ملفات وتقارير

الجزائر ما بين الترحيب والتوجس بعد رفع سرية وثائق فرنسية

دام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962- الأناضول

خلّف قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، رفع السرّية عن وثائق خاصة بحقبة استعمار الجزائر (1830-1962) ردودا تراوحت بين ترحيب رسمي، وتوجس غير رسمي من أبعاد ذلك القرار.


وفي التاسع من الشهر الجاري أعلنت الرئاسة الفرنسية، في بيان "رفع السرّية عن وثائق مدرجة تحت بند أسرار الدفاع الوطني اعتبارا من 10 آذار/ مارس 2021".


وأصدر الإليزيه القرار وفقا لما أوصى به المؤرخ بنجامان ستوار، في تقريره الذي سلّمه سابقا لماكرون حول استعمار فرنسا للجزائر، وتضمن التقرير الصادر في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، مقترحات لإخراج العلاقة بين البلدين من حالة الشلل التي تسببت بها قضايا ذاكرة الاستعمار العالقة بينهما.


ترحيب وتوجس


بعد قرار ماكرون بيوم واحد، وصف عبد المجيد شيخي، مستشار الرئيس الجزائري لشؤون الذاكرة، مدير الأرشيف الحكومي قرار ماكرون بـ"الإيجابي والهام".


وقال شيخي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية إنّه "بالإمكان القول إنّه، لحد الساعة، قرار ماكرون جيد، والأمر يتعلق بانفتاح إذا أرفق بمتابعة تسمح بتطبيقه بشكل واسع".


ووفق المسؤول الجزائري فإن "الاطلاع على الأرشيف سيكون مفتوحا أكثر، خاصة أنّ الفترة المعنية هي مرحلة جد هامة في تاريخ الجزائر، وهي تخص الفترة ما بين سنوات 1920 و1970".


من جانبه يرى النائب السابق كمال بلعربي، للأناضول، أنّه "لا يمكن الوثوق في قرار باريس رفع السرّية عن جزء من أرشيف الاستعمار الفرنسي بالجزائر".


وقال بلعربي، وهو صاحب مشروع قانون برلماني سابق لتجريم الاستعمار إن "بيان الرئاسة الفرنسية حول رفع السرية عن وثائق تخص حقبة الاستعمار في الجزائر وبعض الدول الأخرى، لا يعنينا، لأنّها لن تسلمه إلى السلطات الجزائرية".


وأردف: "فرنسا ستظل تتلاعب بملف الذاكرة، والأهم هو أن نظل متمسكين بمطالبنا لمحاسبة فرنسا عن جرائمها التي ارتكبتها في الجزائر طوال 132 عاما".

 

اقرأ أيضا: لماذا ترفض فرنسا الاعتذار للجزائر عن جرائم الاستعمار؟


وتابع: "وهل ننتظر من فرنسا التي ارتكبت أبشع المجازر في حق الجزائريين أن تعطينا أرشيفا مهما، إن هذا عمل مضلل أنتجته مخابراتها"، مضيفا أن "هذه القرارات كلها تصريحات وهمية وملفات كاذبة، لا أقل ولا أكثر، ولن يرجى منها شيء".


أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، فيرى أنّ "رفع السرية عن جزء من الوثائق التي يزيد عمرها على 50 عاما (1920-1970) لا يؤثر كثيرا على العلاقات الجزائرية الفرنسية".


وقال بوقاعدة في حديث لـلأناضول" إنّ "هناك انتقائية في طرح هذه الوثائق ليطلع عليها الجمهور العام وكلمة بعض أو جزء توحي بأنّ قيمة هذا الأرشيف لا تؤثر على العلاقات بين البلدين"، معتقدا أن "هذا القرار جاء في سياق سعي الرئيس ماكرون، لتهدئة التوتر حول ملفات الذاكرة مع الجزائر، وتطبيقا لتوصيات المؤرخ بنجامان ستورا".


ووفق بوقاعدة، فإن "هذا هو البعد الأساسي من طرح هذه الوثائق، لأنّه سنويا تفرج فرنسا عن وثائق دون أن تحمل ضجة"، معتبرا أن "المسائل العالقة بين فرنسا والجزائر لا ترتبط بهذه الوثائق التي فصل فيها القانون الفرنسي (بأنها ملكية لفرنسا)، وإنّما الخلاف يتعلق بوثائق ما قبل الفترة الاستعمارية (1830-1962)".

 

اقرأ أيضا: مسألة الاعتذار للجزائر.. هل حرّف "الإليزيه" تقرير ستورا؟


وأوضح أن "وثائق ما قبل الاستعمار ليس لفرنسا الحق في امتلاكها، هي موروث إنساني للشعب الجزائري وهذا ما ترفضه باريس".


وتطالب الجزائر باستعادة كامل الأرشيف ما قبل الاستعمار الفرنسي، والذي نقلته باريس خلال جلاء قواتها عن البلاد.


وأشار المحلل السياسي إلى أنّه "لا يمكن الحكم مسبقا على قيمة الوثائق وإمكانية تحريك العلاقات نحو الإيجابي بين البلدين ما لم تعرف طبيعتها".


جعجعة بدون طحين؟


وتساءل الكاتب، أرزقي فراد: "هل فعلت فرنسا ذلك من باب الأخلاق والإنسانية؟".


وأضاف في مقال نشره على صفحته بـ"فيسبوك" تعليقا على القضية: "وهل يمكن اعتبار القرار مؤشر تهدئة بنيّة بناء علاقات طبيعية بين البلدين؟ أم إنه ينمّ عن رغبة فرنسا في الحفاظ على مصالحها في الجزائر؟"، معتقدا أن "قرار فع السرية لا يعدو كونه جعجعة بدون طحين"، بحسب وصفه.


و"يأتي ذلك من أجل تحييد أنصار التيار الوطني (الجزائري) الذين يعملون من أجل تجريم الاستعمار الفرنسيّ"، بحسب فراد.


وسابقا، اتفق الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون، والجزائري عبد المجيد تبون، على تعيين مؤرخين (واحدا عن كل منهما) لبحث ملف الذاكرة، إذ عُين عن الجانب الفرنسي ستورا، وعن الجزائري عبد المجيد شيخي.


ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962، حيث تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون، إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة الخمسة ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات‎.


ويردد المسؤولون الفرنسيون في عدة مناسبات ضرورة طي الجزائر صفحة الماضي الاستعماري، وفتح صفحة جديدة.