كتاب عربي 21

أما آن لهذا الخليج أن يثور

1300x600
الخليج العربي ما زال يغط في نومه العميق وينظر بقية بلاد العرب من حوله وهي تحاول الفكاك من أسر العبودية والديكتاتورية والتبعية ‘ والغريب أنه لا يكتفي في ذلك بالمتابعة والمشاهدة فقط ‘ ولكنه يصر على أن يكون ظهيرا لأنظمة الفساد والطغيان التي تقبع على أنفاس الشعوب في هذه البلاد الثائرة المتطلعة إلى الحرية والكرامة ‘ وينفق الخليج العربي في ذلك أمواله الباذخة من أجل أن تفشل ثورات تلك الشعوب ومن أجل أن تبقى كراسي وعروش تلك الأنظمة .

العالم العربي مُثّل في هذه الثورة العربية الكبرى بكل أجزائه وكتله الجغرافية الجامعة ‘ فقد مُثّل مغربه العربي بدولتين ‘ تونس التي بدأ الله بها هذه الثورة العربية من الأساس ‘ ثم ليبيا التي ثنّى الله بها بعد تونس في محيط المغرب العربي الكبير .
والمفارقة أن تكون تونس هي مثال انتصار الثورة الشعبية السلمية في هذه الثورة العربية الكبرى ‘ وتكون ليبيا هي مثال انتصار الثورة المسلحة بعد بطش الديكتاتور الأهوج ( معمر القذافي ) بالثورة الشعبية السلمية فيها .

ومُثّّل قلب العالم العربي في هذه الثورة بمصر ‘ التي هي في الحقيقة قلبه وقالبه ‘ فهي قلبه جغرافيا ‘ وقلبه النابض الذي يمد بقية أجزائه بالحياة والبقاء ‘ وهي مع ذلك رأسه الذي يسير بقية الجسد العربي خلفه ومن ورائه تابعا موجَّها . هذا هو قدر مصر في الحقيقة ‘ وهذا هو دورها الذي أفقدها إياه العسكر في دولتهم التي ما زالت تحكم منذ أكثر من ستين عاما .
مرت الثورة بمصر _ قلب العروبة _ وما زالت مشتعلة ومستمرة إلى الآن ‘ والعالم كله ينظر وينتظر ما ستؤول إليه هذه الثورة العظيمة ‘ في بؤرة استراتيجية من العالم كله فضلا عن محيطها العربي والشرق أوسطي .

ولم تنس الثورة العربية الكبرى أن يكون لها ممثل في بلاد الشام ‘ ذلك الجزء العظيم من جسد الوطن العربي ‘ فكانت ثورة سوريا ‘ الثورة الشعبية السلمية ‘ التي اضطرها الفاشي ( بشار الأسد ) إلى أن تحمل السلاح دفاعا عن الأرواح والأعراض ‘ فتتحول بعد ذلك تلك الثورة إلى حرب أهلية كبرى . وما زال الأمل أن ينصر الله الثائرين فيها على آلة القتل الأسدية المدعومة إيرانيا ‘ والمسكوت عنها عالميا ‘ لاعتبارات يهودية وصهيونية واضحة في تخوف إسرائيل من انتصار ثورة إسلامية مسلحة على حدودها .

حتى الجزيرة العربية ‘ أبت إلا أن تشارك بممثل لها في ثورة العرب العظيمة ‘ فكانت اليمن ‘ التي منّ الله عليها بخلع الديكتاتور ( على عبد الله صالح ) ‘ بعد أكثر من عام من الثورة الشعبية السلمية ‘والتي ما زالت تجاهد إلى الآن من أجل تمام مطالبها بتطهير جسد النظام بعدما قامت الثورة بقطع رأسه .

لم يبق تكتل جغرافي عربي إلا ومُثّل في ثورتنا العربية المعاصرة ‘ اللهم إلا ذلك الخليج العربي .
ولا يصح هنا أن نقول أن ما يحدث في العراق الآن هو الثورة العراقية التي ستمثل الخليج في هذه الثورة الكبرى ‘ فمعلوم أن العراق حالة استثنائية في الواقع الخليجي العربي ‘ وذلك منذ أن بدأت الحرب على صدام حسين عام 1991 لدخوله الكويت وإعلانه احتلالها وضمها إلى الأراضي العراقية .
العراق منذ ذلك الحين استثناء من الحالة الخليجية في كل شئ ‘ فقر وحصار وحروب ‘ ثم تسلط لأقلية شيعية مدعومة من إيران ومن أمريكا على أغلبية سنية ‘ والسنة هناك هم الأغلبية الحقيقية في أصح الأقوال والتقديرات ‘ وخصوصا إذا ما أضفنا لهم الكتلة الكردية السنية  .
نقول : إن الحالة العراقية حالة استثنائية في ذلك الواقع الخليجي ‘ حتى أن دول التعاون الخليجي لم تعد منذ فترة تقبل بوجود العراق فيها ‘ وبات واضحا أن العراق قد أصبح خارج الخليج العربي سياسة واقتصادا وتوجها .

