قضايا وآراء

الجزائر تعلن رسميا انضمامها للحلف

1300x600
لم أنزعج أبدا من ذاك "المحلل السياسي" ضيف أحد البرامج السياسية على تلك الفضائية، عندما علق على ردود الفعل المتوقعة للرأي العام الجزائري إثر الزيارة المرتقبة لعبد الفتاح السيسي اليوم الأربعاء 25 جوان نحو الجزائر، كأول  وجهة خارجية له منذ انتخابه رئيسا، حين قال أن الشعب لايهتم بهذا الحدث وليس له رأي فيه.

وحينما نضطر بهذا الحكم لأن نلقي بالشعب في دائرة الاستخفاف، أو لأن نلقي بمُطلِقه في دائرة الاستئجار، فإننا حتما لن نتردد في الانحياز إلى مواقف الشعب  المنحازة  للثورات العربية والمتعاطفة معها، خاصة ما بدا منها بعد الانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي محمد مرسي في الثالث من جويلية 2013م، رغم حالة الوعي المكوي التي يمر بها جراء  فتنة العشرية الحمراء.
 
فلم يكن خفيا، أن النظام الجزائري استغل هذه  الحالة طوال السنوات الماضية، فأمعن في الاستفراد بالسياسات والتوجهات، واحتكار الخيرات واللعب بالمقدرات، حتى ظهرت الثورات، فتريث وتربص، ليس لتعديل الوجهة و لكن من فرط الصدمة.
 
كما أنه لم يكن مَخفيا  أيضا عند المهتمين بالشأن الجزائري، انحياز السلطة لأنظمة الحكم التي استهدفتها انتفاضات الشعوب، ثم للثورات المضادة من بعد، وإن كان ذلك اتخذ طابعا تصاعديا في  وضوح المواقف، إذ  لم تفلح السلطة في إخفاء دعمها اللوجستي والتقني للعقيد القذافي عن طريق ربط جسر جوي بين البلدين،  ثم بمواقف سياسية لاغبار عليها في انعاش نظام الأسد، خاصة تلك التي شهدتها  اجتماعات الجامعة العربية، وها نحن اليوم  نستقبل قائد الانقلاب العسكري في أول زيارة رسمية له خارج مصر، بعد أن سبقنا بالتهاني وحتى قبل إعلان النتائج الرسمية.
 
طبعا نحن لسنا بصدد تذكير النظام الجزائري  بـثابت سياسته الخارجية ـ على حد ادعائه ـ في دعم الشعوب لنيل حريتها،  حتى يمنحها هو لشعبه، ولسنا كذلك بصدد استنهاض مروءته  كي يرد انتهاك السيسي لسيادة الجزائر الدولة، عندما سرب أحد الإطارات الجامعية التي حضرت لقاءه بشخصيات أكاديمية، زعمه أن الجيش المصري قادر على اجتياح الجزائر في ثلاثة أيام، فسيادة الجزائر معرفة من قبل نظامها بتسيد رجال سلطتها على الشعب، واستقرارها مرهون باستقرار تلك السلطة.
 
لا يُفهم من استعجال  السلطة الجزائرية تقديم التبريكات لقائد الانقلاب قبل إعلان النتائج الرسمية، ثم استقبالها له في أول خرجاته الدبلوماسية، إلا أنها ليست أقل حرصا من الدول الداعمة للانقلاب،  لترسيخ أركانه وتثبيتها، وفي هذا السياق تُقرأ الزيارة وتُفهم.
 
وبكل تأكيد فإن النظام الجزائري وكغيره من أنظمة الشمول الأخرى، يجني من اصطفافه هذا استجداء شرعية خارجية تزكيه،  يراها تقيه، باعتبار أنه لا مؤسسة تمثله منتخبة ديمقراطيا، وهو في ذات الوقت يدعم الثورات المضادة  باعتبار المصير المشترك، وعلى ذات المقاصد نفهم المكاسب التي ستحققها سلطة الانقلاب العسكري، من شرعية سياسية تكسر حاجز الترددات لدى الكثير من الدول الاخرى خاصة الإفريقية منها، نظرا لمكانة الجزائر ووزنها على مستوى الاتحاد الإفريقي.
 
ولا تقل المكاسب الاقتصادية أهمية عن السياسية بالنظر لما يعانيه الاقتصاد المصري، ويجري الحديث  في الأوساط الجزائرية الإقتصادية والإعلامية عن صفقة لبيع الغاز الجزائري لمصر بنصف السعر المتداول في السوق العالمية، إذ يتراوح سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الجزائري ما بين 11 إلى 12 دولار كسعر عالمي، في حين سيباع لمصر ب 6 دولارات، والأكثر خطورة في هذه الصفقة هو وصول الغاز الجزائري إلى الكيان الصهيوني بطريقة لانقول أنها غير مباشرة، طالما أن الجزائر على علم  بتصدير مصر الغاز للصهاينة، خاصة وأن الكمية  المصدرة لمصر من الغاز الجزائري تفوق حاجياتها وفق ما جاء على لسان الخبير الجزائري عبد الرحمان مبتول.

وبهذا فإننا نستطيع القول أن الكيان الصهيوني نال مكسبا اقتصاديا هو الآخر، واقترب خطوة نحو التطبيع مع الجزائر.
 
المفارقة في حيثيات هذه الصفقة، أن كلا من مصر والجزائر  لهما ما يغنيهما من الغاز بأقل التكاليف وتلجآن إلى الأعلى تكلفة، فالجزائر أعلنت البدء في استغلال الغاز الصخري المكلف ماديا وبيئيا واجتماعيا، وهاهي تصدرالأقل تكلفة لمصر بنصف سعره، ومصر تغض الطرف عن حقوقها في أحواض الغاز في شرق المتوسط و المقدر إنتاجها بحوالي 350 مليار دولار لصالح الكيان الصهيوني وقبرص، وها هي تستورده من الجزائر.
 
وككل حدث يُتوقع أن لايرحب به من  قبل الرأي العام، فإن  المتحدثين باسم السلطة الحاكمة الفاقدة لشرعية الصندوق أو المقربين منها يُسوَّقونها في جانبها الأمني، وهو ما أكد عليه ضيف تلك الفضائية من خلال التركيز على الأوضاع الغير مستقرة في ليبيا، وما يتهدد الأمن القومي الذي لاننكره  أولويته، طالما أن الزج بالجيش الشعبي الوطني في أتون الصراعات الداخلية الليبية يبقى خطا أحمر.
 
الواضح  أن السلطة الجزائرية باتت فاعلا  مجاهرا في دعم الانقلاب والثورات المضادة، وهوما يستوجب من المعارضة موقفا موحدا شديد اللهجة ضمن فعاليات واسعة مستمرة، تضمن به ثقة أكبر ووجودا أوسع لدى الشارع الجزئري، وهو وإن لم يردع السلطة  في وقته  فإنه يربكها و يدفعها لمراجعة خيارات قادمة.