قضايا وآراء

أغلب دول العالم العربي على عتبة التحول لدول فاشلة

بعد الثورات المضادة لم يعد الخبز متاحا- جيتي
تئن معظم الشعوب العربية تحت وطأة ظروف حياتية غير مسبوقة، ويبدو ذلك جليا بشكل خاص في البلدان التي شهدت ثورات مضادة للربيع العربي، إذ من الواضح أن طاقة هذه البلدان استُنزفت في سياق تحطيم ثورات الشعوب وتأمين استمرارية أنظمة حكم، أقل ما يُقال عنها أنها باتت خارج العصر.

من تونس إلى سوريا، وما بينهما، انهيارات اقتصادية متسارعة، وبنى تحتية تجاوزت زمن صلاحيتها، فضلا عن انهيار العملات الوطنية، وهبوط كتل اجتماعية ضخمة إلى ما دون مستوى خط الفقر، لدرجة أن الطبقة الوسطى أصبحت من الماضي، وتملص مؤسسات الدول من مسؤولياتها، بل مشاركة هذه المؤسسات في عمليات نهب منظم للموارد القليلة لدى السكان.

قبل الربيع العربي، ثارت الشعوب من أجل الكرامة وتحسين وضعها الاقتصادي، بعد الثورات المضادة لم يعد الخبز متاحا، وجرى دوس الكرامة على قارعة الطرقات وذبحها في السجون والمعتقلات.. تفكّكت المجتمعات وتفرقت الأسر، وامتلأت البحار بجثث الهاربين، وغصت شوارع أوروبا بعشرات آلاف المراهقين من تونس ومصر بعد أن اقتنع آباؤهم بأن المغامرة بهم أفضل ألف مرّة من رؤيتهم يموتون جوعا وقهرا واستغلالا في بلاد باتت تتسيدها عصابات وتجّار مخدرات.

ثمّة مؤشرات عديدة على أن هذا العام ربما يكون حاسما في سقوط العديد من أنظمة الفشل، بعد أن استخدمت القمع إلى أقصى مدياته، وفاض الجوع إلى حدود لم يعد ممكنا تحملها، فجميع الطرق باتت مغلقة

ثمة قاسم مشترك يجمع هذه البلدان، وهو سيطرة أجهزة الجيش والمخابرات على مقدراتها، وهذه الأجهزة، وبعد الثورات المضادة، أفرزت أسوأ ما فيها من كوادر وضباط، وأزاحت كل من تشك بوجود ذرة من الوطنية والأخلاق فيه. وافترست هذه الجهات مواطني بلدانها عبر عمليات ابتزاز ونهب كل شيء ينتج قيمة مادية، الأكثر من ذلك، جرى توزيع البلاد على قطاعات يتم تسليمها للضباط والنافذين، بحيث يعود مردود القطاع عليهم في عملية سرقة علنية.

في هذه البلدان أصبح القانون شكليا، ولا يتم تفعيله إلّا في مواجهة المطالب والمظالم، حيث يوضع كل نقد للعصابات الحاكمة تحت قيد التخابر مع قوى خارجية أو وهن نفسية الأمة، وربما لتشويه صورة البلاد، التي يحكمها أشخاص خارقون استطاعوا إنقاذ البلاد من دمار مُفترض عبر صناعتهم لدمار حقيقي بات مقيما في البلاد ولا أمل في إصلاحه، على الأقل في المدى المنظور.

ما الدول الفاشلة إن لم تكن هذه؟ الفشل هو فشل الدولة في تحقيق العيش الكريم والمستقر لشعبها، وفي الدول ذات الأنظمة الديمقراطية والاستبدادية على السواء، ثمة عقد بين الحاكم والشعب، قد يكون معلنا كما في الديمقراطيات، أو ضمنيا كما في أغلب الدول الأقل تطوراً، ينطوي على قيام الحاكم أو النخبة الحاكمة بتأمين أساسات الاستقرار واستخدام الموارد المتاحة وتنميتها، لتأمين أفضل الظروف الحياتية للشعب، وعلى هذا الأساس يحصل الحاكم على شرعيته ومقبوليته لدى المحكومين.

بعض النظريات تحصر تعريف الفشل بعدم قدرة النظام الحاكم على ضبط الأمن أو السيطرة على كافة أقاليم البلاد، والواقع، أنه في أغلب حالات الدول العربية، هناك درجة معينة من الضبط شكليا، لكن من يتابع الحوادث الداخلية في الدول العربية وارتفاع نسب الجريمة والإدمان والفساد بدرجات قياسية وغير مسبوقة، لا بد أن يدرك أن هذه الدول تعيش شكلا من أشكال التمرد والفلتان، وأن السلطات في أحيان كثيرة إما متورطة في صناعة هذه الأوضاع بهدف إلهاء الشعب واستنزافه بدل أن يفكر في الثورة عليها، أو أنها غير قادرة على ضبط الديناميكيات الناشئة والتي ساهمت في توليدها بعد ثورتها المضادة التي وضعت البلاد على سكة الضياع.

ثمّة مؤشرات عديدة على أن هذا العام ربما يكون حاسما في سقوط العديد من أنظمة الفشل، بعد أن استخدمت القمع إلى أقصى مدياته، وفاض الجوع إلى حدود لم يعد ممكنا تحملها، فجميع الطرق باتت مغلقة

من مؤشرات فشل هذه الدول أن السياسات التي تنتجها على الصُعد الاقتصادية والاجتماعية بعيدة كل البعد عن مسار تحسين ظروف شعوبها، فالخطط والمشاريع والميزانيات التي تقرها وتقترحها قصور الحكم في واد وهموم الناس في واد آخر، وهذا يقودنا إلى أحد أهم عناصر فشل الدولة، وهو انعدام الفعالية وضعف التأثير إلى أبعد الحدود. وفي هذه الحالة يصبح وجود الدولة كما عدمها، بل إن عدمها ربما يريح الناس من استغلالها من قبل عصابات تتلطى خلفها للتنكيل بهم وسرقة قوتهم.

ثمّة مؤشرات عديدة على أن هذا العام ربما يكون حاسما في سقوط العديد من أنظمة الفشل، بعد أن استخدمت القمع إلى أقصى مدياته، وفاض الجوع إلى حدود لم يعد ممكنا تحملها، فجميع الطرق باتت مغلقة، أو لم يتبق إلا الطرق إلى القصور الحاكمة واقتلاع الساكنين بها بعد أن عطلوا الحياة واستباحوا كل شيء.

twitter.com/ghazidahman1