كتاب عربي 21

لا والله حكم عسكر

1300x600
1-

"ده رئيس لبناني ده؟"، "وزير الخارجية التونسي"، "وزير الداخلية"، "كان مترشحا للرئاسة قبل كده"، "ماله بقى إيه قصته؟"، "ده رئيس الوزرا إسماعيل شريف".

هذه كانت إجابات المصريين عندما نزل صحفي بـ"اليوم السابع" إلى الشارع حاملا صورة المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء ليسألهم عن اسم صاحب الصورة ووظيفته.

لم يكن ما حدث مفاجئًا، فقد عكف نظام السيسي منذ توليه السلطة على حرق أي بديل مدني ووضع القادة العسكريين دوما في الواجهة حتى في الملفات التي يُفترض أن تتولاها الحكومة ووزراؤها، كما لم يكن إسناد المشروعات الكبرى للشركات والهيئات التابعة للقوات المسلحة هدفه تحقيق مكاسب مادية وامتيازات جديدة فقط، بل أيضا لمنح فرصة الظهور لصف ثان من القيادات العسكرية، وتعريف الجمهور بهم تحسبا لأي سيناريو قادم، ووضع المسؤولين المدنيين إلى جانبنا في مقاعد المتفرجين.

كان واضحا من البداية أن النظام يسير في طريقين متوازيين، إقصاء وتشويه أي مدني لامع قد يعتبره الناس بديلا في أي مرحلة، وتولية المناصب لمدنيين محدودي الكفاءة معدومي الكاريزما، وعندما يحققوا الفشل الذريع الذي كان متوقعا مسبقا يكون البديل مزيد من الإقصاء للمدنيين ومزيد من التمكين للعسكريين.

جاء النظام بشخصيات باهتة في حركة المحافظين قبل الأخيرة، وعندما أغرقوا محافظاتهم في الفساد والإهمال والفشل جاءت الحركة الأخيرة عسكرية حتى الثمالة، وكأن المحافظين العسكريين أغرقوا المحافظات في السابق بالمهلبية وأم علي بالمكسرات!، وعندما اتخذ النظام قرار الإطاحة بإبراهيم محلب لم يكن بسبب فشله الذي لم يغب في أي يوم منذ تولى المسؤولية، لكن لأن بوادر شعبيته كانت قد بدأت في الظهور، وأصبح له دراويش يبررون له أي فشل ويصدون عنه أي هجوم، وهذا أمر مقلق بالنسبة لهم.

وفي جولته الأخيرة بأكتوبر لافتتاح عدد من المشروعات الخدمية التي تتركز في مجالات الإسكان والمرافق والشباب والرياضة، جلس السيسي يستمع لشرح اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ويعطي إشارة الافتتاح لـ"ضباط" برتب صغيرة عن طريق الفيديو كوفرانس، بينما كان رئيس الوزراء ووزراء الإسكان والمرافق والتنمية المحلية والشباب والرياضة يجلسون في القاعة مكتفين بالتصفيق.

في زيارته لأكتوبر لم يدُس السيسي على السجادة الحمراء فحسب، بل داس معها على أحلام الدولة المدنية التي ظن الطيبون أنها قد تتحقق على يد وزير دفاع!

2-

صعد النظام الحالي فوق أكتاف شخصيات مدنية مثل محمد البرادعي وحمدين صباحي ومصطفى حجازي ومحمد أبو الغار وحازم الببلاوي وزياد بهاء الدين، وعندما أدوا دورهم لفظ بعضهم وانسحب بعضهم وأطلق عليهم جميعا إعلامه لتشويههم، وحارب كل بديل ناجح وكل صوت عاقل وكل مدني كفء، بحيث يكون اللواءات هم البديل الوحيد.

لا يعرف الأغلبية الساحقة من المصريين اسم رئيس الوزراء، ورغم الأزمة المالية الحالية لا يعرفون اسم وزير المالية، وبخلاف العاملين في شركات البترول لا يعرف أحد اسم وزير البترول، وهناك ملايين وبحسب استطلاع لمركز بصيرة 7% فقط من المواطنين على مستوى الجمهورية يعرفون اسم محافظ محافظتهم، وكشف الاستطلاع أيضا أن محافظة الشرقية هي أعلى محافظة وافق أهلها على أداء محافظها المدني الدكتور رضا عبد السلام.

أعلن مركز بسيطة عن نتائج هذا الاستطلاع في يونيو 2015، وفي ديسمبر 2015 صدر قرار بإقالة محافظ الشرقية رضا عبد السلام وتعيين "اللواء" خالد محمد سعيد بدلا منه!

لا يعرف كثير من المصريين أسماء وأشكال الوزراء والمسؤولين حتى في الملفات التي تمس حياتهم بشكل مباشر، لكن نسبة أكبر بكثير تعرف أسماء وصور الفريق أول صدقي صبحي، والفريق محمود حجازي رئيس الأركان، واللواء كامل الوزير رئيس الهندسية، والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، ربما يكون هذا وضع كارثي بالنسبة لمصر، لكنه وضع مثالي لمن يرغبون في بقاء مصر تحت وصايتهم للأبد.

3-

تواصل دولة السيسي رهاناتها الخاسرة، تحرق كل أمل في تغيير سلمي وتورط جيشنا في معركة لا تليق به ولا يصلح لها، تواصل سقوطها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، تعيد كل ما هو قبيح من دولة مبارح وتقتل كل ما هو مشرق في دولة يناير، والأزمة أن الجميع في الداخل والخارج يرى أن نتيجة ذلك كله سيكون كارثيا على البلد وأهلها، بينما يرى من يديرون البلد وحدهم أنهم سياساتهم تلك قد تقيم وطنا "ٌقد الدنيا".

في السابق كنا نتمنى أن تكون حساباتنا نحن هي الخاطئة، لكن الحاضر يؤكد أن المستقبل معهم لن يحمل خيرا.