مقابلات

رئيس "المصالحة التونسية" لـ"عربي21": لن نرضخ للتهديدات

خالد الكريشي في مقابلة خاصة: قررنا عقد جلسات الاستماع العلنية رغم الصعوبات- أرشيفية

لم تَحْبِس الدموع التي ذُرفت خلال جلسات الاستماع العلنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بتونس، سيل التعليقات والتصريحات المثيرة للجدل حول خلفيات هذه الجلسات التي بثّتها القنوات التلفزيونية والإذاعية في تونس، مساء الخميس والجمعة.   

وقال رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي أنّ جلسات الاستماع العلنية، التي تأتي في إطار العدالة الانتقالية، هي واحدة من الآليات الجوهرية والأساسية لكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بتونس طيلة أكثر من خمسين سنة.

وأضاف المحامي الكريشي في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أنّ المبدأ العام لجلسات الاستماع هو العمل في إطار كشف من يقف وراء هذه الانتهاكات وكيف قامت ومن قام بها ولماذا قام بها، لافتا إلى أنّ "الهدف الوحيد ضمان عدم تكرارها في المستقبل وبداية إعلان لطي صفحة الانتهاكات والفساد".

مرحلة سوداء

وتابع "هدفنا بناء صفحة جديدة قوامها التعايش السلمي تكون خالية من الانتهاكات وإعطاء رسالة إيجابية للوطن العربي وللعالم بأن تونس تتخطى المرحلة السوداء من تاريخها وبدء تضميد جراح الماضي وهذه سابقة في تاريخ الدولة التونسية عبر مؤسسة هيئة الحقيقة الكرامة وهي مؤسسة عمومية".

وقال الكريشي "لأوّل مرة تستمع الدولة التونسية إلى ضحاياها، أي ضحايا الانتهاكات التي ارتكبتها (الدولة) في حقهم ومن ثمّ تعطي رسالة للعالم بأننا انطلقنا في إرساء المجتمع المتسامح والمتصالح مع نفسه وهذا يشجع على تحقيق المصالحة الشاملة في تونس".

وأوضح أنّ الجلسات التي بُثّت عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية، لم يكن الهدف منها التشهير والتشفي وتصفية الحسابات الشخصية أو السياسية أو الحزبية، مشيرا إلى أنّها تمّت "في كنف الهدوء والسلام بدون أدنى خلل أو مشكل خاصة بعد التخوّفات التي كانت موجودة لدى البعض بأنها إعلان فتنة وتساهم في تعكير النظام العام وهذا لم يحدث.. لقد مرّت كما خططنا لها"، وفق تعبيره.

63  ألف ملف

وأضاف أنّ كل الشهادات التي سيتم الاستماع إليها بشكل علني على غرار الشهادات الأخيرة هي عيّنات حيّة من جملة حوالي 63 ألف ملف لضحايا الانتهاكات كما تمثّل حوالي 11 ألف جلسة استماع سرّية عقدتها الهيئة خلال الفترة الماضية.

وإجابة عن سؤال "عربي21" حول مقاييس اختيار الحالات التي قدّمت شهاداتها في جلسات الاستماع العلنية قال رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي إنّ "المعيار الأول هو الانتهاك المُنظم والمشمول بالعدالة الانتقالية شرط أن يكون ضمن الانتهاكات المتعارف التي أشارت إليها القوانين على غرار القتل العمد والموت تحت التعذيب والاختفاء القسري والسجن والانتهاك الجنسي وغيرها".

والمعيار الثاني هو التاريخ، حيث حرصنا على أن تكون الشهادات موزعة على مراحل مختلفة من تاريخ تونس انطلاقا من خمسينيات القرن الماضي ووصولا إلى أحداث ما بعد الثورة.

أما المعيار الثالث فهو العنصر الجغرافي، إذ شملت الشهادات ضحايا من كامل تراب الجمهورية، فيما كان المعيار الرابع الجنس والنوع الاجتماعي.

الضحية والجلاد

وأوضح رئيس لجنة التحكيم والمصالحة أن هيئة الحقيقة والكرامة ستحيل الملفات التي لا تفضي إلى مصالحة بين الضحية إلى الدوائر القضائية المختصة لتتبع الجناة والتعويض للضحايا ماديا ومعنويا، مشيرا إلى أنّ الصلح يخضع لشروط نظمها القانون منها الإقرار والاعتراف وجبر الضرر للضحية وطلب الاعتذار الصريح منه وموافقة لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة.

وعلّق رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي لـ"عربي21" على الجدل والاتهامات التي أثيرت حول عمل هيئة الحقيقة والكرامة وجلسات الاستماع العلنية بقوله إنّ أعضاء الهيئة "يعلمون جيدا منذ تسلمهم لمهامهم أن طريقهم صعب جدا ومفروش بالشوك وهذا منتظر.. لم نكن ننتظر طريقا مفروشا بالورود".

وأضاف بقوله "الهيئة تحقق دائما في مهامها ونتائج أعمالها، ونعتقد أنّه لولا النتائج الايجابية لما أثير حولها كل هذا الجدل المتواصل منذ أشهر كانت فيه الهيئة مستهدفة من داخلها وخارجها من أجل ثنيها والتأثير عليها حتى لا تعقد هذه الجلسات.

وقال "رأينا حملة شرسة تستهدف هيئة الحقيقة والكرامة، واشتدت الحملة قبل الجلسات العلنية.. ومن يقف وراء هذه الحملة يعتقدون أننا سنتهاون ونرضخ للتهديدات.. نحن لا نخاف إلا الله سبحانه وتعالى ولا تؤثر  فينا تلك التهديدات ولا تترك فينا أي اثر".

استهداف إعلامي

وتابع بقوله "عزمنا وقررنا عقد هذه الجلسات رغم الصعوبات والعراقيل اللوجستية.. بعد أن سحبوا منا قصر المؤتمرات ورغم الاستهداف الإعلامي من الكثيرين، حيث اختصت بعض وسائل الإعلام في استهداف الهيئة وفي ضربها وفي تأليب الرأي العام ضدها ومحاولة استمالة البعض من داخل الهيئة والاستهداف الداخلي من الداخل فإننا وواصلنا من أجل إتمام المهمة التاريخية وهي أننا ننجز المصالحة الوطنية بين كافة أطياف الشعب التونسي".

ووصف الكريشي من يستهدف الهيئة وجلسات الاستماع العلنية بأنّه "يستهدف الانتقال الديمقراطي في تونس فهؤلاء لا يريدون طي صفحة الماضي بما عرفته من انتهاك لحقوق الإنسان.. فهم يريدون أن تبقى تونس رهينة للأحقاد".

وأضاف "نحن هنا لإتمام المهام التي لم يبق عليها سوى سنة ونصف وأنا أنصح من يستهدف جلسات الاستماع العلنية ومن ورائها هيئة الحقيقة والكرامة أن يغيروا وجهة استهدافهم ويكرسوا جهودهم لما ينفع تونس لتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية".