مقالات مختارة

صدام والسنة والمليشيات

1300x600
كتب سرمد الطائي: كنت أتحدت عن الإيزيديين بمناسبة تحرير سنجار، حين صار انخرط الشباب في جدل: لمن ستكون سنجار، لبغداد أم لأربيل؟ فطرحت السؤال التالي: الإيزيدي تعرض إلى القتل في بغداد مرارا، بسبب تجارة الكحول مثلا، و"الأقوياء" في بغداد لم يمنحوه أمانا رغم أنه كان يعمل طبق القانون، وينبغي لنا كأكثرية مسلمة أن نسأل: هل سيكون نظامنا الثقافي بعد مأساة سنجار، متسامحا مع الإيزيدي، كي نقنعه بأن يبقى مع بغداد ولا يذهب مع أربيل التي ضمنت له حقوقه الثقافية والتجارية وتفوقت علينا في ذلك؟ كيف نقتل الإيزيدي بسبب قنينة خمر ثم نبكي على عائدية بلدته سنجار وهو الذي تعرض إلى صدمة في كرامته بسبب إجرام داعش؟

وبدل أن نناقش هذه الأسئلة، بدأ القراء الشيعة (ليس جميعهم طبعا) بمهاجمتي، لأنهم افترضوا أنني ألقي باللوم على المسلحين الشيعة في مقتل الإيزيديين في بغداد. وبدأ بعض القراء السنة بتأييدي للسبب نفسه، كي يبدو اضطهاد الأقليات شيعيا، وانحرف الموضوع بأكمله كالعادة، ونسينا الأقليات الدينية ورحنا ننهمك كمسلمين في لعن بعضنا.

بعدها طرحت سؤالا على القراء السنة: كيف تريدون أن تنجح محاولات التصالح الاجتماعي، ويجري تقييد المتشددين الشيعة لصالح تيار معتدل، وأنتم تستخدمون عبارات انفعالية غير دقيقة في وصف تعميمي لخصومكم مثل: صفويين، شروگية، مجوس..الخ. ففي النهاية يقوم التشدد السني بمساعدة التشدد الشيعي وتقديم خدمة إليه وتضخيم مبررات الصراع الاجتماعي، والعكس صحيح أيضا لأن تشدد بعض الأجنحة الشيعية وسياسات نوري المالكي ورفض الحوار والتنازلات المشروعة، ساعد على انتشار داعش وأخواتها.

وفي نهاية سجال بلا نهاية وجدت نفسي مرفوضا من طيف شيعي وواسع، وطيف سني واسع، (لأني لهلي، ولأني لحبيبي)!

وفي الحقيقة فإن هذا حال معظم التيار الوسطي العراقي، الذي بدأ يشعر باغتراب شديد أحيانا وسط أمواج التشدد العاتية وصعود خطاب الكراهية عبر الشرق الأوسط، فكثير من الجمهور ينحاز لما أكتب حين أقوم بانتقاد تشدد الجماعات الشيعية، لكنه لا يصدقني حين أتحدت بالبراهين عن جهود مهمة لتيار معتدل في النجف وبغداد. وهؤلاء أنفسهم يغضبون حين أقوم بانتقاد صدام حسين واعتبره عقلا انفعاليا لا سياسيا، يعتمد الكراهية والحرب في تخريب فرص السياسة المعقولة، وقد نجح صدام في ترسيخ هذا النهج والنظام بحيث نرى اليوم بوضوح شبها كبيرا في نهج الكراهية ورفض الحوار، بين صدام والعديد من المتشددين الشيعة، قبل متشددي السنة والكرد وباقي الأطراف، أي أن سياسة التشدد وسياسة الحرب هي أمر متطابق مع نهج صدام حسين نفسه، ولذلك فإن التصحيح يبدأ بالانتقال إلى نهج الإيمان بالحوار والتصالح مع الدنيا من حولنا وبناء الثقة الصحيحة، والقدرة على إسكات الحمقى ودعم الأصوات المتعقلة.

لكن هذا أحيانا، يشبه أن أطلب من شخص نيكاراغوي أن يفهم سورة التوبة، ولذلك يعلو صوت البنادق التي لن تخرس إلا حين نفهم معنى استعادة هيبة العقل في الاجتماع والسياسة.

(عن صحيفة المدى العراقية- 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)