مقالات مختارة

لماذا شيد أردوغان قصرا ثمينا؟ وما هي أسباب زيارة بوتين والبابا؟

عبد القادر سلفي
1300x600
1300x600
شهدت العاصمة التركية أنقرة، خلال الأيام القليلة الماضية، زيارات قام بها عدد من المسؤولين رفيعي المستوى من الدول الأخرى، فقد جاء نائب الرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن"، ومن بعده جاء بابا الفاتيكان "فرانسيس"، وفي يوم مغادرته للبلاد، جاء الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".

والأسبوع المقبل، سيأتي رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون". وحرص الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على استقبال ضيوفه في القصر الجديد، بشكل يليق بهيبة الدولة، واعتبارها.

ومن المنتظر أن يتوجه الرئيس التركي لزيارة فرنسا في زيارة رسمية يوليها الفرنسيون أهمية كبيرة، وستكون هذه الزيارة في شهر شباط/ فبراير المقبل. ولقد عكف الرئيس الفرنسي، وفريق عمله على دراسة جدول أعمال هذه الزيارة من الآن. فالرئيس الفرنسي يعلق أهمية كبيرة على هذه الزيارة، بعد عودته لفرنسا من زيارته الأخيرة لتركيا بانطباعات إيجابية.

ولقد تمكنت من الوصول إلى خلفية هذه الزيارت، خلال حضوري لحفل الجوائز الفنية والثقافية، الذي نُظم في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، وكنت أحد الحضور. وهي على النحو التالي:

زيارة بوتين

لقد كانت الأزمة السورية أحد الموضوعات المهمة التي تطرق إليها الرئيسان التركي والروسي، خلال اللقاء الذي جمع بينهما، وكما تعلمون الخلاف في المواقف بين أنقرة وموسكو بشأن "بشار الأسد". فهذا الموضوع كما قلت جاء على جدول أعمال الزيارة، وكان الرئيس الروسي هو من طرحه. بل والأكثر إثارة وتشويقاً أنه عرض اقتتراحاً في هذا الشأن، وقال فيه لأردوغان:

"نحن نجري مباحثات مع المعارضة السورية. فالأسبوع الماضي كان هناك وفد من المعارضة في موسكو. ولقد عقدنا لقاءات معهم. ونحن نعرف جيداً مدى تأثيركم على المعارضة. لذلك نطلب منكم إقناع المعارضة، لنعقد لقاءً بينهم وبين الأسد على طاولة واحدة".

وكان رد الرئيس "أردوغان" على اقتراح الرئيس الروسي كالتالي:

"ليس من الممكن بمكان عقد لقاء بين الأسد والمعارضة بعد ما وقع في سوريا حتى الآن، فالأسد لم تبقَ له أرضية أو شرعية". 
أليس اقتراحاً محيراً وغريباً، وغرابته مكمنها في أنه جاء بعد أن قتل النظام السوري200 ألف شخص، وأجبر ما يقرب من 4 مليون آخرين على ترك ديارهم. أي اقتراح جاء كما نقول عندنا "بعد خراب البصرة". أي بعد خراب سوريا، اقتراح ليس في محله، لأنه بعد كل هذا سيكون من المستحيل جلوس الأسد مع المعارضين على طاولة مفاوضات واحدة. لذلك كان الاقتراح الأفضل، هو بحث مسألة رحيل الأسد. ولا شك أن الهدف من وراء هذا الاقتراح الذي طرحه "بوتين"، محاولة إضفاء شرعية للأسد الذي فقد شرعيته.

مفاجأة "السيل الجنوبي"

ولقد احتوت زيارة "بوتين" على مفاجاءات أخرى، ومنها تصريحاته بشأن مشروع خط أنابيب الغاز المعروف باسم "السيل الجنوبي"، فهذه التصريحات كانت مفاجئة لنا أيضاً. وكنت لا أعرف أن الوفد الروسي، علم بهذه التصريحات في الأثناء التي تحدث فيها "بوتين" بأنقرة.

ولقد لفت الرئيس الروسي في هذه التصريحات، إلى أنه من الصعب استكمال تنفيذ هذا المشروع، بعد انضمام بلغاريا للاتحاد الأوروبي، وذكر أن الحكومة البلغارية "تعاند". ولقد علمنا بنوايا الرئيس الروسي، في أثناء البث المباشر لخطابه مع "أردوغان"، إذ قال في هذه اللحظة: "نحن تخلينا عن فكرة مرور خط السيل الجنوبي من بلغاريا، ليمر من تركيا"، وبمجرد أن قال هذه العبارة، لاحظنا الحيرة قد اعتلت وجه وزير الخارجية الروسي المخضرم "سيرغي لافروف" وبقية أعضاء الوفد الروسي المرافق لبوتين في هذه الزيارة. 

زيارة البابا

والأسبوع الماضي استضاف الرئيس التركي، بابا الفاتيكان "فرانسيس" الذي أسعدت نظرته للعالم الإسلامي "أردوغان"، إذ قال الزعيم الديني الكاثوليكي في تصريحاته، إن الدين الإسلامي دين سلام لا يحض على العنف بأي حال من الأحوال، بل وأشار إلى مقالة كتبها من قبل في هذا الشأن. ولا شك أن ما قاله البابا، هو ما نسعى لتوضيحه للعالم أجمع، وقد بُحت أصواتنا في سبيل ذلك.

