سياسة عربية

غضب عمالي بمصر بعد تصفية إحدى "قلاع" الصناعات الثقيلة

العمال في مسيرة احتجاجية على إغلاق المصنع- تويتر

استمرارا لمسلسل تصفية شركات القطاع العام العملاقة في مصر، اختفت شركة الحديد والصلب، إحدى أقدم وأكبر قلاع الصناعة في مجالها، بعد قرار الجمعية العمومية بتصفيتها، بزعم ارتفاع الخسائر، وعدم قدرتها على الإنتاج والعمل مجددا.

وأوقفت البورصة التعامل على سهم الشركة تمهيدا لشطبها، وسط احتجاجات وانتقادات عمالية وخبراء اقتصاد، أكدوا أن الحكومة المصرية بذلك خرجت من قطاع هام في السوق، ولن تتمكن من السيطرة عليه في المستقبل القريب.

ورفض الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، في بيان، قرار تصفية الشركة بعد 67 سنة من دورها الوطني، حيث تأسست الشركة عام 1954، معربا عن حزنه الشديد لتشريد عمالها البالغ عددهم 7500، والقضاء على شركة وطنية عملاقة.

وانتقد الاتحاد العام القرار قائلا: "إن هذا القرار يأتي في إطار مناخ عام تصنعه الحكومة الحالية لتصفية القطاع العام الذي كان درعا وسيفا للوطن في مجال الإنتاج".

وألقى باللوم على سوء الإدارة وعجز الحكومة عن إدارة الشركة موضحا: "وإذا كان (القطاع العام) قد تعرض لخسائر فبسبب سوء الإدارة وعجز الحكومة عن التطوير واستغلال الموارد والمقومات، والنهوض بالصناعة الوطنية".

وكان الرئيس الراحل محمد مرسي، قد زار المصنع واجتمع بآلاف العمال والمهندسين والمتخصصين، ووعد بالنهوض بالمصنع واعتبره رمزا للإنتاج والعمل.


وفي محاولة لوقف تصفية المصنع، أقام البعض دعوى مستعجلة أمام محكمة القضاء الإداري ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير قطاع الأعمال ورئيس مجلس إدارة شركة الحديد والصلب المصرية، والممثل القانوني للشركة القابضة للصناعات المعدنية، لوقف تنفيذ القرار الصادر بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية.

المستفيدون من التصفية

وصف الباحث العمالي بوحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كريم نوبي، ما يجري لشركات قطاع الأعمال بأنه "أسلوب قديم وخطة منظمة وممنهجة هدفها عسكرة الشركات من جهة، وجذب المستثمر الخليجي من جهة أخرى".

وفي حديثه لـ"عربي21" أكد أن مصير عمال الشركة سيكون نفس مصير القومية للأسمنت وغزل كفر الدوار وسماد طلخا، وهو التشريد، وسيتم صرف تعويضات هزيلة لهم، ثم يلحقون بطابور البطالة، معتبرا أن قرار التصفية هو "إعلان وفاة شركة الحديد والصلب عن عمر 67 سنة، في اجتماع لم يستغرق أكثر من 15 دقيقة".

وانتقد نوبي سياسة التخويف التي تنتهجها الحكومة قائلا: "الدولة مستمرة في سياسة القمع، فمنذ 6 أيام اختفى الصحفي العمالي أحمد خليفة قسريا، إضافة إلى القبض على تسعة من عمال طلخا للأسمدة بتهمة التحريض والانضمام لجماعة إرهابية".

في عام 2019، التحقت الشركة القومية للأسمنت بركب التصفية، وذلك بعد نحو 62 عاما من العمل، بموجب قرار الجمعية العامة غير العادية للشركة، لتصفية الشركة، بزعم عدم الجدوى الاقتصادية للمشروع الإصلاحي المقترح لإعادة تشغيل مصانع الشركة.

وفي دلتا مصر، قررت الحكومة المصرية، الشهر الماضي إيقاف مصنع شركة "الدلتا" للأسمدة المعروف باسم "سماد طلخا"، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، ويعمل في المصنع نحو 2,500 عامل وعاملة، وسط احتجاجات عمالية لم تنقطع منذ أكثر من أربعين يوما.


ووصف عضو لجنة القوى العاملة والصناعة بمجلس الشورى السابق طارق مرسي، ما يجري بأنه كارثة على المستوى الوطني، وحذر في تصريحات متلفزة من "نية الحكومة المصرية استكمال تصفية شركات قطاع الأعمال أسوة بالقومية للأسمنت وغيرها".

وأكد أن تصفية مثل هذه الشركة العملاقة يصب في صالح الجيش الذي يهيمن على مفاصل الاقتصاد المصري، ويسعى لعسكرة جميع القطاعات الاقتصادية، خاصة أن هذا القطاع الصناعي هو أحد أهم القطاعات الصناعية المربحة.

نوايا مبيتة

كشف عضو لجنة العمال بالمجلس الثوري المصري، سيد حماد، أن "هناك خطة حكومية لتصفية عدد كبير من شركات قطاع الأعمال العام حتى بعض الشركات الرابحة منها، مثل إنبي للبترول والشرقية للدخان، وتم دمج عدد من الشركات في بعضها، والهدف هنا هو الأصول الكبيرة لها لسد عجز موازنة الدولة، واحتكارها لصالح جهة ما".

وأكد في تصريح لـ"عربي21": "من شأن تلك التصفيات القضاء على الحركة العمالية، التي تعد صداعا في رأس النظام"، مشيرا إلى أن "تداعيات تصفية الشركات سيكون خطيرا على العمالة المهنية والحرفية وخسارة خبرات كبيرة، كما أنها تتعارض مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية".

واستنكر حماد تجاهل "الحكومة لدراسة جادة تهدف لتطوير الشركة، خاصة وأن لديها مقومات النجاح لمن أراد ولكن لا توجد إرادة للإصلاح، والمغامرة بتاريخ عريق لقلعة من قلاع الصناعة ينم عن عقلية غير إنتاجية غير عابئة بمصالح البلاد أو العباد".

وغير بعيد أضرب آلاف عمال شركة مصر للألمونيوم، في نجع حمادي بمحافظة قنا بعد يومين من الاعتصام احتجاجًا على عدم صرف مستحقاتهم من اﻷرباح السنوية، بزعم تحقيقها خسائر كبيرة على الرغم من أن الشركة تعد إحدى أكبر الشركات في محفظة الشركة القابضة للصناعات الكيماوية.