ملفات وتقارير

تبون يتفق مع ماكرون على شراكة شاملة.. ما الذي تغيّر؟

أبدى تبون وماكرون تفاؤلا بمستقبل العلاقات بين البلدين على الرغم من توتر الأجواء بين الجزائر وباريس في وقت سابق - جيتي

توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في أول زيارة رسمية له بعد التوتر الذي شاب علاقات البلدين منذ 11 شهرا، على إثر تصريحات أدلى بها العام الماضي، شكك فيها بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار، كذلك انتقد فيها النظام الجزائري.

والتقى ماكرون بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وأعلنا خلال مؤتمر صحفي عقد عقب لقائهما، عن فتح صفحة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين.

ولفت تبون إلى أنهما تطرقا إلى مسألة التعاون الثنائي بين البلدين وتعزيزه، بما يساهم في خدمة مصالح البلدين ومنح دفعة نوعية للعلاقات، وذلك تأكيدا لتوجه البلدين الجديد المبني على إقامة شراكة استثنائية شاملة في ظل الاحترام وتوازن المصالح بين البلدين.


وفي ذات السياق دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجزائر إلى "تجاوز التاريخ المؤلم والمعقد المشترك"، والتطلع إلى المستقبل.

مصالح اقتصادية


وعلى الرغم من عدم حل ملف الذاكرة العالق، والذي تطالب بموجبه الجزائر فرنسا بالاعتذار عن الحقبة الاستعمارية ودفع تعويضات عن الانتهاكات الفرنسية التي مورست ضد الجزائر وشعبها خلال فترة الاحتلال الفرنسي، أظهر الرئيسان تفاؤلا بعلاقات مستقبلية جيدة وجادة، فما الذي تغير وحول التوتر إلى توافق في الرؤى للعلاقة بين البلدين؟

أكد الباحث في العلاقات الدولية، البشير الجويني، بـأنه "يجب التمييز بين المواقف الرسمية وبين الشعبية، فشعبيا تُعتبر فرنسا كما يقال عدوة الأمس والغد، بالمقابل رسميا وسياسيا تراوحت المطالب الجزائرية بين الاعتذار وتصعيد اللهجة ولكن لم يتم التصعيد دبلوماسيا أو شيء من هذا القبيل".

وعبر الجويني عن اعتقاده خلال حديثه لـ"عربي21"، بأن "عدم اعتذار ماكرون ولكن بنفس الوقت استخدامه لمخرج مخادع للأزمة، عبر تغييره للحديث عن الاعتذار إلى الحديث عن ضرورة الاتعاظ من التجربة لعدم تكرارها، فيه مغازلة للجزائر في الوقت الذي يعيش فيه العالم أجمع أزمات عدة، ولكن هل القيادة الجزائرية تقبل بهذا المخرج؟".

ويرى الجويني بأن "العلاقات بين البلدين يبقى فيها من التعقيد ومن أسباب الانفجار ما يكفي لانفجار هذه العلاقة في أي لحظة، ولكن تبقى المصالح العليا والتي جزء كبير منها اقتصادية تحكم هذه العلاقات بينهما، خاصة التعاون في مجال الطاقة".

شراكة ثنائية ولكن!

ولكن مع عدم تقديم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتذارا رسميا للجزائر عن انتهاكات فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية، وفي ذات الوقت الإعلان عن شراكة بين البلدين، يبقى السؤال ما الذي دفع الجزائر للقبول بهذه الشراكة وإنهاء التوتر الذي دام 11 شهرا، وماذا قدمت فرنسا للجزائر لحل الخلاف بين البلدين؟

عبر المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل خلف الله، عن اعتقاده بأن "الاحترام المتبادل الذي ذكره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال تصريحه حول اتفاقه مع ماكرون على إقامة شراكة بين البلدين، سوف يكون ضمنيا بأنه تصريح بحل ملف الذاكرة والذي لن يتم بسرعة".

واستدرك خلف الله بالقول لـ"عربي21"، "لكن هذا الملف يعتمد على أنه تم الاتفاق وفقا لحديث ماكرون على إنشاء لجنة مشتركة يكون أعضاؤها مختصين بالتاريخ مهمتها الاطلاع على كل ما يتعلق بأرشيف الذاكرة وكل الملفات التاريخية التي تربط بين البلدين، ومن خلال هذه اللجنة أعتقد أنه اليوم يتم التركيز على حل ملف الذاكرة نهائيا بما فيه الاعتذار والتطرق للانتهاكات التي حدثت خلال الحقبة الاستعمارية بحق الشعب الجزائري".

وأضاف: "من جهة أخرى تصريح الرئيس عبد المجيد تبون يدخل ضمن استبعاد تسويق الفكرة الخاطئة حول أن الجزائر تقتات على ملف الذاكرة وتعرقل بناء علاقات جديدة مستقبلية بين البلدين".

