مقالات مختارة

خنادق "العيب"

1300x600
تقول المستشارة أنجيلا ميركل، في يومياتها، بعد انهيار جدار برلين، أرسل عدد من الساسة الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف، إلى المستشار هلموت كول يطلبون منه التريث بفتح أبواب ألمانيا الغربية على مصراعيها بوجه الحشود التي زحفت من ألمانيا الشرقية، فربما -حسب رسالتهم- سينهار الاقتصاد الألماني، ولم يلب كول رغبتهم، بل ذهب المستشار إلى برلين، ووقف ليعتذر عن كل ما جرى خلال السنوات الماضية التي أدت إلى الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. 

وفي رسالته إلى الشعب الألماني، قال: "أعيدوا قراءة التاريخ بهدوء، القضية الكبرى ليست ما فعله الجدار بنا، المسألة الكبرى هي ما سنفعله بعد إزالة الجدار".

منذ أسابيع ونحن نتابع بشغف حروب الـ"فيسبوك" حول الأحداث في الأنبار، ونعيش مناخاً يعلو الطائفية والقبلية، والبعض يريد منك أن تصبح بوقا طائفياً.. فيما آخر يريد أن يخوض حرباً بالناس لصالح موقعه في السلطة. 

لقد امتلأت صفحات الـ"فيسبوك" بالحديث عن التفجيرات الأخيرة في بغداد، وقرأنا كلمات الشجب والاستنكار.. وهذا التضامن مع الضحايا أمر جيد ومهم، لأننا جميعا ضد الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه الأمني والسياسي.. إلا أن الغريب أن هناك حالة من الصمت إزاء الأحداث المروعة التي يتعرض لها المدنيون العزل في الأنبار، سواء من عصابات القاعدة أو من جراء عمليات التضييق عليهم ومنعهم من دخول المدن بحجة وجود إرهابيين في صفوفهم.

أليس من حقنا أن نسأل: إذا كان الإرهابيون قد تخفوا في زي المهجرين، فأين الأجهزة الأمنية واستخباراتها وإجراءاتها المشددة؟ و كيف دخلت السيارات المفخخة إلى بغداد؟ وكيف استطاع الإرهابيون أن يتحركوا بكل سهولة في شوارع العاصمة المزروعة بالسيطرات؟ 

ولأننا نعيش هذه الأيام أجواء حرب شتم الإمبريالية الأمريكية.. ونستمتع بتغريدات حنان الفتلاوي عن "الانبطاح"، وننظر "بإعجاب" لقفزات صالح المطلك بين ضفتي الحكومة والمعارضة، وغارقون حتى أذنينا في مهرجان الخطابة الطائفي، وتخطفنا الصحف والفضائيات لنتابع أخبار السياسيين المزيفين، لم تتوقف ضمائرنا لحظة واحدة عند مأساة النازحين من أهالي الأنبار، ولم يصدر أحد منا ولو بيانا صغيرا عن الضحايا من المدنيين، أو مجرد تصريح يوضح للناس ماذا جرى، والأخطر من ذلك أن نوابنا الأعزاء لم يغضبوا، والأصعب من ذلك أن المجتمع بأكمله أصيب بحالة من الصمم المزمن إزاء هذه الفواجع، لأن الجميع مشغولون "بمنازلة أمريكا"، والبعض منا ينتظر اللحظة التي تقرر فيها عالية نصيف قطع لسان أوباما 

ما معنى أن يصرّ ساستنا ومسؤولونا على التمييز بين سكان هذا الوطن على أساس طوائفهم ومعتقداتهم؟.. ما معنى أن يقول سياسي إننا لن نسمح لأهالي الأنبار الدخول إلى مدننا؟ وكأن سكان هذه المحافظة ليسوا بعراقيين. 

آخر تقليعات الديمقراطية العراقية دعوات لحفر خنادق بين بعض المحافظات والأنبار تهدف إلى منع أهالي الأنبار من الوصول إلى هذه المدن، وقد رفض العالم أجمع رؤية جدار أسمنتي اسمه جدار برلين، فيما نحن نصر على خنادق العيب.



(نقلا عن صحيفة المدى العراقية)