مقالات مختارة

كيف خطّط التنظيم الموازي لإسقاط الحكومة التركية؟

عبد القادر سلفي
1300x600
1300x600
حصل أمر غريب أيام التحضير لانتخابات سنة 2011..

التنظيم الموازي الذي كان يسمى بـ"جماعة غولن"، يَحْشُد أتباعه من أجل إدماجهم كنواب برلمانيين عن حزب العدالة والتنمية. كان هذا الحدث هو الأول في تاريخ الجماعة على مستوى تعبئتها لترشيح أتباعها للانتخابات البرلمانية. بل أكثر من ذلك، ليس فقط في تاريخ جماعة فتح الله غولن، بل في تاريخ كل الجماعات الدينية. كانت لائحة ترشيح الانتخابات من أتباع الجماعة ومن تُدافِع عن أسمائهم للترشح داخل حزب العدالة والتنمية، أول سابقة في التاريخ.

الجماعة اختارت تسمية أكثر من 100 شخص واقتراحهم كمرشحين للانتخابات البرلمانية، والهدف من ذلك كله كان إقحام ما بين 70 و75 نائبا برلمانيا من أتباعها في قبة البرلمان.

في أي جزء يتواجد فتح الله غولن؟

وفي مرحلة إعداد القوائم البرلمانية، كنا نتساءل عن عدد الذين قُبِلوا كمرشحين في القوائم من جماعة فتح الله غولن. شهدتُ في ذلك الوقت الحوار التالي بين رئيس وزراء تلك الفترة، أردوغان، ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية:

أردوغان: كيف تُقيّم جماعة غولن؟

نائب رئيس الحزب: على ما أعتقد، ينقسم التنظيم إلى قسمين.

القسم الأول، يوجد في القاعدة، ويعمل بكل جدية وإخلاص. فهم المتواجدون في المدارس ودور التعليم والصادقون في عملهم.

القسم الثاني، يوجد في قمة الهرم، يهيمن ويضم ضباط شرطة، مخابرات، نواب، قضاة، وهو الشق القذر داخل التنظيم.

أردوغان: وفي نظرك، فتح الله غولن في أي شق يتواجد؟

نائب رئيس الحزب: لا يمكن أن أجزم بخصوص هذا السؤال.

أردوغان: فتح الله غولن يوجد فِي قلب القسم القَذِر الذي يقوم بقيادته.

قدّم عدد كبير من أتباع الجماعة في انتخابات2011 ترشّحهم للقوائم الانتخابية، لكن معظمهم فَشِل في خوضها. وقد قِيل في ذلك الوقت إن شخصين سيمثّلان الجماعة كمرشحين للانتخابات البرلمانية، وهما إِلْهَان إِشْبيلَان ومُحَمد شِيتِينْ.

طُرِحَ في ذلك الوقت أيضا تساؤل عمّا إذا كان فتح الله غولن ذكر اسما على وجه التحديد، وجاء الجواب بأنه اقترح اسمين.

إذن، ماذا حصل لكل من اقترحوا أسماءهم للترشيح؟ أردوغان لم يضع في اللوائح كل من ثَبَت انتماؤه. ومع ذلك، هناك من تم اختياره في بعض المدن.

محاولات إسقاط الحكومة

قبل بداية صراع أردوغان-غولن، كان عدد أعضاء البرلمان في حزب العدالة والتنمية 327 عضوا. ولكن بعد عمليات التنظيم الموازي، بدأت الاستقالات ليتراجع هذا العدد إلى 313 عضوا.

قبل ساعات من بدء مخطط 17 ديسمبر/ كانون الأول، قدّم البرلماني هَاكَان شُوكُور استقالته. في تلك الأيام كان حزب العدالة والتنمية يحاول تقييم عدد النواب الذين ينوون تقديم استقالتهم، لأن هناك مشكلة تتعلّق بهذا الموضوع.

شهدت أيام 17- 25 ديسمبر/ كانون الأول أحداثا كثيرة. فشل التنظيم الموازي في إسقاط أردوغان في محاولة انقلاب 17- 25 ديسمبر/ كانون الأول، لكنها كانت مع ذلك مرحلة القوة بالنسبة للتنظيم. كانت هناك مؤشرات تدل على أن شهر فبراير/ شباط سيشهد تطورات مهمة. كان التنظيم يستعد في ذلك الوقت لحملته الثانية. فكان يبحث عن أساليب للضغط على نواب العدالة والتنمية في البرلمان ليقدّموا استقالاتهم من البرلمان، بهدف تقليص الممثلين دون الحد الأدنى لتخسر الحكومة ثقة مجلس النواب مما يُسقِط الحكومة حسب القانون الدستوري التركي. وعندما بدأت موجة الاستقالات توضّح سيناريو التنظيم الموازي، حيث "سيستقيل 75 برلمانيا وستسقط الحكومة"، ثم أخذ الموضوع بالانتشار والمناقشة إعلاميا.

لقد اتضح في ذلك الوقت الهدف وراء سعي جماعة فتح الله غولن الذي يقود التنظيم الموازي، إلى محاولة إيصال ما بين 70 و75 من أتباعها إلى البرلمان عبر اقتراحهم كمرشحين للانتخابات في حزب العدالة والتنمية.

