كتاب عربي 21

التونسيون في حيرة: يرفضون التدخل العسكري في ليبيا.. لكنهم يخشون الدواعش

1300x600
الطبقة السياسية التونسية مشغولة هذه الأيام بالتداعيات المحتملة للتدخل العسكري الذي بدأه الناتو فعليا على مواقع داعش داخل التراب الليبي. لكن بقدر انشغال التونسيين بمضاعفات هذه التدخل الغربي في الشأن الليبي، إلا أنهم في المقابل أكثر تخوفا من التوسع الوارد لتنظيم الدولة الإسلامية الذي يضم عددا واسعا من المقاتلين التونسيين، والذي من المتوقع أن يمتد نفوذه على مدن قريبة لا تبعد عن الحدود التونسية الليبية سوى سبعين كلم فقط.

أصدرت أطراف سياسية وأخرى تنتمي إلى المجتمع المدني بيانات رفضت فيها أي شكل من أشكال التدخل العسكري في ليبيا. وفي هذا الأمر اتفق الإسلاميون واليساريون على رفض الضربات العسكرية. لقد أعلن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن حركته "ضد أي تدخل مسلح في ليبيا "، كما دعا إلى "ضرورة مساندة مبادرتي الجزائر والأمم المتحدة من أجل منع التدخل الخارجي". 

أما رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي فقد توجه للسفراء الغربيين العاملين بتونس بالقول إنه: "على الدول التي تفكر في التدخل العسكري في ليبيا مراعاة مصالح الدول المجاورة وفى مقدمتها تونس وعليها أن تتشاور معنا في هذا الخصوص لأن ما يفيدهم قد يسيء لنا"، على حدّ تعبيره. وفي الاتجاه ذاته، أكد وزير الدفاع على أن تونس "تعارض مبدئيا قرار التدخل العسكري في ليبيا، وأنها تسعى وجارتها الجزائر إلى التأثير على المجتمع الدولي من أجل إثنائه عن التعامل مع الوضع في ليبيا عسكريا". 

وأضاف الحرشاني، في تصريحات إعلامية أن تونس ترفض اعتبار التدخل الحل الأوحد للتعاطي مع الوضع في ليبيا، مبرزا أن تونس تعول على الحل السياسي أساسا".  كما دعا وسائل الإعلام التونسية والدولية، إلى "الكف عن التسويق لفرضية التدخل العسكري في ليبيا كأمر محتوم، وهو ما أثار الرعب في نفوس الليبيين والتونسيين. كما اعتبر الوزير أن الغرب "واع بأن تجارب سابقة للتدخل العسكري باءت بالفشل، وأن المهم أن يكون هناك تنسيق مسبق مع دول الجوار حول التدخل".

هذه ليست سوى عينة تعكس حالة القلق السائدة حاليا في تونس. وتتفق الأحزاب والمنظمات المحلية حول القول بأن هذا التدخل لن يشكل حلا حقيقيا للأزمة الليبية، وتخشى من أن يؤدي هذا التدخل إلى مزيد تعقيد الأوضاع داخل ليبيا، ويعطي فرصة للمجموعات الإرهابية من مبرر جديد لكي تعزز قوتها، وقد تجعلها أقدر على تهديد الأمن القومي لتونس. وتستعين هذه الأطراف بما حصل في العراق وسوريا لتؤكد صحة توقعاتها، حيث بدل أن تؤدي الضربات العسكرية للتحالف الدولي ضد الإرهاب إلى استئصال هذه الظاهرة حصل العكس إذ زادت في انتشارها وتعميقها.

مع أهمية هذه المواقف، هناك من يعتقد بأنه يوجد تضخيم مقصود أو عفوي لمخاطر الهجوم العسكري على مواقع داعش. ويبرر أصحاب هذا الرأي موقفهم بالقول أن هذه العمليات العسكرية المنتظرة ستكون محدودة في المكان وفي الزمان، وأنها ستشكل رسالة قوية لتنظيم الدولة.

ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن الحالة الليبية معقدة، وأن اختزالها في وصفة سريعة لن يزيدها إلا غموضا وتعقيدا. فوجهة النظر الرسمية والشعبية للتونسيين هامة ولكنها ليست محددة على المستوى الدولي. ولهذا اكتفى الغربيون بطمأنة الجهات التونسية بالقول أنهم شديدي الحرص على حماية حدود تونس، وهو ما أكدته المستشارة الألمانية السيدة ميركل للرئيس التونسي، حيث وعدته بوضع تجهيزات خاصة في المواقع الحدودية لرصد أي تحركات مريبة. مع الملاحظ أن الأوربيين تحديدا ليس من مصلحتهم تعريض الأمن القومي التونسي للخطر لأنهم يعتبرون ذلك تهديدا مباشرا لعمقهم الاستراتيجي.

ما تراهن عليه الدبلوماسية التونسية حاليا هو التعاون مع الجزائر لإقناع بقية الدول المجاورة لليبيا من أجل تشجيع حكومة التوافق الوطني برئاسة السراج، والعمل على تمكينها من الوقوف على رجليها عساها أن تصبح قادرة على التحرك الميداني. وعندها ستصبح هناك سلطة واحدة تمثل كل الليبيين أو أكثريتهم على الأقل، وبفضل ذلك يتم التعاون بين هذه الحكومة والمجتمع الدولي لمحاصرة الإرهاب انطلاقا من وحدة وطنية داخلية.

المشكلة أن هذه الفرضية على أهميتها معرضة لمخاطر عديدة. وأولها أن حكومة السراج التي تم الإعلان عنها تتعرض منذ ذلك التاريخ إلى ضغوط ، وهي في حاجة إلى موافقة المؤتمر العام. وهو فضاء تتحكم فيه مليشيات عديدة، ويخشى أن تخضه هذه الحكومة لعمليات ابتزاز متعددة، مما يفقدها المصداقية والقوة المطلوبة والقادرة على تغيير الأوضاع القائمة وليس تثبيتها وإضفاء الشرعية عليها.

من جهة أخرى، لو افترضنا أن حلف الناتو تراجع عن توجيه ضربته العسكرية، كيف سيتصرف التونسيون وغيرهم مع تنظيم داعش الذي تلقى ولا يزال مزيدا من الدعم البشري والمادي، حيث يجري حديث حول قرار زعيم "تنظيم الدولة" أبو بكر البغدادي بتوجيه جزء من قواته الموجودة بسوريا نحو ليبيا. 

لقد كشفت التجربة عن القدرة المحدودة لدول الجوار على التحكم في الحالة الليبية، إلى جانب تواصل التفكك والاقتتال بين مختلف مكونات المشهد الليبي. وهو ما جعل التونسيين في حيرة مستمرة بين سيناريوهين أحلاهما مر. إذا قبلوا بالتدخل العسكري فهم يخشون تكرار ما حصل في سوريا على سبيل المثال، حيث تتوسع الظاهرة وتتغلغل أكثر داخل ليبيا وهو ما يجعلها أقدر على الانتقال إلى تونس. أما إذا رفضوا التدخل العسكري فإن النتيجة قد لا تتغير خاصة وأن تأسيس الوحدة الوطنية بين الليبيين لا تزال هدفا بعيد الاحتمال رغم المؤشرات الإيجابية التي طفت على السطح مؤخرا.