كتاب عربي 21

في البرامج الانتخابية

1300x600
بعد اتضاح الرؤية حول مواعيد الانتخابات تستعد الطبقة السياسية بمختلف تنويعاتها وأحزابها لإعداد برامجها للمرحلة القادمة التي تستمر خمس سنوات لأول حكومة ورئيس منتخبين انتخابات عامة حرة وديموقراطية لفترة انتخابية كاملة. 

وهم يكتبون برامجهم يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار الحقائق التالية:
الثقة بين الشعب وطبقته السياسية هي في أدنى مستوياتها بسبب ما جرى خلال الثلاث سنوات الماضية من عدم التزام بالآجال التي اتفقت عليها الطبقة السياسية وبالصراع الناجم عن فشل تلك الطبقة في التقاط اللحظة بعد انتخابات 23 اكتوبر التي كانت تقتضي تكوين حكومة وحدة وطنية شاملة تقوم على تحقيق أهداف الثورة السياسية وتمهد الطريق في فترة قصيرة لعودة الشرعية الكاملة المؤهلة وحدها لمعالجة المآزق الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها بلادنا.

هذه هي الفرصة الاخيرة لإعادة بناء الثقة قبل أن ينهار بناء الاجتماع السياسي التونسي وتسقط البلاد في الفوضى أو الاستبداد من جديد وليتم ذلك يجب أن يشعر التونسيون أن سياسييهم يشاركونهم آمالهم وطموحاتهم يتفهمون مخاوفهم ويحسون بمعاناتهم. ويقتضي ذلك الاعتراف بالأخطاء إن وجدت والمصارحة بالأوضاع الصعبة ومنها موارد البلاد الشحيحة وإبداع الحلول التي شرطها اللازم إقناع المواطنين بالمشاركة فيها والتواضع في الوعود والصدق في تنزيلها.

خلال الخمس سنوات القادمة لا يختلف التونسيون أن أولوية الأولويات بالنسبة لهم هو إصلاح نظامهم التعليمي بمختلف مراحله بعد أبعاده عن الصراعات الأيديولوجية والسياسية. تحتاج بلادنا لثورة تعليمية تربوية تعيد الاعتبار للتكوين المهني وللعملية التعليمية باعتبارها تربية بالإساس، تحتاج للعودة إلى الفلسفة التي اعتمدها بناة الدولة بعد الاستقلال في تخصيص القسط الاكبر من الموارد لهذا القطاع مع تطعيمها بما وصلت اليه البشرية من تطور في المجال وخاصة اعتبار التنمية البشرية هي أساس التنمية.

يتبع ذلك القطع مع نمط اقتصادي أثبت فشله باعتماده تسول القروض والهبات والتواكل على الدولة والتقليدية.. وإبداع نمط يقوم على إنتاج الثروة وتسهيل سبل ذلك بتخفيف القيود البيروقراطية على تأسيس الشركات وإدماج شباب الاقتصاد الموازي في الدورة الرسمية وتخفيف الضرائب بعد إصلاح نظامها نحو مزيد من العدل.. اقتصاد يقوم على إعادة الاعتبار للتجارة وخاصة التصدير وللثراء المشروع وتحفيزه وتصحيح النظر إلى الفقر باعتباره ضعفا على المجتمع والدولة التعاون على التخلص منه. 

اقتصاد مستقر تترجم نسب نموه ولو كانت منخفضة رخاء لجميع المواطنين وليس لطائفة أقلية منهم، مسيطر على نسب التضخم يحفز المستثمرين في مختلف القطاعات وخاصة أبناء البلد منهم.  
 
خمس سنوات سيتخرج فيها قرابة نصف مليون شاب جديد لسوق الشغل، لن تصمد أي حكومة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية الصعبة في الإقليم والمنطقة إذا لم تشتغل ليلا نهارا لتوفير مواطن شغل لأغلبهم.  

لن يصبر التونسيون خلال السنوات الخمس القادمة على تواصل اتساع الهوة بين نظامهم الصحي العمومي والنظام الصحي الخاص الذي يواصل النمو والامتداد داخليا وخارجيا لتتكرس صورة الشعبين والمجتمعيين في بلادنا والتي لم يعد لها محل بعد الثورة .. من اوكد واجبات الحكومة القادمة معالجة هذا التفاوت من خلال ابداع الصيغ والقوانين التي تشجع التعاون بين القطاع العام والخاص والتعاوني . 

 اعادة النظام والانضباط ومقاومة الجريمة والتوقي منها وخاصة مراجعة النظر في جريمة استهلاك المخدرات التي تدمر جيلا بأكمله في اتجاه التشديد على المروجين والتوجه الى المعالجة للمستهلكين، يقتضي ذلك عناية خاصة بمؤسستنا الأمنية تكوينا وتحفيزا وتأطيرا للتصدي لذلك ولبقية الافات وعلى راسها آفة الإرهاب. 

اعادة الاعتبار للأخلاق والعائلة وتوسيع تعريف العيش الكريم ليتجاوز الجانب المادي الى التثقيف والترفيه والروحانية، المحافظة على المحيط والبيئة والاعتناء بمنظومة النقل خاصة في الجهات المنكوبة.    

خمس سنوات هي فرصة لتتطهر فيها السياسة والسياسيون من الادران ومن نظرة المجتمع السلبية، خمس سنوات يعاد فيها توزيع السلطة وفقا للدستور الثاني الذي أعطى مكانة كبرى للجهات وللبلديات، خمس سنوات يتأسس فيها الحكم اللامركزي ويعاد انتاج الاحزاب والجمعيات على اساس من المسؤولية والمحاسبة. خمس سنوات تعطى فيها الاولوية في الاصلاح والنهوض للجهات والبلدات المحرومة.

بعد هذا هل يستطيع حزب واحد أو مجموعة صغيرة من الاحزاب في ظل معارضة شرسة منفلتة القيام على هذا البرنامج / الثورة؟؟ 
هل ترتفع النخبة لتعي أن ذلك دونه التوافق الواسع والوحدة الوطنية الشاملة والالتقاء على برنامج وطني موحد للإصلاح انتظره الشعب ثلاث سنوات ولن ينتظره أكثر.