مقالات مختارة

لماذا تعادي المعارضة التركية أردوغان؟

عبد القادر سلفي
1300x600
1300x600
كتب عبد القادر سلفي: اختتم حزب الشعب الجمهوري مؤتمره، وحدث أن تغيرت تسميته إلى "مؤتمر الأخوة والديمقراطية والتغيير"، لكن تغيير الاسم كان شكليا فقط لأن قائمة انتخابات مجلس الحزب كانت مليئة بالثغرات، ورئاسة الحزب كانت مقتصرة على كليجدار أوغلو فقط، كما أنه أضيف 29 نائبا فقط لمجلس الحزب، بحيث ينتظر زعماء الحزب أياما عصيبة.

علاوة على ذلك، فإننا نرى أن المؤتمر لم يقدم أي تجديد ولم يتفاعل إيجابا مع تركيا؛ "الخطبة نفسها والخطيب نفسه".

عدّد كليجدار أوغلو أول خمسة بنود من لائحة حزب الشعب الجمهوري، ولم يطرح أي نقد بناء، ولا رؤية واضحة عن تركيا، حيث إنه لم يستطع حتى وضع هدف لحزبه.

ما الذي انبثق عن مؤتمر حزب الشعب الجمهوري؟

تضمن المؤتمر الإساءة لرئيس الجمهورية أردوغان، وللفئة الشعبية التي انتخبته، والتصفيق للانقلاب الذي قام به كنعان إيفرين.

شهدت منذ أن بدأت العمل في مهنتي هذه أيام ديميريل وأجاويد وأربكان وتركش، وكل الأحداث السياسية منذ عهد تورجوت أوزال ومسعود يلماز وتانسو تشللر ودنيز بايكال، إلى جانب من تبعهم تورجوت سونالب ونجدت جلب، إلاّ أنني لم أشهد أبدا مثيلا لإساءة كليجدار أوغلو، حتّى إنه عمد إلى التعرّض للأزواج والأبناء والأعراض، في الجدل السياسي الذي تجاوز كلّ الحدود.

وهكذا تحطّم مفهوم المعارضة الإيجابية، وحلّت مكانها سياسة السب والشتم.

كان ينتقد أردوغان لأنه ذكر عبارة الشرف والعرض، التي أدلى بها رئيس الجمهورية في قسمه والتي نصّها: "أقسم بشرفي وعرضي أمام الأمة التركية العظيمة" الموجود في المادّة 81 من الدستور. كما أن القدماء كانوا يقولون إن "الإنسان كأسلوبه في الكلام".

رئيس الجمهورية هو رمز لوحدة وعظمة الجمهورية التركية. حينما انتقد سليمان ديميريل رئيس الجمهورية تورجت أوزال، بسبب تأييده للاحتلال الأمريكي للعراق، خلال حرب الخليج الأولى، متّهما إياه بتورّطه في خيانة الدولة، قام تورجت أوزال برفع دعوى ضده قيمتها 500 مليون ليرة، وخسرها ديميريل، واضطر لدفع عشرة ملايين ليرة تعويضا له. وبعد ذلك، وضّح أنه سعيد لأنه خسر القضية، وأثبت أن رئيس الجمهورية التركية لم يكن خائنا.

دعوى قضائية ضد كليجدار أوغلو

ونسج رجب طيب أردوغان على منوال تورجت أوزال، وقام برفع دعوى ضد كليجدار أوغلو قيمتها 100 ألف ليرة، وسوف نرى ما الذي سيقوله كليجدار أوغلو عند انتهاء القضية.

أهان نائب رئيس حزب الوطن الأم أكرم باك دميرلي، الرئيس، ونعته بالكاذب والمفتري وذي العقل الصغير، وبأنه غير ضليع بالسياسة فحُكم عليه بغرامة قيمتها 83 ألف دولار كتعويض لديميريل، رغم أنه لم يتعرّض لا لعرضه ولا لشرفه.

أتعجب لماذا يعادي حزب الشعب الجمهوري دائما الزعماء الذين يحبهم الشعب، مثل مندريس الذين لم يكتفوا بالانقلاب عليه بل إنهم عذبوه وأهانوه وأعدموه، ولم يكفهم الإعدام بل طالبوا بقيمة الحبل الذي أعدم به.