تَم حشدُ الجميع لاستفتاء الدستور في 12 سبتمبر/ أيلول 2010، وكان واضحا بالنسبة للجميع أن الجماعة كانت تشتغل أكثر من الجميع لأجل الحشد لهذا الاستفتاء. قال فتح الله غولن في ذلك الوقت إنه "لو كان من الممكن، لتم إيقاظ من هم في القبور، ليصوّتوا بـ’نعم’ للاستفتاء". انتهى الاستفتاء وتمّت الموافقة على تنقيح الدستور بنسبة تجاوزت 58%. لكن التنظيم الموازي استطاع بعد ذلك، أن يوسع دائرة مصالحه ونفوذه حيث تمكّن من توسيع مجالاته البيروقراطية بكيفية استثنائية.

 وكانت تلك، هي القوة التي استندوا إليها في انتخابات سنة 2011.

حشَد التنظيم لأول مرة في تاريخه هذا العدد الهائل من اقتراحات الترشيح للبرلمان. بدأ في ذلك الوقت نقاش المؤسسات التعليمية، الذي أثار حفيظة الجماعة، حينها فقط أعطي الضوء الأخضر لمحاولة الانقلاب في 17-25 ديسمبر/ كانون الأول. ولم يقدّم استقالته في ذلك الوقت من البرلمان، سوى من عيّنتهم الجماعة من أتباعها في حزب العدالة والتنمية.

ارتاب أردوغان بخصوص الجماعة في مرحلة الإعداد لانتخابات سنة 2011، عندما انتبه إلى مخطط دمج أتباع الجماعة كبرلمانيين عن حزب العدالة والتنمية. أرسل بعد ذلك أردوغان إلى فتح الله غولن ليستفسر منه عما إذا كان قد اقترح على وجه التحديد أي أشخاص محددين. وكان الجواب من غولن أنه تم اقتراح اسمين فقط. بعدها، قام أردوغان بقبول الاسمين المقترحين من فتح الله غولن، وألغى الباقي.

إلا أن مخطط إسقاط حكومة العدالة والتنمية لم ينجح عن طريق تصويت الثقة، ولكن قدّم 14 نائبا برلمانيا استقالتهم. لم يكن المستقيلون كلهم من أتباع التنظيم الموازي، لكنهم قدّموا دعما قويا لفتح الله غولن خلال عمليات التنظيم الموازي لإسقاط الحكومة.

أجزاء من أحجية أو لغز 

عندما نتحدث عن التنظيم الذي استطاع تعيين أتباعه في الشرطة والاستخبارات، والاستيلاء على السلطة القضائية وعلى المحاكم ذات السلطات الخاصة، والتسلّل إلى المؤسسات الاستراتيجية مثل القوات المسلحة التركية باستخدام عملية "إيرْجينيكُونْ"، والحصول على مناصب خاصة ومديرين وضباط حماة رئيس الوزراء والوزراء، تؤكّد هذه المؤشرات جميعها أن التنظيم كان يستعد من وقت طويل لهذا التاريخ.

بخصوص مسألة المؤسسات التعليمية، كان بالإمكان البحث عن حلول ممكنة عبر الحوار، لكنهم اختاروا الحرب بدلا عن ذلك، لأنهم ظنّوا أنهم قادرون على تنفيذ الانقلاب، كما أنهم اعتقدوا أن الأوضاع تخدم مصلحتهم، مثلما قال "بدرالدين دِيميريلْ بَاشَا" بأنهم خططوا للانقلاب قبل سنة، وانتظروا الظروف الملائمة للتنفيذ..

قبل عمليات 17- 25 ديسمبر/ كانون الأول، استعملوا عمدا لفظ "رئيس الوزراء"، لأن اصطلاحات "رئيس الوزراء السابق، رئيس الوزراء المخلوع، رئيس وزراء المرحلة" كانت من نتائج الانقلابات في تركيا.

عند الرجوع إلى تسجيلات التنصّت التي كان التنظيم الموازي يقوم بها بشكل غير قانوني، يتوضح أن الجماعة أخذت على عاتقها مهمة الإطاحة بأردوغان بعد حدث "وان مينيت" في سنة 2009. وضع جهاز تنصت في مكتب رئيس الوزراء، يأتي مباشرة بعد قرار الشتات اليهودي الذي يهدف إلى كسر عضد أردوغان بعد حادثة "وان مينيت".

جماعة فتح الله غولن كانت أكبر المستفيدين من حكم حزب العدالة والتنمية، لذلك فإن هناك من يدافع عن هذه الجماعة، بحجة أنه لا فائدة لها من الإطاحة بأي نظام سياسي. لكن لا يجب أن لا نُنكر حقيقة أن من يُنفّذ الانقلابات دائما هم المقربون. ففي مصر، أطاح السيسي بمرسي، الذي كان القائد العام للقوات المسلحة، وأطاح كَنْعان إِيفرينْ بسُليمان دِيميريل، واغتيلت رئيسة وزراء الهند أَنديرا غَاندي على يد حراسه المقربين.

راعٍ في الجبال لا يمكنه إسقاط حكومة في أنقرة

وأنا أذكّر بهذه الوقائع، أتوقع أن أتباع التنظيم الموازي سيبدأون بعمليات "التفاعل" من خلال مغالطة الرأي العام. وسيدّعون أن تركيا اليوم تتصالح مع إسرائيل، إذن فالحجة القائلة بأن التنظيم الموازي أخذ على عاتقه مهمة إسقاط الحكومة بعد حادثة "وان مينيت" لا أساس لها من الصحة.

هذه ليست حجة وليست أطروحة، بل هي شبكة العلاقات المتشابكة التي كانت وراء التخطيط لمحاولة الانقلاب. بالإضافة إلى أنه لو كان أتباع التنظيم الموازي أكثر حكمة لتفادوا مصيرهم المأساوي.

(صحيفة يني شفق التركية)
التعليقات (0)