مقالات مختارة

"ربيع" تونس بين وهمين

1300x600
كتب منار الرشواني: نجت تونس الثورة من التداعيات الكارثية لخرافة اختلقها البعض، عن سابق تصميم وإصرار، لأجل غاية وحيدة هي الدفاع عن الفساد والاستبداد العربيين، وعمادها أن "الربيع العربي" ليس إلا مؤامرة بين الأمريكيين (الصهاينة بالضرورة) وبين الإسلاميين!

ولعل المفارقة أن إسلاميي مصر تحديداً، كما توحي تجربة السنة الوحيدة التي قضوها في الحكم، كانوا أكثر من صدق هذه الخرافة، فكان أن استأثروا بالسلطة باسم صناديق الاقتراع. وهو ما جرّ على مصر حالة عدم استقرار متواصلة، كما تهديداً وجودياً على الإسلاميين أنفسهم، بتصنيف "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية، في مصر وعدد من الدول العربية. 

في المقابل، ارتضى إسلاميو تونس، ممثلين بحزب حركة النهضة خصوصاً، مشاركة السلطة مع قوى سياسية أخرى خلال المرحلة الانتقالية، التي وإن انتهت إلى خسارتهم الأغلبية البرلمانية، كما منصب الرئاسة بشكل غير مباشر، إلا أنها أكسبتهم بالتأكيد فوزاً معنوياً بقبول مبدأ تداول السلطة سلمياً، كما الحفاظ حتماً على وجودهم الشعبي وتأثيرهم السياسي.

مع ذلك، يمكن القول إن تونس اليوم، التي تمثل بقعة الضوء الوحيدة في عالم ما بعد "الربيع العربي"، تواجه تهديداًَ فعلياً مصدره وهم جديد، مناقض لسابقه تماماً، ويتمثل في عزلة الإسلاميين عموماً، ووجود تشجيع ودعم من كثير من الأنظمة العربية، ومن الولايات المتحدة والغرب، لإقصائهم، بل وحتى استئصالهم كونهم جميعاً إرهابيين.

والحقيقة أن هذا كان لغة الخطاب لدى أعضاء في حزب "نداء تونس" أتيح لي الاستماع إليهم والحديث معهم في مؤتمر إقليمي قبل أيام، مع الإقرار سلفاً هنا أنهم ليسوا من قيادات الحزب، عدا عن كونهم لا يمثلون عينة ممثلة. فأحد المتحدثين أنصب اهتمامه بالكامل على نفي أي دور إيجابي لحركة النهضة على امتداد المرحلة السابقة، فيما كان آخر يؤكد لي أن الحركة ليست إلا "القاعدة" ذاتها. ولعل الاضطرابات التي شهدها بعض المناطق التونسية عقب الانتخابات الرئاسية، باعثها هذا الشعور لدى المحتجين بالخشية من الاستهداف، بعد اكتمال استئثار الفريق الآخر بمراكز السلطة.

أياً يكن، فإن ما يجمع الوهم في الحالتين، بل ما يخلق الوهم أساساً، الاعتقاد بأن الشرعية السياسية في العالم العربي ما تزال "شرعية مستوردة" من الخارج، تمنحها وتحجبها القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، بغض النظر تماماً عن موقف الشعوب.

وليست المسألة هنا هي فقط أن الشعوب العربية كسرت حواجز خوف كثيرة منذ العام 2011، بل أهم من ذلك أن ضرب الإسلاميين أمنياً، ولو بغطاء إقليمي ودولي، ضمن هدف الحفاظ على أوضاع ما قبل "الربيع العربي" أو استعادتها، لم يدفع قواعد هؤلاء الإسلاميين إلى أحضان الأنظمة، بل إلى أحضان التطرف؛ "داعش" و"القاعدة" وأمثالهما.

إذا كان الخارج يريد مواجهة الإسلاميين، أياً كانت أسباب ذلك، فإن السلاح الوحيد الحقيقي هو إنجاح تجربة خصومهم بالإنجاز الفعلي، الذي يضمن لهم الفوز في الانتخابات الشعبية الحرة والنزيهة. وهو ما يعني دعم التنمية الشاملة، في تونس وسواها، بمشاريع تخفض الفقر والبطالة، وبخلق مساحة حرية تسمح بتحدي الأفكار المتطرفة المدمرة من نخب ثقافية ودينية وغيرها، تقنع الناس باستقلاليتها ووطنيتها وصدقيتها، لا كونها مدافعة عن أنظمة على حساب الشعوب.

(عن صحيفة الغد الأردنية 27 كانون الأول/ ديسمبر 2014)