كانوا يصفون مندريس بأنه ديكتاتور، ومن كان يتخيل أن يوصف رئيس الوزراء بذلك رغم أنه وصل إلى منصبه عبر الانتخابات، ثم انقلبوا عليه وأعدموه.

حكم عصمت إينينو وحزب الشعب الديمقراطي تركيا بعقلية الحزب الواحد طيلة 27 سنة، وكان كل المحافظين ورؤساء المناطق من الحزب الديمقراطي. كان أعضاء مجلس النواب يترشحون عن المناطق التي لم يذهبوا إليها أبدا، حتى إن رؤساء محكمة الاستقلال كانوا من أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب.

يعتبر الحزب الذي تورّط في "مجزرة درسيم"، ومحاكم الاستقلال وأحكام الإعدام، أن مندريس الذي يعتبر أحد رموز الديمقراطية هو ديكتاتور.

كان تورجوت أوزال ثائرا حقيقيا وزعيما للتغيير بإلغائه للمواد 141 و142 و163 من الدستور، وفتحه للنقاش حول قضية الأكراد، وإنهائه لحالة الطوارئ، وتخليصه تركيا من الكثير من المحظورات. ورغم ذلك فقد اتخذ الحزب الجمهوري من أوزال عدوا واعتبروه ديكتاتورا.

على خطى المجدّدين

اتّبع أردوغان الخطوط العريضة التي رسمها مندريس وأوزال وأربكان، وكان مساهما بشكل كبير في التغيير والتحول والتطور الذي حقّقته تركيا، وتمثل ذلك في التخلّص من وصاية العسكر، والسعي للدخول في الاتحاد الأوروبي، وإلغاء قانون منع الحجاب، وحل قضية الأكراد، والسماح للمحجبات بعضوية مجلس النواب، ودخول مجلس الوزراء، وإدخال دروس القرآن الكريم ضمن المنهج الدراسي، وإلغاء التعليم الإلزامي ثماني سنوات في 28 فبراير، والقضاء على "مخطط أماسيا"، وإلغاء المادة 35 للخدمة الداخلية للقوات التركية الخاصة التي كانت تمثل غطاءً قانونيا للانقلابات، ومحاسبة الانقلابين.

إن عقلية الحزب الجمهوري لا تحب ما يحبه الشعب، وتعادي ما تؤمن به الأمة.

اليوم، ظهر جليّا ما اتفق عليه كليجدار أوغلو مع بهجلي ودميرطاش، وما سبب عدائهم لأردوغان.

أصبح أردوغان الزعيم الذي نهض بقيم هذا الشعب، والذي أظهر الزعامة التي افتقدها الشعب منذ أيام الدولة العثمانية حتى الآن، وأمل تركيا والأمة الإسلامية بأسرها، والصوت الجسور للعالم الإسلامي الذي عاش كل أنواع الظلم والاستعمار. وعلى سبيل المثال؛ فإن يوسف من غزة، ومحمد من البوسنة، ويعقوب من أنقرة، يعرفون أن هناك زعيما يُدعى أردوغان سيسمع نداءهم ويتبنى قضاياهم. وهذا ما يعطيه القوة والأمل، ولهذا السبب فهو يجسّد الزعامة الحقيقية.

لا تنطلق العداوة لأردوغان من المنافسة السياسية فحسب، بل هي عداوة غير مباشرة لما حقّقه من إنجازات للشعب وللأمة الإسلامية من قيم. إنهم يتحاملون على أردوغان لأنهم يعلمون أن فشل هذه المهمة العظيمة يكمن في سقوطه وتعثره، فخطّطوا لإسقاطه لهذا السبب في أحداث 17- 25 كانون الأول/ ديسمبر، وفي "أحداث غيزي"، وفي أزمة منظمة الاستخبارات القومية في 7 شباط/ فبراير وكذلك في إنذار 27 نيسان/ أبريل.

(عن صحيفة يني شفق التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")
التعليقات (0)