ملفات وتقارير

لماذا تغيب الأحزاب العلمانية في الجزائر عن الانتخابات؟

التيار الديمقراطي يبرر مقاطعته للانتخابات التشريعية بالانحياز للحراك الشعبي ضد النظام- فيسبوك

أعلنت معظم الأحزاب المحسوبة على "التيار الديمقراطي" في الجزائر، مقاطعتها للانتخابات التشريعية التي ستنظم في 12 حزيران/ يونيو المقبل، بمبرر الانحياز للحراك الشعبي الثائر ضد النظام.


وتطلق تسمية "التيار الديمقراطي" في الجزائر، على الأحزاب التي تتبنى توجهات علمانية حداثية، وهو تصنيف سياسي موروث عن حقبة الأزمة الدموية التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي.


وتتفرق أحزاب هذا التيار، إلى مذاهب سياسية شتى، فهناك اليسار المعتدل الذي تمثله جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وأقصى اليسار الظاهر في أدبيات حزب العمال ذي التوجه التروتسكي أو الحركة الديمقراطية الاجتماعية سليلة الحزب الشيوعي في البلاد.


وبعد إعلان حل البرلمان وتنظيم انتخابات برلمانية مسبقة، ساد ترقب كبير في الساحة السياسية لموقف جبهة القوى الاشتراكية، التي تعتبر أكبر وأهم أحزاب هذا التيار.


وكان هذا الحزب الوحيد الذي ترك الغموض في موقفه، خصوصا بعد لقاء قيادته بالرئيس عبد المجيد تبون، ما أوحى بإمكانية قبوله بالمشاركة، لكن قراره النهائي جاء عكس ذلك بالنظر إلى الرفض الواسع لقاعدته النضالية لهذه الانتخابات.

 

اقرأ أيضا: رئيس الجزائر يعلن التراجع عن تجريد معارضين من الجنسية

وبرّر الحزب رفضه للمشاركة، بالقول إن "شروط إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة لم تتحقق"، ما يجعل هذه الانتخابات بالنسبة للحزب، حلاً للأزمة متعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد.


وانطلق المجلس في قراره مما اعتبره واقع الخطاب الرسمي المشيطن للأحزاب والعمل السياسي باستمرار، وكذلك الأوضاع الداخلية والإقليمية التي تفرض التوافق قبل الذهاب للانتخابات.


خيار طبيعي بالمقاطعة


من جانبها، لم تجد باقي الأحزاب المحسوبة على هذا التيار، صعوبة في حسم مواقفها التي صبّت تلقائيا في خانة المقاطعة، وهو الموقف الذي ينسجم مع خياراتها منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي رفضتها.


وتتكتل معظم هذه الأحزاب منذ منتصف سنة 2019، في "عقد البديل الديمقراطي" الذي يطرح في تصوره حلا للأزمة عبر مسار تأسيسي يفضي إلى تعبير الشعب عن سيادته بكل حرية بعيدا عن توجيه السلطة.


وفي بيان أخير لهذا التكتل، قال إنه تلقى بارتياح رفض العديد من الأحزاب السياسية، المشاركة في هذه الانتخابات التي وصفها بالمهزلة، وشدد على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة.


وباتت أحزاب مقاطعة من هذا التيار تشتكي من عملية انتقام ضدها عقابا لها على مواقفها، وهو ما ظهر في تصريحات مسؤولي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال.


وفي هذا الشأن، نددت زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، بما وصفتها العملية الانقلابية التي تستهدف حزبها، بعد أن نظم مجموعة من الأشخاص حركة تصحيحية تهدف للإطاحة بها.


انعكاسات الغياب


ويعتقد مراقبون، أن غياب هذا التيار سينعكس على تركيبة البرلمان المقبل، الذي سيغيب فيه صوت اليسار الرافض لمشاريع الخصخصة والتوجه اللبرالي للحكومة.


لكن على المستوى الشعبي، لم يكن لهذا التيار تاريخيا حضور قوي في كل مناطق الجزائر، باستثناء منطقة القبائل الناطقة بالأمازيغية والعاصمة وبعض المدن الكبرى التي تشكل معاقل له.


وبدا رهان السلطة من محاولة استقطاب بعض الأحزاب، متعلقا بالرغبة في كسر المقاطعة الشاملة بمنطقة القبائل التي تتمسك بهذا الموقف منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

 

اقرأ أيضا: السلطات الجزائرية تطلق سراح 7 من الحراك اعتقلوا الجمعة

وفي اعتقاد ناصر حمدادوش مسؤول الإعلام بحركة مجتمع السلم، التي تمثل خصما سياسيا لهذا التيار، أن حزبه يحترم خيار المقاطعة ولا يتدخل في قرارات الأحزاب، لكنه لا يعتقد أنه هو الأنسب في الظرف الحالي.


وأوضح حمدادوش في تصريح لـ"عربي21" أن مبررات المقاطعة المتعلقة بغياب شروط النزاهة، غير موضوعية بالنظر إلى أن أحزاب هذا التيار كانت تشارك في السابق في الانتخابات، بمستوى ضمانات أقل مما هو موجود الآن.


وأبرز حمدادوش أن الإشكال يكمن لدى بعض الأحزاب في الخضوع لديكتاتورية جزء من الشارع الرافض للانتخابات، على الرغم من إيمان بعضها بأن الخيار الأنسب هو في المشاركة.


حسابات سياسية


بالمقابل، يرى نوري دريس الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن مقاطعة هذا التيار تبدو متجانسة مع الوضع العام للبلد الذي يتميز بعودة الحراك ورفضه للانتخابات، لكن لا يمكن مع ذلك، حسبه، استبعاد الحسابات السياسية من وراء قرار المقاطعة.


ويعتقد دريس في حديثه مع "عربي21"، أن قرار المقاطعة بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، كان متوقعا، على اعتبار أن معقلها التاريخي (منطقة القبائل) يتوقع أن يقاطع الانتخابات، أو ربما لا تنظم فيه الانتخابات أصلا، وبذلك تصبح المشاركة، حسبه، ضربا من الانتحار السياسي.


ويشير دريس إلى أن قرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يبدو أكثر تجانسا، على اعتبار أن قيادة الحزب انخرطت في الحراك منذ بدايته، وقاطعت السلطة بشكل معلن عكس قيادة جبهة القوى الاشتراكية التي أجبرها تصويت المجلس الوطني على المقاطعة.


أما عن حزب العمال، فهناك من يرى، حسب دريس، أن قرار المقاطعة كان في جزء منه بسبب قانون الانتخابات الجديد الذي يمنع القيادة الحالية من الترشح.