كتاب عربي 21

فساد القمح أم فساد المصريين؟

1300x600
فجرت ازمة القمح الاخيرة العديد من الاسئلة الهامة ليس حول الاسباب ولكن حول السياسات او جدوى أي سياسات اقتصادية مهما كانت جيدة طالما ان من سيقوم بتطبيق هذه السياسات فاسد ولا يرتجى من ورائه خير. 

فسياسة دعم الفلاح وشراء القمح المحلى باعلى من السعر المستورد قد يكون الهدف منه اقتصاديا زيادة اقبال الفلاح على زراعة القمح وزيادة مشاحته المزروعة حتى يزيد في النهاية من المعروض الكلي من القمح ومن ثم تقليل الاستيراد. 

فلربما تكون السياسة المطبقة تنجح فى كل الدنيا لكنها تفشل في مصر لا لشيء إلا لان القائمين عليها فسدة وهم من اصحاب النفوذ والسلطان. 

ولا يخفى على احد ان مصر هي اكبر مستورد للقمح على مستوى العالم، ومن هنا فان سياسة الحكومة القائمة على تشجيع الفلاح تبدو انها ضرورية ليس فقط للفلاح ولكن للامن القومي المصري، وقد اظهرت البيانات ان مصر تستورد 12 مليون طن قمح في المتوسط بسعر 135 دولار للطن الواحد وفق الاسعار الدولية بارض المنشأ، فتصبح السياسة المنطقية هي شراء القمح بالاسعار الدولية من الفلاحين، لكن ماحدث ان الحكومة رفعت سعر التوريد الى اعلى من السعر العالمي، ما دفع الكثير من المستوردين الى توريد القمح المستورد الى مخازن الحكومة على انه قمح محلي للاستفادة من فروق الاسعار. مما فجر فضيحة مالية هي الاكبر التي كشف عنها في قطاع واحد من القطاعات وفي هذه الفترة القصيرة، فقد ثبت وفق التقرير الذي اصدرته اللجنة المشكلة من قبل مجلس النواب المصري بان حجم الفساد بلغ 621 مليون جنية فقط في 12 موقع قامت اللجنة بزيارتهم فقط من اصل 500 شونة لاستلام القمح اي ان حجم الفساد تقريبا بلغ 21 مليار جنيه في المتوسط. 

يمكن القول انه مهما كانت السياسة قوية وجيدة لكن يطبقها الفسدة والمرتشين فلا مناص من حتمية الفشل في تطبيقها والحصول على ثمارها، اذن القضية ليست في السياسات، القضية فيمن يقوم على تنفيذها، فالحكومة تؤسس لفساد مستمر طالما ان الحكومة لا تعمل ولا تريد ان تعامل بشفافية او مراقبة او محاسبة فالنتيجة معروفة مسبقا وما كان ليدر في خلد الحالمين أن السيسي وخلال عامين زاد من حجم الفساد في قطاع انتاج القمح الاخطر على الامن القومي الى هذا الحد او ان يكون الفساد بهذه الصورة بحيث تشجع على الاستيراد الى هذا الحد الذي زاد بـ3 ملايين طن خلال الاعوام الثلاثة الماضية. 

ليس هذا فحسب فما قام به باسم عودة من عمل نظام نقاط الخبز والذي وفر ملايين الدولارات على الدولة وشجع الفلاحين على الانتاج قد واراه السيسي التراب بفساده الذي يعد ركنا من اركانه، ما ادى بالاقتصاد الى انهيار. 

كنتُ الى ما قبل ثورة يناير مقتنع بان مشكلة مصر الاقتصادية تكمن في النطام وحده لكن بدا لي بعد الثورة ان فساد النظام جر معه شريحة كبيرة من المصريين اصبحت فاسدة وستقاوم الاصلاح بضراوة، وستكون ضد الاصلاح على طول الخط.

واذا عشت خارج مصر لفترة في اي دولة افضل وضعا من مصر يكون كل املك وحلمك ان ترى ذلك في بلدك، خاصة ان كان ذلك لايحتاج الى ميزانية كبيرة لتطبيقها، او لا يحتاج الى تكنولجيا عالية لا تتوافر عندنا في مصر. 

ففي قضايا بسيطة تواجه أي مجتمع كمثل الاهتمام بصحة المواطنين، او النظافة العامة او الخدمات العامة كالبريد او المطافي او البوليس او غيرها، فلناخذ مثلا ف ي توفير خدمة النظافة العامة، فلربما تجد ان الدول المتقدمة ترعى قضية النظافة اهمية قصوى فيشعر بها المواطن شعورا مباشرا، فتتسأل لماذا لا يستشعر المواطن في مصر بخدمة النظافة العامة في الطرقات والمصالح العامة، التي تتراكم فيها اكوام القمامة والاقذار في الطرقات بطريقة مستفزة، الاجابة قولا واحدا هي انتشار الفساد في كل ركن من اركان الدولة. 

فببساطة ان انتشار الفساد سيؤدي الى تدهور في اداء الاقتصاد مهما طبقت من برامج تنموية ناجحة، والدول الغربية ادركت تلك الحقيقة المجردة فتقوم على مكافحة الفساد اينما وجد وتسعى لمكافحة الانفراد بالسلطة وتعمل على مساءلة السلطة ومحاسبتها اين كان موقعها. 

اما في مصر فنحن اكثر سعادة بخداعنا لانفسنا فالنظام يخادع الناس والناس تخدعه والمجتمع يخدع بعضه بعضا حتى وصلت البلاد الى قاع الامم ووقعت فى اسوأ وضع اقتصادى وفق تقارير الشفافية الدولية. لذا فان الحل ياسادة لا يكمن في السياسات ولكن يكمن فى تغيير شخصية المصريين الذين تربعوا على عرش الفساد وصدق ربنا عز من قائل "{إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}".