مقالات مختارة

إيران والأكراد.. وذكرى اغتيال قاسملو

1300x600
بعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس، في التاسع من تموز (يوليو) الجاري، الذي حظي باهتمام إعلامي غير مسبوق، وحضره نحو 100 ألف من المعارضين الإيرانيين في أوروبا وأمريكا الشمالية ووفود رسمية وشعبية من شتى الدول المتضررة من السياسات الحمقاء للنظام القمعي الحاكم في طهران، تجمع في باريس أيضا بالقرب من مقبرة "بير لاشيز" (الشهداء) الآلاف من أكراد إيران الحالمين بالانعتاق من سطوة نظام الملالي الجائر.

وكانت المناسبة هي الذكرى السنوية لرحيل زعيمهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الدكتور عبد الرحمن قاسملو، الذي اغتالته يد المخابرات الإيرانية في عملية أشرف عليها الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني، وشارك فيها شخصيا الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. تلك العملية الدنيئة التي جرت في فيينا النمساوية في 13 تموز (يوليو) 1989 بعد أن تم استدراج قاسملو إلى هناك لعقد مفاوضات مع طهران حول حقوق شعبه الكردي.

الكثيرون يعتقدون أن انهيار النظام الإيراني بات وشيكا، وأن رأس الحربة في إسقاطه هو المعارضة الإيرانية التي تقودها مريم رجوي، فيما يراهن آخرون على عرب الأحواز الناقمين على نظام طهران؛ بسبب التمييز ضدهم، وطمس هويتهم العربية، وتغيير تركيبة مناطقهم بصورة ممنهجة، ناهيك عن استغلال ثرواتهم البترولية في الحماقات الخارجية. لكني أعتقد أن رأس الحربة في إسقاط هذا النظام هم أكراد إيران، لأسباب كثيرة.

فإضافة إلى عوامل التمييز والقمع التي يعانيها كل مكونات البلاد من غير العرق الفارسي من عرب وبلوش وآذاريين وتركمان، يمتلك أكراد إيران وحدهم شبكة كبيرة من التواصل الذي لم ينقطع قط مع إخوتهم في القومية المنتشرين في العراق وسورية وتركيا. ومع ظهور شبه دولة كردية في شمال العراق بمؤسسات إدارية واقتصادية وأمنية وعسكرية مستقلة عن بغداد، ومع امتلاك كردستان العراق جيشا مزودا بأحدث الأسلحة الغربية ومقاتلين من ذوي الخبرة لمنازلة الجيوش النظامية، فإنه بالإمكان تسخير كل هذا لمصلحة أكراد إيران المستضعفين، خصوصا أن كردستان إيران تملك حدودا مباشرة مع كردستان العراق. وبعض هذه العوامل لا يتوافر، بطبيعة الحال، للقوميات الإيرانية الأخرى.

أضف إلى ما سبق أن أكراد العراق لديهم سوابق في إقامة دولتهم المستقلة التي يتوقون إلى إحيائها. والإشارة هنا هي أولا إلى "جمهورية آزاد ستان" (جمهورية الحرية) التي أسسها الزعيم الكردي "سمكو" في العشرينيات، ولم تعش إلا عدة أشهر، قبل أن يستدرج الإيرانيون "سمكو" إلى مدينة "شنو" للتفاوض ويقتلونه بأسلوب المكر والخديعة. والإشارة هنا ثانيا هي إلى "جمهورية مهاباد" الكردية التي تأسست في عام 1946 في شمال غرب إيران، وكانت لها قوات خاصة من البيشمركة مدعومة من الاتحاد السوفيتي السابق الذي توغلت قواته حينذاك في الأراضي الإيرانية تحت ذريعة أن الشاه رضا بهلوي كان مواليا في الحرب العالمية الثانية للنازية. والقارئ للتاريخ الحديث سيكتشف أن هذه الدولة الأخيرة، التي دامت 11 شهرا، ما كانت لتنهار بقتل نحو 15 ألفا من مؤيديها على يد القوات الإيرانية، واعتقال رئيسها "قاضي محمد"، ثم إعدامه مع أقربائه وأتباعه في الساحة التي أعلن منها الاستقلال، لولا تدخلات وضغوط واشنطن من جهة، وتحالف بعض الأكراد المتنفذين "مثل إمام عزيز أغا وبايزيد أغا" مع النظام الشاهنشاهي بغية تحقيق مصالح آنية ضيقة من جهة أخرى.

وقد تكرر شيء من هذا القبيل قبيل قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية الخمينية حينما وضع اليسار الكردستاني ممثلا بحركة "كوملا" المنشقة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني يده مع بقية الأحزاب اليسارية في إيران للانقلاب على الشاه والإتيان بنظام الخميني تعويلا على أن الأخير سيحقق لهم تطلعاتهم في الحكم الذاتي مثلما أوهم كل القوميات الإيرانية غير الفارسية في حينه. وكانت النتيجة هي مزيدا من القمع والقتل والتشريد والحرمان من أدنى الحقوق السياسية والثقافية، بل ومنع الرموز الكردية من المشاركة في صياغة دستور البلاد الجديد. وفوق ذلك استخدمت إيران الخمينية أكرادها كوقود في حربها الطويلة مع العراق، فخسر الأكراد الآلاف المؤلفة من أبنائهم في تلك الحرب المجنونة دون أن ينالوا في المقابل شيئا يذكر من طموحاتهم المشروعة، بل تآمرت طهران، بعيد انتهاء الحرب العراقية ــــ الإيرانية، فاستخدمت يدها الآثمة في اغتيال قاسلمو الذي كان يمثل لأكراد إيران رمزا كبيرا من رموزهم المثقفة والمحترمة مع اثنين من رفاقه، حينما أمطرتهم بوابل من الرصاص وهم جالسون على طاولة المفاوضات في فيينا. الأمر الذي أحدث صدمة في العالم الحر بأسره، وأثبت بالتالي أن نظام الخميني نظام غدار لا يؤتمن جانبه ولا يؤخذ بوعوده وتعهداته. وقد قيل إن نظام الخميني كان يشعر دائما بخطورة قاسملو لأن فكرة إحياء "جمهورية مهاباد" كانت مستقرة في ضميره دوما، خصوصا أنه قام بمحاولة من أجل هذا الهدف في عام 1978 حينما قاد نحو 20 ألفا من قوات البيشمركة، تمكن بها من السيطرة على ثماني مدن و20 بلدة كردية.

وهكذا نرى أن أكراد إيران لديهم ثارات مع النظام الإيراني الحالي أكثر مما لدى بقية مكونات الدولة الإيرانية، وبالتالي، فهم أكثر استعدادا وتوقا للانتقام منه، بل أكثر جاهزية من غيرهم للتصدي له وفقا للمعطيات التي ذكرناها آنفا، بدليل أنه لا تمر ذكرى سنوية لاغتيال قاسملو إلا وتعم مظاهرات الاحتجاج والإضرابات وأعمال التصدي لقوات الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج في مختلف مدن كردستان إيران مثل سنندج وكرمنشاه وكامياران ومهاباد وباوه، على نحو ما حدث في 13 يوليو الجاري. غير أن أي نجاح لأكراد إيران لجهة إسقاط نظام خامنئي مشروط بتوافر دعم إقليمي ودولي أولا، وتنسيق ودعم من قبل القوميات الساخطة الأخرى غير الفارسية ثانيا.

الاقتصادية السعودية