ملفات وتقارير

لماذا رفض أهالي قطار الصعيد تعويضات الحكومة المصرية؟

تعويضات المدنيين الهزيلة سلطت الضوء على التعويضات الضخمة التي يحصل عليها ضحايا الجيش والشرطة- تويتر

نجحت الحكومة المصرية في رفع أنقاض حادث قطاري سوهاج، الذي وقع قبل أيام في صعيد مصر وخلف عشرات القتلى والجرحى، لكنها لم تنجح في تضميد جراح المصابين وأهالي الضحايا المنكوبين بفقدان ذويهم، إن لم تكن زادتها ألما.


وفي خطوة رمزية نادرة، رفض بعض أهالي ضحايا الحادث استلام التعويض العاجل الذي أقرته الحكومة المصرية بواقع 20 ألف جنيه لكل متوفى. (الدولار يساوي 15.75 جنيه)


وقالت وزيرة التضامن المصرية في تصريحات متلفزة، الاثنين، إنها تقدر ظروف الأسر المكلومة في فقدان ذويها، وإنها ستعاود تقديم التعويض لهم مرة أخرى خلال اليومين المقبلين.


وفق القانون المصري، لا يزيد حجم التعويض كثيرا لضحايا النكبات والكوارث، فبحسب تصريحات الوزيرة فإن القانون "كان محددا مبلغ 50 ألف جنيه للوفيات في حالة النكبات العامة"، مشيرة إلى أن الرئاسة "وجهت بمضاعفة هذا المبلغ من 50 إلى 100 ألف جنيه لأسرة المتوفى".


وكان رئيس الوزراء المصري أعلن في يوم الحادث مضاعفة التعويضات المالية للمصابين وأسر الضحايا عن مثيلاتها التي تُصرف عند وقوع مثل هذه الحوادث، وذلك بصرف 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى، ومن 20 إلى 40 ألف جنيه لكل مُصاب، وفقا لدرجة الإصابة.


وفي اليوم التالي، أعلنت الرئاسة المصرية صرف معاش ثابت للمصابين في حادث القطارين، بنسب عجز وعاهات مستديمة.

 

 

 

 


محاسبة صغار الموظفين


وبدلا من محاسبة وزير النقل وكبار المسؤولين، أمر النائب العام المصري بحبس سائقي القطارين ومساعديهما، وبعض الموظفين الصغار بهيئة السكك الحديدية، احتياطيا علَى ذمة التحْقيقات في واقعة تصادم القطارين في سوهاج.


وكان موقع "مدى مصر" (مستقل) قد نقل عن مصدر قوله إن "الحادث ناتج عن سوء إدارة تستوجب محاسبة جميع المتسببين فيه، بداية من سائق القطار، وحتى وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديد ونائبه لشؤون التشغيل".


وأوضح المصدر "أن الربط بين عدم اكتمال تطوير مرفق السكك الحديد وبين الحادث هو أمر يخالف الحقيقة؛ لأن جرار القطار المكيف رقم 2011 هو جرار روسي دخل الخدمة قبل بضعة شهور، والأمر نفسه بالنسبة لبرج الإشارة الذي وقع الحادث بالقرب منه".


تعويضات العسكريين والمدنيين


تعويضات المدنيين "الهزيلة" في الحوادث العامة سلطت الضوء على حجم التعويضات الضخم الذي يحصل عليه ضحايا الجيش والشرطة من خلال صندوق تكريم شهداء ومفقودي ومصابي العمليات الإرهابية وأسرهم.


ويوفر الصندوق فرص الدراسة في كافة مراحل التعليم، وتوفير منح دراسية بالمدارس والمعاهد والجامعات، وتوفير فرص عمل، ومنحهم الأولوية في مسابقات التوظيف، وتوفير فرص الحج، والحصول على وحدات سكنية بمشروعات الدولة.

 

اقرأ أيضا: وزير النقل بمصر يتهم سائق قطار سوهاج بتجاوز إشارات الوقوف

إضافة إلى تقديم الخدمة الصحية المناسبة، وإتاحة استخدام وسائل المواصلات المملوكة للدولة بكافة أنواعها مجانا، وتوفير الاشتراك في مراكز الشباب والأنشطة الرياضية المختلفة، والدخول المجاني لكافة المتاحف والمنتزهات والحدائق والمسارح وقصور الثقافة التابعة للدولة.


فيما يتعلق بالمعاش يكون بذات قيمة المرتب والبدلات والعلاوات التي كان يتقاضاها قبل إصابته أو استشهاده أو اعتباره مفقودا، على أن تزيد قيمة هذا المعاش بمقدار قيمة زيادة المرتب وبدلات وعلاوات أقرانه في الرتبة أو الدرجة التي يتم ترقيته.


تمييز طبقي


في معرض تعليقه، قال المستشار محمد سليمان رئيس محكمة سوهاج الأسبق، أحد رموز تيار الاستقلال القضاء، إنه: "لا مجال للحديث عن قانون أو دستور، سيكون التعويض معبرا عن تكافل حقيقي لو كان لا يفرق بين مدني وعسكري، أما غير ذلك فهو يعبر عن تمييز مقيت بين طوائف المجتمع".


وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "منح مزايا دائما للعسكريين على حساب المدنيين هو لضمان ولائهم، وإحكام قبضته (النظام) على الحكم، باعتبارهم اليد اليمنى للسيسي في سيطرته على حكم البلاد".


اعتبر سليمان أن رفض بعض الأهالي للتعويض "خطوة احتجاج رمزية؛ بسبب ضآلة مبلغ التعويض المقدم إليهم من الحكومة".


إهانة وإذلال


السياسي المصري، محمد شريف كامل، قال بدوره: "مرة أخرى، تكشف حوادث القطارات في مصر مأساة شعب تتحكم فيه حكومة لا تبالي بالشعب ولا حتى بأبسط حقوقه، فبعد أن يغتال الإهمال ذويهم، وقبل أن تجف دموعهم، تتعمد الحكومة إهانتهم، وتزيد جراحهم بتعويض غير لائق، حتى بعد مضاعفة التعويض للمتوفى ما زلنا نرى إهانة".


مضيفا لـ"عربي21": "لقد رفض النظام إصلاح السكة الحديد، وقال ما لا يقال في أن إيداع قيمة إصلاح السكة الحديد في البنوك، وتحصيل فوائدها خير من إصلاح السكة الحديد، ولنا أن نتساءل هل هذه التعويضات هي من فوائد البنوك، وإن كانت كذلك فهي حق الضحايا وليست منه من الحكومة عليهم".


وتساءل: "ثم لماذا التفرقة بين أبناء مصر، الفتات لضحايا الإهمال من المدنيين وأضعاف أضعافها للضحايا من العسكريين، وكأنهم ليسوا أبناء ذات الشعب وذات الوطن، وبالعودة لقيمة التعويض المقترح، ماذا يقدم ذلك المبلغ لأسرة فقدت عائلها بالوفاة أو بالإصابة المعجزة، وعن ماذا يعوضهم ذلك المبلغ، وعن ماذا؟


وختم كامل حديثه بالقول: "مرة أخرى، سقط النظام كما سقط من قبل في كل المواقف وكل الأزمات، وكأنه يتعمد إذلال الشعب والقضاء على حاضره ومستقبله".