كتاب عربي 21

المرشحون للرئاسة كثيرون.. لكن الشعب لم يقرر

1300x600
انطلق مزاد الانتخابات الرئاسية بشكل مبكر في تونس. وكان آخر من أعلن عن دخوله في هذا المزاد رئيس حركة وفاء المحامي عبد الرؤوف العيادي. هذه الحركة التي تشكلت على إثر أزمة عاصفة اندلعت داخل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يعتبر الرئيس الحالي للبلاد د منصف المرزوقي رئيسا شرفيا له. 

لكنه بالتأكيد ليس المرشح الوحيد الذي كشف عن نيته، وإنما عبرت عن ذلك عديد الشخصيات، ومن أبرزها الباجي قايد السبسي الذي كان أول من أعلن عن نيته في السعي للوصول إلى قصر قرطاج، رغم أن حزبه " نداء تونس " لم يقرر ذلك رسميا. كما سيتقدم أيضا كل من رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر ومحمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي، إلى جانب آخرين.

من المتوقع أن يبلغ عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة رقما قياسيا. إذ لأول مرة سيجد التونسيون أنفسهم أمام أكثر من مرشح لمنصب رئاسة الجمهورية بعد أن تعودوا لمدة تتجاوز نصف قرن على " اختيار " مرشح وحيد ودائم ومتجدد. تم ذلك بالنسبة لبورقيبة الذي أصر على البقاء في الحكم إلى أن تمت إزاحته عبر انقلاب ناعم. وعدل بن علي المشهد السياسي، وذلك بالسماح لمرشحين آخرين لا قيمة لهم قاموا بلعب دور الكمبارس ، ليبقى هو الفائز الدائم بنسبة لم تقل عن 98 بالمائة.

اليوم، تم الاتفاق على أجندة الانتخابات، حيث سيقع تقديم الانتخابات البرلمانية التي ستجري يوم 26 أكتوبر، تتلوها الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى بتاريخ 24 نوفمبر القادم، ولا يزال النقاش متواصلا حول تحديد موعد الجولة الثانية من الرئاسيات. 

 انقسمت الأحزاب حول التعامل مع هذه المحطة الحاسمة. فالأغلبية تتجه نحو ترشيح رؤسائها. وقد كانت النية في المرحلة السابقة أن يكون لتحالف " الاتحاد من أجل تونس "مرشحا مشتركا للرئاسة، وهو الهيكل الذي كان ينوي مؤسسوه تحويله إلى قوة موازية لحركة النهضة من أجل الحيلولة دون هيمنتها مرة أخرى على المشهد السياسي. لكن لم يتمكن هذا السيناريو من أن يتحول إلى واقع نتيجة اختلاف المؤسسين حول هوية المرشح. فالسيد أحمد نجيب الشابي الشخصية القوية داخل الحزب الجمهوري والطامح لخوض الانتخابات القادمة، قرر مغادرة " الاتحاد من أجل تونس " عندما أدرك بأن قايد السبسي لن يتخلى عن الترشح للانتخابات الرئاسية، وقد تأكد ذلك عندما أعلن هذا الأخير أيضا عن أن حزبه " نداء تونس " سيخوض الانتخابات التشريعية بشكل منفرد أي دون الاستعانة بحلفائه. وهو ما أطاح بآمال بقية الأحزاب اليسارية أو الليبرالية أو الوسطية التي بنت استرتيجيتها المستقبلية على تأسيس كتلة انتخابية واسعة تكون قادرة على تقليص حظوظ النهضة. 

أما بالنسبة لحركة النهضة فقد اختارت إستراتيجية مختلفة. إذ كشف راشد الغنوشي  أن حركته لا تنوي الهيمنة على الرئاسات الثلاث، وبناء عليه لم تعلن حتى الآن عن مرشح لها للانتخابات الرئاسية. بل ذهبت إلى أكثر من ذلك عندما اقترحت على الجميع التوافق على مرشح وحيد يحظى باحترام كل القوى السياسية. وهو المقترح الذي تم رفضه على نطاق واسع، لأنه حسب الكثيرين يعيد البلاد إلى العهد السابق، ويضرب الممارسة الديمقراطية في الصميم، كما أن مثل هذا المقترح من شأنه أن يفجر نزاعا سياسيا بين مختلف الأطراف حول هوية الرئيس التوافقي.

أرادت حركة النهضة بمقترحها أن تسوق صورة منفتحة على الآخرين، وهو ما حاولت أن ترسخه منذ أن غادرت الحكم. كما أنها تبدو حريصة على تجنب حدوث صراع خلال المرحلة القادمة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، كما حدث خلال المرحلة الحالية، وخاصة في عهد الترويكا.

 لكن مع ذلك، فأن الحركة قد تواجه إشكالا سياسيا إذا أصر أمينها العام المستقيل حمادي الجبالي على الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. هو لم يعلن ذلك حتى الآن، لكنه لا يزال يحتل موقعا متقدما في عمليات استطلاع الرأي، حيث تحصل على المرتبة الثانية في آخر استطلاع صدر قبل أيام. فحركة النهضة وجدت نفسها في خلاف شديد مع الجبالي عندما كان رئيسا للحكومة حين أصر على تشكيل حكومة تكنوقراط، وهو ما رفضته بشدة قيادة النهضة، ووضعته أمام اختيارين، الانضباط لقرارها أو الاستقالة، فاختار الاستقالة من الحكومة وأردفها بالاستقالة من الأمانة العامة، ولا يستبعد أن ينسحب نهائيا من الحركة إذا ما شكل ذلك عائقا جديا أمام طموحه نحو رئاسة الدولة.

  أما المنصف المرزقي فهو حريص على البقاء فترة أطول في قصر قرطاج.ورغم حجم الانتقادات الموجهة إليه من قبل وسائل الإعلام ومعظم مكونات الطبقة السياسية، إلا أنه لا يزال يعتقد بأنه قادر على أن مواجهة خصومه الذين تكاثروا بشكل واسع منذ أن اصبح رئيسا مؤقتا للبلاد. وإذ ينتظر أن يعلن عن ترشحه خلال الفترة القادمة، إلا أنه حريص الآن على تعزيز رصيده السياسي قبل انطلاق السباق الانتخابي.

هكذا يبدو المشهد الراهن لانتخابات الرئاسية قبل حوالي خمسة أشهر من انطلاق السباق. الأوراق مبعثرة، والشعارات متشابهة، والشك في الأحزاب لا يزال في حالة صعود، ولهذ السبب عندما سئل التونسيون عن الشخصية المفضلة لرئاسة الجمهورية، توجه اختيارهم نحو شخص غير متحزب، وهو رئيس الحكومة مهدي جمعة الذي يتمتع بثقة عالية من التونسيين تبلغ تسعين بالمئة، وذلك بالرغم من أنه ملتزم وفق خارطة الطريق بعدم الترشح للانتخابات القادمة!.