وأوضح، "بالتالي هو يريد أن يشير إلى أن الطرف الجزائري لديه استعداد لبناء شراكة ثنائية جادة لا تكون رهينة لملف الذاكرة كما يدعي البعض، وأن الجزائر ليس لديها عقدة من بناء شراكة حقيقية مع التأكيد على عدم تجاوز ملف الذاكرة الذي يبقى مطلبا شرعيا وأن يأخذ وقته في حل كل تفاصيله".

ورجح خلف الله بأن "الاعتذار الفرنسي حتى وإن جاء شفهيا سوف يمهد لبناء أرضية قانونية جوهرها التعويضات والتي لن تكون إذا لم يتم التطرق إلى تكييف هذه الانتهاكات بالدرجة الأولى".

وأكد أن "حديث الرئيس الجزائري عن بناء شراكة ثانية لا يعني أن الجزائر تنازلت عن المطلب الرئيسي وهو ملف الذاكرة وقضية الاعتذار، ولكن الجزائر تريد القول إنها تنظر للمستقبل لأنها تُتهم وخاصة من قبل الرئيس الفرنسي بأنها تنظر للتاريخ فقط، ولكن هذه النظرة المستقبلية مبنية على إنهاء وحل هذا الملف الذي طال أمد حله وبقي عبارة عن ملف مناورة تناور به كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة".

وحول ما إذا كانت الجزائر قد تنازلت عن طلب الاعتذار أو غيرها من المطالب مقابل هذه الشراكة قال خلف الله: "بناء الشراكة بين البلدين لا يعني أن الجزائر تنازلت عن حقها وحق الشعب الجزائري بالمطالبة بالاعتراف الفرنسي بانتهاكات الحقبة الاستعمارية وتقديم الاعتذار وأيضا المطالبة بتعويضات عن كل ما اقترفته فرنسا الاستعمارية".

وتابع: "وبالتالي العلاقة إن بنيت على الجدية وأن يكون لها أثر إيجابي على مصلحة الطرفين وإن بقي ملف الذاكرة دون حل، وأعتقد أن العلاقة ستبقى تتعثر من فترة لأخرى ويبقى هذا الفتور الذي لا أعتقد أنه من مصلحة فرنسا بالدرجة الأولى أن يبقى، لأنها بأمس الحاجة إلى الطاقة الجزائرية، لأنها تعتبرها البديل القوي للطاقة الروسية التي كانت تعتمد عليها هي وبقية أوروبا".

وخلص بالقول: "أعتقد أن أي تقاعس وتلاعب بملف الذاكرة سوف يؤثر على العلاقة بين البلدين في المستقبل، وباعتقادي أنه من مصلحة فرنسا أن لا تتعثر هذه العلاقة مرة أخرى".


علاقات عاطفية!

يرى الباحث الفرنسي في معهد الدراسات السياسية بباريس، رونالد مارشال، أن "العلاقات بين البلدين كانت عاطفية للغاية لفترة طويلة ولن تتغير طبيعتها، على الرغم من أن كلا القيادتين قد يكون لهما مصلحة مشتركة في تحسين العلاقات بينهما".


وأوضح مارشال خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "كما هو الحال في كثير من الأحيان، يميل الناس إلى النظر إلى أبعاد رمزية ونسيان الكثير من كثافة العلاقات العملية بين البلدين، فمثلا ما يقرب من 80 في المائة من "الشتات" الجزائري مقيم في فرنسا".

وتابع: "بالتالي فإن الحصول على التأشيرات هو مسألة تتعلق بالسياسة الداخلية في الجزائر، جانب آخر مهم هو تأثير المغرب في أوروبا وفرنسا، لا يمكن للجزائر أن تدعي أنها على حق وتبقى معزولة، فهي تحتاج إلى إشراك شركائها".

 

اقرأ أيضا: ماكرون يدعو الجزائر إلى تجاوز "التاريخ المؤلم والمعقد"

وحول احتمالية أن تكون هذه الشراكة وزيارة ماكرون هي بداية لفترة زمنية تكون نهايتها اعتذار فرنسا عن الحقبة الاستعمارية، قال مارشال: "كما قلنا للتو، من السابق لأوانه القول إن هذه الرحلة تفتح تعاونًا استراتيجيًا جديدًا بين البلدين، تحتاج كلتا القيادتين إلى تهدئة الوضع في الوقت الحالي، ويمكن للوقت فقط أن يقول إن المصالحة تحدث (ببطء)، بمعنى ليس بنفس الإطار الزمني للسياسة الدولية".

وأكد أن "الاعتذار الفرنسي يمكن أن يأتي، ولكنه لن يكون كما يريده الناس، انظر إلى رواندا، ذهب ماكرون إلى هناك وانقسم الناس حول ما إذا كانت الاعتذارات كافية أم لا".