القصر الرئاسي الجديد

هناك موضوع آخر أود الحديث معكم فيه، وهو القصر الرئاسي الجديد الذي شيده الرئيس التركي، وانتقل إليه بعد توليه الرئاسة بفترة وجيزة، وتسبب في حالة كبيرة من الجدل حول تكلفة تشييده. ولقد قال الرئيس نفسه للرد على ما أُثير حول هذا الأمر: "هذا القصر ملك للشعب التركي، وليس لأردوغان".

وهذا ليس بجديد على المجتمع التركي، فمن قبل قامت الدنيا ولم تقعد، حين اشترى الرئيس التركي الراحل "تورغوت أوزال" طائرة خاصة لرئاسة الوزراء، وأكثر من وجه له انتقادات في هذا الأمر، الرئيس الأسبق "سليمان دميرال". لكن أكثر من استخدم هذه الطائرة هو "دميرال" نفسه. وخيراً فعل ففي عهده – أي دميرال- تعمقت علاقاتنا بالعالم التركي. لكن الرئيس الأسبق "أحمد نجدت سزر"، حرص على عدم استخدام تلك الطائرة، فما حدث جراء ذلك؟ لم تذكره الدول التركية مطلقاً، وسأسوق لكم مثالاً على ذلك.

ذات مرة كنا في حفل رسمي في دولة تركمانستان، وقام وزير تركماني، بحصر أسماء الرؤساء الأتراك الذين زاروا بلاده، فعدد الأسماء كلها، ولم يذكر اسم "سزر"، وهو محق في ذلك، لأنه كان الرئيس التركي الوحيد الذي لم يذهب إلى أي دولة من الدول التركية. ليس هذا فحسب، بل إن قصر "تشان قايا" الرئاسي، شهد في فترة رئاسته حالة من عدم العناية، كانت تجبر رؤساء الدول الضيوف على الإقامة في الفنادق.

هل في القصص التالية قيمة واعتبار لتركيا؟

في السنوات الأولى لحكم الرئيس التركي السابق "عبد الله غل"، تمت استضافة رئيس إحدى الدول التركية، في قصر "تشان قايا"، وحينما قام هذا الرئيس في الصباح، قال "أنا صديقكم، فأنا حينما قمت في الصباح وفتحت الصنبور، جاء ماء ممزوج بالطين". وقال الموظف الذي نقل هذا الكلام على لسان الضيف "لقد احمر وجهي خجلاً، ولم أتذكر أنني حزنت مثلما حزنت حينما قال لي هذا الكلام".

رئيس الوزراء الراحل "بولنت أجاويد"، كان رئيس وزراء متواضع، لدرجة أنه جاء إلى رئاسة الوزراء بعد انتخابه، بسيارة من ماركة "كارتال – النسر"، ودب شجار بينه وبين الرئيس التركي في تلك الفترة "سزر". إذ إن البلاد كانت تعاني أزمة اقتصادية طاحنة. إذ بلغ صافي الإنتاج المحلي 200 مليار دولار، ولقد تسبب الشجار بين الطرفين، في ضياع 50 مليار دولار على الدولة. فياليت أجاويد قد ركب أفخم السيارات، ويا ليت "سزر" خرج في جولات خارج تركيا، فلو كان هذا حدث، كان من الممكن أن يرتفع هذا الرقم الخاص بإجمالي الناتج المحلي إلى 400 مليار دولار. لكن حينما جاء أردوغان، جعل مبلغ الـ200 مليار دولار 800 مليار دولار.

حكاية رسول السلطان "بايزيد الثاني" مع "الشاه إسماعيل"

أُريد أن أذكر لكم، أنني كلما ثار الجدل حول مسألة القصر الرئاسي، أتذكر على الفور حكاية القفطان (عباءة حرير) المطرز بالدر الأحمر. هذه قصة تحكي أن السلطان العثماني بايزيد الثاني، أراد إعطاء درس للشاه إسماعيل الصفوي، حينما أراد تحقيره أي تحقير السلطان بايزيد.. والحكاية باختصار كالتالي: 

ذات يوم توجه "موسى شلبي" رسول السلطان "بايزيد" إلى إيران، حرص على تطريز قفطان مطعم بأغلى الأحجار الكريمة في العالم، وحينما وصل إلى هناك، ولم يجد ترحيباً من "الشاه اسماعيل" بالشكل الذي يليق برسل السلاطين، افترش القفطان، وجلس عليه أمام الشاه، وحينما هم بالرحيل ترك القفطان مكانه.

وحينها نادى "الشاه إسماعيل" ليأخذ القفطان، فرد عليه السفير قائلاً: "أنا أتركه لكم، ليس لديكم أي سجادة أو طراحة تليق بجلوس رسول سلطان كبير مثل السلطان "بايزيد"، هذا إلى جانب أن التركي إذا فرش شيئاً على الأرض، لا يعيد أخذه مرة ثانية. هل كنتم تعرفون ذلك؟"

ما أردت أن أقوله لكم من وراء هذه الحكاية، هي أننا نفخر بعظمتنا التي يسطرها التاريخ.

عن صحيفة  يني شفق التركية
التعليقات (0)