إذن فالخليج العربي ما زال في الحقيقة في خارج اللعبة الثورية العربية الدائرة .
والسؤال ‘ لماذا ؟ ‘ وإلى متى ؟ .

أما عن محاولة الإجابة عن ( لماذا بقي الخليج العربي إلى الآن بعيدا عن هذه الثورة ) فإن أهم ما يمكن أن يذكر في هذا الأمر ما يلي .

أولا_ الحالة الإقتصادية العامة لأهل الخليج .

حيث أنه على الرغم من الفساد المالي للأنظمة الخليجية الحاكمة ‘ والذي ينافس _ وربما يتفوق _ الفساد المالي المقابل له في بقية الأنظمة العربية .

إلا أن الواقع الإقتصادي الكبير لهذه البلاد الخليجية البترولية قد ساعد الأنظمة على رفع مستوى دخل الفرد عندها إلى مستوى عال.

ومعروف أن حالة الرخاء الإقتصادي تحدث حالة من الإرتخاء السياسي ‘ وخصوصا في الواقع العربي ‘ الذي هو بطبعه واقع بعيد أشد البعد عن الحراك السياسي والديمقراطي ‘ ومعتاد منذ القدم على حالة الخنوع للحاكم الفرد المتسلط .

ثانيا _ العدد السكاني الضعيف لمعظم دول الخليج .

ولا يتستثنى في ذلك إلا الحالة السعودية ‘ التي يصل فيها عدد السكان لما يزيد عن العشرين مليون نسمة ‘ أما بقية الدول هناك ‘ فإن أعدادها لا تراوح المليون .
والثورات تحتاج إلى زخم شعبي ‘ يتمثل في خروج عددي إلى الساحات والميادين ‘ وهذا ما تعجز عنه هذه البلدان التي لا تعدو_ في مساحاتها وفي أعداد سكانها _عن ولاية أومحافظة من محافظات مصر على سبيل المثال .

ثالثا _ تطرف الأنظمة الحاكمة هناك في ديكتاتوريتها .
فالواقع الخليجي العربي هوكملمح  في الصورة العربية الكبرى من أشد ملامح الظلم السياسي والقمع السلطوي .

فبقية البلاد العربية الأخرى كان بها هامش ولو بسيط من هوامش العمل السياسي والحزبي والإعلامي المعارض للأنظمة .أما الخليج العربي فلم يسمح بذلك مطلقا ‘ اللهم إلا في تجربة الكويت ‘ التي بقيت تجربة حزبية وبرلمانية هزلية ‘ يحل فيها الأمير البرلمان كل عام ‘ لتجرى انتخابات جديدة ‘ ويتكون برلمان ليحله الأمير وهكذا ‘ حتى وصل الأمر في النهاية إلى انسداد سياسي كبير ‘ ومقاطعة سياسية شاملة للإنتخابات البرلمانية من قبل المعارضة الكويتية .

رابعا _ سلفية الخنوع والإستكانة .
فالفكر الإسلامي الأكثر انتشارا في الربوع الخليجية هو الفكر السلفي ‘ أو بالأحرى ‘ اتجاه من الفكر السلفي يؤكد على عقائدية التسليم للحاكم وإن كان ظالما ‘ وعلى جرم منازعة الحاكم في أمر الحكم والسلطة ما دام لا يقر بكفر صريح .

هذا هو الفكر السائد في جموع شعوب الخليج ‘ وهو فكر أخطر على هذه البلاد وأهلها من خطر الحروب والكوارث .
ولهم في هذا علماء سوء ‘ لووا أعناق النصوص ‘ ليخرجوا لهم بمثل هذه الآراء الفاسدة .

وهكذا ‘ كما أوضحنا ......
 للحالة الخليجية العربية ما يساعد على بقائها خارج النطاق الثوري العربي ‘ ولكن هناك أيضا ما يدفعها لتكون في قلب هذا الحراك الثوري الدائر الفائر .

ولعل أهم ما يدفعها في هذا الاتجاه _ اتجاه الثورة _ هو كون أنظمتها الحاكمة قد أصبحت أهم داعم للديكتاتوريات العربية ‘ وأهم ممول لحركة الانقلابات على الثورات العربية المتلاحقة .
قد غدت هذه الأنظمة الخليجية الحاكمة هي أكبر أعداء الشعوب العربية ‘ وأكبر أعداء حريتها وكرامتها ‘ ومن وراء ذلك ‘ هي أكبر أعداء دينها ومنهجها ‘ لأن الثورات العربية في حقيقتها هي ثورات شعبية بنكهة إسلامية واضحة .

فكيف يرضى الخليجيون بذلك ‘ كيف يرضون أن يحارب دين الله في كل البقاع بأموالهم ‘ كيف يرضون أن يقتل إخوانهم المسلمون وأن تغتصب نساؤهم وأن ييتم أطفالهم ‘ كل ذلك بيد سفاح قاتل عدو لله ولدينه ‘ والذي يموله ويغذوه هو ذلك المال الخليجي .

كيف يرضى الخليجيون بذلك ‘ أما آن لذلك الخليج أن يثور .