مقالات مختارة

الحل الخارجي لتركيا

1300x600
يُخطئ من كان يظن أن ظاهرة معاداة الأطراف والأحزاب المتنافسة بعضها مع بعض موجودة في تركيا فقط، بل هي منتشرة على كامل الجغرافيا الإسلامية، إذ تسبّبت بها الأيديولوجيا والتحزّبية.

لكن تركيا تعتبر محظوظة نوعا ما بالنسبة لقريناتها الأخرى من العالم الإسلامي، فرغم تلك العداوة الموجودة بين أطراف داخلها لم يتوغّل فيها سفك الدماء. وعلى الشارع التركي أن يدرك ويحافظ -على الأقل- على سلامة مجتمعه وعدم تحوّله إلى مشهد دموي.

والحقيقة أن هذا التحزّب خارج عن الإطار الداخلي، ووقع الأمر في أيدي بعض الأطراف الخارجية التي لا علاقة لها أصلا بما يجري بين الأطراف المتصارعة، وهي الآن تحاول التدخّل في شأن كل منها، وهو أمر بتنا نراه عين اليقين من خلال الصحافة الغربية التي تحاول توجيه الشارع التركي من الخارج.

الذين تدخّلوا في الشؤون الداخلية وبين أطراف النزاع فيها مثل أوكرانيا وأفغانستان والعراق وسوريا، وتسبّبوا بإراقة دماء كثيرة، هم نفسهم الآن يحاولون التدخّل أيضا في الشأن التركي الداخلي.

والحقيقة أنه أمر لا يدعو للاستغراب، لاسيما أنهم يتحرّكون بما تقضي به مصالحهم القومية.

كل دولة تحاول التدخّل في شؤون دولة أخرى وذلك بموجب مصلحتها القومية والوطنية. فالسياسة الخارجية للدولة تتشكّل من خلال السياسة الداخلية للدول الأخرى، وطبعا هنالك أشكال متعددة للتدخّل الخارجي، ومنها التدخّل المباشر، أي إرسال قوات برية لاحتلال تلك الدولة، والقاعدة العامة للتدخّل تبدأ من خلال دعم طرف داخلي يمكن استغلاله.

وقد مرّت تركيا بتلك التدخّلات الكثيرة عبر مئة عام، حيث ذهب مجهود أعوام من أجل مصالح دول خارجية، وتفتّتت الدولة العثمانية التي كانت تمنع الاقتتال الداخلي بين المجتمعات الإسلامية على طول الجغرافيا الإسلامية.

وبعض الدول التي نجت من تلك التدخّلات، حاولت تفتيت الذرّة، لكن خطة الغرب المعتمِدَة على آلية "تقسيم الدول ثم إدارتها والتحكّم بها" استطاع من خلالها الهيمنة على تلك الدول. وللأسف فالمسلمون لدِغوا من الجحر نفسه آلاف المرات، ولم يستطع الشرق الأوسط النهوض مرة ثانية من مكان سقوطه. وعندما أرادت الشعوب النهوض من موقع سقوطها من خلال ثورات الربيع العربي، أسقطوهم في الخدعة نفسها وذاقوا الويلات من ورائها.

وكما قلنا مسبقا تدخّل الغرب في شؤوننا الداخلية هو واجب وطني بالنسبة لهم، ومصطلح الضمير لدى الدول الغربية لا معنى له؛ ولذلك السبب فإن الدعوة والشكوى لهم لن تحصد شيئا، لا سيما أنهم ذبحوا بعضهم تذبيحا طوال 400 عام إلى حين اكتشافهم لضرورة الوحدة التي أتت بقوّتهم اليوم. والذين يطالبون بنظام لا يخدم مصالح الغرب واهمون كثيرا في تحقيق هذا النظام.

والشيء الذي يدعو للاستغراب، أن الشرق الأوسط كان فقيرا للفراسة السياسية، تركيا التي تُعَد جزءا من هذه الجغرافيا، نسبة كبيرة من السياسيين فيها يبحثون عن السلام ضمن مجتمعهم من حلول الدول الغربية، ولا يرى الحل بالمشاورات الداخلية بل في أسواق الصفقات الخارجية الملوثة. وللأسف فإن الأطراف التي تدعوا إلى المشاورات الداخلية خالية من شهية إنهاء هذا الصراع.

وقلّة الفراسة والحنكة تتحوّل إلى مصير معتم للشرق الأوسط. واليوم يحاول البعض إظهار الود والوفاء للخارج على حساب بلده، فقط من أجل أيديولوجيته المختلفة عن الآخرين، ومن خلال هذا الوفاء للخارج يظن أنه يعادي الحكومة، وهو في حقيقة الأمر  يعادي الدولة نفسها. والموضوع الأكثر ألما، هو أنهم يوحون أن حل مشكلة الشرق الأوسط معلّق بالخارج أو يحاول إظهار هذه الصورة على الأقل.

عن صحيفة خبر تورك التركية - ترجمة وتحرير تركيا بوست خصيصا لـ"عربي21"