مقالات مختارة

الشغل الشاغل لليابانيين هذه الأيام

1300x600
في سابقة هي الأولى من نوعها منذ 200 عام في تاريخ العرش الإمبراطوري الياباني الذي توالى عليه 125 إمبراطورا منذ عام 585 قبل الميلاد، أعلن الإمبراطور أكيهيتو أخيرا في رسالة صوتية مصورة إلى شعبه، هي الثانية له منذ جلوسه على العرش في عام 1989 عن احتمال تخليه عن الحكم بسبب تجاوزه سن الـ80، وبالتالي خشيته من تدهور صحته (خضع لجراحة سرطان البروستاتا في عام 2003 وأجريت له عملية جراحية في القلب في عام 2012، بصورة تعوق أداء مهامه كرمز للدولة. 

ومنذ تلك اللحظة لم ينقطع انشغال اليابانيين ووسائل إعلامهم بهذه المسألة، ليس لأنها دون سابقة فحسب، وإنما أيضا لعدم وجود قوانين محلية تتضمن أحكاما لتنظيم عملية انتقال العرش لولي العهد الأمير ناروهيتو قبل وفاة الإمبراطور، الأمر الذي يستدعي تغيير قوانين البيت الإمبراطوري وهو ما لا يمكن حدوثه دون موافقة مجلسي البرلمان.

والمعروف أن اليابانيين انشغلوا قبل سنوات من الآن بمسالة أخرى شبيهة إلى حد ما هي احتمال انقراض الأسرة الإمبراطورية اليابانية، وهي الأقدم والوحيدة في عالم اليوم، وذلك لأن هناك خمسة فقط من المؤهلين لتبوء سدة العرش وهم بالترتيب: ولي العهد الأمير ناروهيتو (56 عاما)، وأخوه الأصغر الأمير أكيشينو (48عاما)، وابن الأخير الأمير هيساهيتو (7 سنوات)، والشقيق الأصغر للإمبراطور الحالي الأمير هيتاشي (78)، والأخ الرابع للأخير الأمير ميكاسا نوميا (98). فإذا ما علمنا أنه من المحال أن يصل العرش إلى الأميرين الأخيرين بسبب تقدمهما في العمر، أو أن ينجب ولي العهد أطفالا جددا للسبب ذاته، فإن المسألة بالفعل مدعاة لانشغال اليابانيين وقلقهم، بل قلق إمبراطورهم أيضا.

والمعروف أن نساء العائلة الإمبراطورية مستبعدات من الجلوس على العرش منذ زمن الإمبراطور المصلح ميجي، بل يفقدن الصفة الإمبراطورية بمجرد زواجهن من خارج العائلة، ناهيك عن أن قوانين القصر الإمبراطوري لزمن ما بعد الحرب العالمية الثانية استبعدت أيضا النسل غير الشرعي لأباطرة اليابان من تولي العرش، من بعد أن كان ذلك متاحا لقرون طويلة بدليل أن نصف أباطرة البلاد كانوا من الذين ولدوا خارج إطار الزواج، بمن فيهم الإمبراطور ميجي، ناهيك عن أن الإمبراطور الحالي يتحدر من خط مباشر من الذكور المتصلين بالإمبراطور كوكاكو الذي لم ينجب ابنه وخليفته الإمبراطور نينكو من زوجته وإنما من إحدى محظياته.

في عام 2005 كشف استطلاع للرأي أن نحو 80 في المائة ممن استطلعت آراؤهم لا يمانعون من وجود إمبراطورة لليابان، لكن بصفة عامة هناك الكثيرون ممن يتمسكون بمبدأ أن وجود السلالة الذكورية هو الذي يحفظ كرامة الأسرة الإمبراطورية ويحافظ على التقاليد المتوارثة، وبالتالي فهم ضد أي عبث أو تغيير فيما يخص الموضوع. وممن يتمسكون بالرأي الأخير رئيس الحكومة الحالي شينزو آبي، مخالفا بذلك رغبة الإمبراطور أكيهيتو الذي يقال ــ طبقا لمعلومات متسربة من داخل قصره ــ إنه لا يمانع من تولي إناث العائلة العرش الياباني، وخصوصا أنه خلال عشرة عهود في تاريخ البلاد القديم جلست إناث على العرش، كن جميعهن نساء عازبات من نسل أباطرة ذكور مدافعين عن الخلافة الذكورية، وإن كانت بعض الظروف الخاصة وقتذاك فرضت نفسها مثل الحيلولة دون احتدام الصراعات السياسية، أو وجود ولي العهد الذكر في سن الرضاعة. 

وما يجدر بنا ذكره في هذا السياق أن رئيس الحكومة اليابانية الأسبق "جونيتشيرو كويزومي" الذي عرف بسياساته الإصلاحية الجريئة، تلقف نتائج استطلاع الرأي المشار إليه آنفا، وضمها إلى توصية صادرة من المجلس الاستشاري لقانون القصر الإمبراطوري، واقترح الأخذ بمبدأ البكورة بغض النظر عن الجنس، وهو ما كان يعني الموافقة على تولي النساء عرش اليابان شريطة ولادتهن من نسل إمبراطور وإمبراطورة حاكمين مثل حفيدات الإمبراطور الحالي الثلاث وهن: الأميرة أيكو ابنة ولي العهد، والأميرتان ماكو وكاكو ابنتا الأمير أكيشينو شقيق ولي العهد، لكن خروج حزب كويزومي المفاجئ من الحكم عصف بكل الترتيبات. كما أن الجدل المثار في حينه توقف مؤقتا بعد أن رزقت العائلة الإمبراطورية في عام 2006 بأول مولود ذكر منذ 41 عاما وهو الأمير هيساهيتو ابن شقيق ولي العهد، الذي يعتبر اليوم الأمل الوحيد في منع انقراض العائلة الإمبراطورية إذا ما تزوج وأنجب بنينا.

وتصف الأدبيات اليابانية الأميرة كاكو (22 عاما) بمعبودة الجماهير بسبب ثقافتها وبساطتها وقربها من الناس، بل وتذكرهم بجدتها الإمبراطورة الحالية ميتشيكو التي تزوجها الإمبراطور أكيهيتو في عام 1958، فكان ذلك حدثا استثنائيا في تاريخ البيت الإمبراطوري لأنها كانت المرة الأولى التي يتخذ فيها إمبراطور ياباني امرأة من عامة الشعب زوجة شرعية له، وقد تبعه في ذلك ابنه البكر وولي عهد الأمير ناروهيتو الذي اختار أيضا زوجة من عامة الشعب هي الأميرة ماساكو التي كتبت وسائل الإعلام في عام 2006 عن إصابتها بأزمة نفسية نتيجة لتزايد الضغوط عليها لإنجاب طفل ذكر كي يكون وريثا للعرش بعد أبيه.

الاقتصادية السعودية