، من هذه المبادئ وحدة سوريا واستقلالها وهويتها العلمانية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة، إضافة إلى وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات جديدة، وتنفيذ وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد.
 
وبعيدا عن الخوض في نقاط الخلاف بين الدول الأعضاء والتي بدا من أهمهما تحديد مصير الأسد، وبغض النظر عما إذا قاربت هذه المبادئ طموحات الشعب السوري والمقاومة الشعبية أم كانت أقل مما تطمح إليه، إلا أن البيان لم يتطرق إلى الآليات التي سيتم بها تحقيق هذه المبادئ، وفي مقدمتها وضع دستور جديد في سوريا، ومن ثم إجراء انتخابات جديدة يطمح أن تقود إلى سلطة ديمقراطية و منتخبة من قبل الشعب السوري، وإنما اكتفي بالقول بأن الاتفاق تم على اعتماد آلية جنيف1، دون أي تفاصيل حول الجهة التي يمكن أن تخول بتغيير الدستور أو إقرار دستور جديد يمكن اعتماد قوانينه وتشريعاته في الانتخابات الديمقراطية المأمولة، وقد كانت الحكومة الانتقالية الجهة المخولة بهذا العمل في جنيف 1، و هذا البند تحديدا تم تغييره في بيان فيينا إلى حكومة ذات مصداقية و شاملة. إذا من المهم التوضيح في هذه النقطة تحديدا للشعب السوري، وخصوصا بأن هذه الحكومة ستتمكن -بحسب إجماع المؤتمرين - من الحصول على تأييد دولي و شرعية و إقرار على أنها حكومة تتمتع بمصداقية دولية و تشمل فئات الشعب السوري كافة، فعلى أي أساس سيتم وضع رئيس لهذه الحكومة، وهل سيتم تعيينه تعيينا من قبل هذه الدول على أن يكون شخصية توافقية، و هنا من الأفضل التوضيح أكثر و الإجابة عن التساؤل الذي يطرحه هذا البند تحديدا.

كيف يمكن للشعب السوري أن يتأمل بالحصول على اتفاق جامع شامل يفضي إلى حكومة انتقالية دون وجود للأسد، وفي الوقت ذاته لم يتم الاتفاق على مصير الأسد ولا التوافق بعد على البديل؟ 

من جهة أخرى، نستغرب الحديث عن الرجوع إلى مخرجات جنيف 1 والتي تم الإجماع عليها في الثلاثين من حزيران من العام 2012 أي ما يقارب الثلاث سنوات، والتي أثبتت فشلا ذريعا في تنفيذ أي من بنودها، ونذكر بأن جنيف واحد كان قد تضمن التزاما من أعضاء مجموعة العمل بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها! ووحدتها الوطنية و سلامة أراضيها! وأنهم عازمون على العمل على نحو مستعجل! ومكثف! من أجل وضع حد للعنف والانتهاكات لحقوق الإنسان وتسيير بدء عملية سياسية بقيادة سوريا تفضي إلى عملية انتقالية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري وتمكنه من أن يحدد مستقبله بصورة مستقلة وديمقراطية! 

فهل يمكن أن نفهم السكوت عن التدخل الروسي ومن قبله الإيراني العلني على أنه حفاظ على الاستقلال، وهل يمكن أن نقرأ التدخل الإيراني الشيعي لدعم العلويين ومن بعده التدخل الروسي لحماية الأقليات على أنه حفاظ على الوحدة الوطنية؟ وهل تطور القصف من جنيف 1 إلى فيينا 1 من القصف بالكيماوي إلى العنقودي هو استعجال لوقف العنف والانتهاكات ضد الشعب السوري؟ وهل يمكن أن نفهم أن تحديد مصطلح سوريا دولة علمانية يعبر عن تطلعات الشعب السوري بصورة مستقلة وديمقراطية؟ 

اليوم الدول الداعمة لنظام الأسد وفي مقدمتها روسيا وإيران تعتبران وجودهما على الأراضي السورية، شرعيا كونه جاء تلبية لرغبة الطغمة الحاكمة التي تعتبرها صاحبة القرار الشرعي في سوريا، وتدخلها كان دعما لحلف تجمعها به صداقة عميقة المصالح، اليوم أبدت هذه الدول موافقتها بما خرجت به فيينا بل والأكثر من ذلك أنها شاركت في وضع البيان ودعمه بتصريحات دبلوماسية لاحقة. بحيث يمكننا النظر إلى فيينا على أنها أول خطوة تفاهم رسمية وتحول في مسار الصراع الدولي حول سوريا، فالتوقيع على البيان الذي ينص على تغيير الدستور وإجراء انتخابات رئاسية بإشراف الأمم المتحدة، هو إعلان رسمي عن انتهاء السيادة الوطنية والتي تمثلت بالنسبة لروسيا وإيران بشخص الأسد وعصبته، فاليوم وبعد أن انتهت روسيا من تنظيم تواجدها العسكري بطريقة لا تتعارض مع القوانين الدولية على الأراضي السورية كونها جاءت بناء على طلب من الحكومة ذاتها، وروسيا اليوم أنهت الجزء الأعظم من استعداداتها العسكرية على الأراضي السورية والتي تتحضر من خلالها لخوض معارك سياسية دولية وإقليمية حاسمة في مستقبل نفوذ القيصر الروسي، فما يقارب على أربعة آلاف عسكري اليوم يتواجدون على الأراضي السورية، معززين بأحدث أنواع الطيران الحربي والمعدات الحربية الثقيلة والأسلحة القتالية والتي كان آخرها منظومة دفاع جوي متطورة كفيلة بصد أي عمليات برية أو جوية قد تتعرض لها أي من قواعدها و مصالحها على المياه الدافئة، وعلى الرغم من أن التصريحات الروسية بررت بأن الهدف من وراء هذه المنظومة حماية المواقع العسكرية والاستراتيجية والمدنية، بما فيها مطار حميميم في مدينة اللاذقية الساحلية والذي تستخدمه القوات الروسية كقاعدة برية لقواتها الجوية بشكل خاص، إلا أننا ومع انتهاء التحضيرات والتعزيزات الروسية أو على الأقل كما يبدو لنا، نستطيع القول بأن روسيا اليوم أكملت جاهزيتها و وطدت نفوذها في أكثر من ملف دولي وإقليمي من خلال تواجدها عسكريا على الأراضي السورية وتحكمها بملف يعتبر من أهم الملفات في المنطقة. 

هذا واقع يراه كل من أراد أن يرى، أما سلسلة المؤتمرات فما هي إلا سلسلة من المطبات والعثرات، تلهي المهتمين بسوريا والشعب عن حقيقة الصراع العسكري الدولي، الذي يدفع ثمنه الشعب السوري قتلاً و تهجيراً.