كتاب عربي 21

فليملك حتى نملكه

1300x600
المشهد الانقلابي المصري الحالي ربما يعطي في ظاهره إشارات إلى أن الأمور تسير ناحية التمكين للمنقلب الغادر، فها هي الانتخابات الرئاسية -كما يسمونها- على الأبواب، انتخابات بين خائن سفاح أضحت كل أجهزة الدولة في جيبه تهلل له كأنه المهدي المنتظر.

وما تهليلهم هذا لشيء إلا لأنه قد انقلب على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر. وقلب بانقلابه هذا أول حالة ديمقراطية حقيقية ليست في تاريخ مصر وحدها، بل في تاريخ العرب أجمعين.

ثم زاد التهليل الذي وصل إلى حد يقترب من التقديس لما أقدم هذا السفاح على سفك الدماء المحرمة في مجزرة ( رابعة )، التي هي بحق أكبر مذبحة لمعتصمين سلميين في التاريخ الإنساني كله.

وفي الجانب المقابل في هذه الانتخابات الهزلية وجه آخر قبيح كالح، وجه لكومبارس كبير. رجل ممن احترفوا ادعاء الوطنية والقومية واستطاع على مدار السنين أن يخدع الكثيرين.

والغريب أن ممن انخدع به كثيرون من أبناء الحركة الوطنية المخلصين، ومن أبناء الحركة الإسلامية أيضا.

وكان كاتب هذه السطور من هؤلاء الذين انخدعوا به، وذلك كما انخدعت بغيره ممن ذكرت بعضا منهم في مقال سابق تحت عنوان (الذين خدعوني ولم يخدعوه ).

حمدين صباحي المرشح الكومبارس -الذي يعرف هو حقيقة أنه مجرد ديكور لإكمال تزيين الصورة الانقلابية- يلعب هذا الدور على رغبة ومحبة منه، وربما لا يملك خيارا آخر ولا يستطيع إلا أن يلعبه.

وقد تأكد دور هذا الكومبارس في المسرحية الانقلابية من البداية. فقد ذكر الناشط المعتقل أحمد ماهر -في شهادته التاريخية تحت عنوان ( للأسف كنت أعلم )- حديثه مع صباحي، عندما أخبره قبل الانقلاب بفترة أنهم سيثيرون الشارع، وينشرون العنف حتى تسيل الدماء ليتدخل الجيش في آخر مشهد من المسرحية ويستلم زمام الأمور.

ولما أن رفض أحمد ماهر ذلك -كما يدعي هو في شهادته-  طلب منه هذا الكومبارس أن لا يكون ضدهم إذا لم يستطع أن يكون معهم.

نعود فنقول ......

إن هذا المشهد الانقلابي يكاد يعطي في ظاهره إشارات إلى انتهاء الأمر والتمكين للغادرين الخائنين، فها هو الخائن العميل رأس الانقلاب ومحركه سيصبح رئيسا بعد أقل من نصف شهر.

وعلى غير ما يروج له إعلامنا المناصر لقضيتنا وشرعيتنا، فإن العالم كله قد أصبح معترفا بهذا الانقلاب وبنتائجه. واعترافه اعتراف ضمني وإن لم يكن اعترافا مباشرا واضحا، وما موافقة الاتحاد الأوروبي وكذلك الاتحاد الإفريقي على مراقبة الانتخابات الرئاسية القادمة إلا تأكيدا لهذا الاعتراف.

لكن على الرغم من هذه الصورة الانقلابية السوداء القاتمة، وعلى الرغم من ظاهرها المحبط الميئس، إلا أن الثورة تستمر وتبقى، وها هي تقارب إكمال عامها الأول، دون وهن أو جزع أو استسلام.

بل وتزداد يوما بعد يوم انتشارا واشتعالا، ويلحق بركبها السائر الثائر أطياف لم تكن معها من البداية، أطياف بدأت تعي وتفهم ما حدث. تعي أنها كانت مسرحية كتبت فصولها ووزعت أدوارها منذ أول يوم لوصول الرئيس مرسي للحكم.

وسيزداد وقود هذه الثورة العظيمة ضد الخيانة والغدر عندما يصل هذا السفاح إلى سدة الحكم، فعندما يملك هذا الرجل الأمر، ساعتها سنستطيع أن نملكه.

فهو الآن وإن كان هو الحاكم الفعلي للبلاد، إلا أن ذلك من وراء ستار. هذا الستار يُخدع به عموم الناس ممن تربوا على الخديعة فأصبحوا أبناءها وأربابها .

ولكن عندما سيمزّق هذا الستار الخادع، سيكون هذا الخائن في عيون كل الناس هو الحاكم الفعلي بلا ريب ولا غبش. وساعتها ستبدأ الأسطورة المزيفة له في التصدع والانهيار يوما بعد يوم.

فغلاء الأسعار، وزيادة البطالة، وحاجات الناس، والمصائب الإدارية والتنظيمية في البلاد، كل هذه وغيرها ستحمّل تحميلا مباشرا على ظهر هذا الممثل الدعيّ الكذاب .

وساعتها سنكون في صورة شبيهة بالصورة التي كانت على عهد الرئيس مرسي، فقد درج الناس على تحميل الحاكم كل صغيرة وكبيرة في ربوع البلاد. وإن كان افتعال المشكلات والأزمات على عهد الرئيس مرسي قد كان هو إطار الصورة العام الرئيسي، فإن المشكلات الحقيقية والأزمات العميقة هي التي ستشكل الصورة في عهد هذا السفاح الخائن، وعلينا أن ننظر إلى الوضع الاقتصادي في البلاد الآن الذي يكاد يصل إلى حد الإفلاس. وهذا كله من حركة ثورتنا العظيمة الصابرة المثابرة.

حُكي عن أحد قادة ثورتنا هذه أنه قال عندما حدث الانقلاب في بدايته أن هذا الانقلاب سيستمر عامين ثم سيدحره الله، ويشاء الله أن يمر عام على هذا الانقلاب وعلى ثورتنا عليه قبل أن يتولى السفاح سدة الحكم مباشرة، ثم ها نحن أمام عام آخر قادم وهو على كرسي الرئاسة، نزداد في هذا العام في حركتنا وثورتنا، ونكسب أرضا جديدة يوما بعد يوم، ويزداد ضغط الشارع عليه، الشارع الذي لا يبحث إلا عن لقمة عيشه في ظل حياة كريمة، لن يستطيع هذا الغادر أن يوفرها له مع هذا الضغط الثوري الدائم.

إذن، فليملك هذا الرجل حتى نملكه، ولتستمر الثورة، وليلحق بالركب اللاحقون، ولنشمر عن ساعد الجد لعام آخر من عمر ثورتنا العظيمة.