كتاب عربي 21

هل يمكن للاقتصاد المصري أن يشهر إفلاسه؟

مصطفى محمود شاهين
1300x600
1300x600
تتسارع الأحداث بصورة مذهلة للغاية سواء ارتبط ذلك بالأحداث الداخلية أو الخارجية، فكلما جاءت حادثة أنست أختها، فوقوع الطائرة الروسية وانفجارات بيروت ثم ما تلاها من انفجارات في باريس تجعلنا على أعتاب أحداث عظيمة تدبر بليل للدول العربية ولمنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ونظل نحن في قلب هذه الأحداث، نحن المفعول به دائما حتى وإن كنا نحن الفاعل فغالبا ما نكون نحن في موضع المتهم، ولا يكاد المرء يتنفس إلا مع أخبار جديدة، أدعى منها للاحباط أكثر منها للتفاؤل، وتلعب قوى دولية لإسقاط القوة الفاعلة في العالم العربي. 

وبطبيعة الحال فان مصر والشام يقعان فى القلب من الاحداث لما لهم من دور محورى فى ايقاظ الامة، فسوريا تخوض حربا بالوكالة عن الامة، ومصر كما يبدو انها دخلت منعطفا خطيرا بالانقلاب العسكرى الذى اعاد البلاد الى المربع صفر مرة اخرى،  هذا الرجوع تعود اليه مصر بسياسات قد تبدو جديدة تنطلى على الشعوب التى مااستطاعت ولو مرة واحدة ان ترى بديلا عن نظم حكم فاسدة ومسارات اقتصادية تؤدى فى النهاية الى انهيار اقتصادى كامل. 

فاطلالة سريعة على السياسات الاقتصادية التى طبقت فى مصر خاصة منذ عقد السبعينات الى الان دفعت الاقتصاد الى الاعتماد على الخارج فى تلبية الحاجات الاساسية، وليس الاعتماد على الذات، فقد تخلت الدولة عن استراتجية التنمية القائمة على اشباع الحاجات الاساسية لمواطنيها من انتاج الغذاء والكساء والمأوى وتوفير الرعاية الصحية والخدمات التعلمية والبنية  الاساسية، وكان هذا التخلى لصالح سياسة اقتصادية اقل ماتوصف انها كانت لتجريف الاقتصاد المصرى من قدراته الانتاجية فتم تصفية وبيع اغلب القطاع العام، وفتح شهية المواطنين على كافة الاذواق والسلع المستوردة التى بالطبع لن يستطيع السوق المحلى تلبيتها، وفتح باب الاستيراد على مصراعية، فكانت النتيجة ان تم اغلاق اغلب المصانع التى كانت قائمة على الانتاج المحلى كاغلاق صناعات الغزل والنسيج والسكر حتى المواد الخام كالحديد والاسمنت والالمونيوم تخلت عنها الحكومات الفاسدة من اجل اغراق السوق بالمنتجات والمواد الخام المستوردة. 

ورغم ان الفكر الاقتصادى لاى عملية تنمية ينحصر فى ثلاث نظريات اساسية اما ان يكون التوجة للتصدير ،او الانتاج محل الواردات، او اشباع الحاجات الاساسية للمواطنين، فنجد ان حصيلة عملية التنمية فى مصر هى عملية مشوشة ومشوهة وغير واضحة المعالم ولايعرف انها تتبع اى منهج من مناعج التنمية ، فهو اقتصاد قائم على التبعية للخارج فى كل صغيرة وكبيرة، والامثلة كثيرة للغاية ابتدا من استيراد علبة الكبريت و جلباب الصلاة وحتى طعامنا كالقمح والزبد والفواكهه، والتى لاتفى بحاجة المجتمع الاساسية، وفى ظل هذا الترقيع للسياسات الاقتصادية فى مصر يظل الناس فى حيرة من السياسات الاقتصادية المطبقة الان، فمما لا يدع مجالا للشك اننا فى الاقتصاد المصرى لايوجد عندنا خطة اقتصادية واضحة المعالم اوالخطوات، يتضح فيها الاجراءات الاقتصادية التى تؤدى فى النهاية الى تحقيق الاهداف الاقتصادية المعروفة من تحقيق معدل نمو اقتصادى وزيادة فرص العمل والتشغيل فضلا عن استقرار الاسعار. 

دعنى ادلل على ذلك بمثالين، المثال الاول ماقام به محافظ البنك المركزى من زيادة قيمة الجنية امام الدولار وجعل  الدولار يخسر 20 قرشا في يوم واحد، اذا خلال شهر لو تم توجية الضربات على هذا النحو ممكن ان نستيقظ على اخبار سارة للغاية تؤدى الى تدهور حاد فى قيمة الدولار ويالنا من محظوظين من هذه السياسات التى من الممكن ان تدفع الجنية الى اعلى عليين، وصانعو السياسة الاقتصادية فى مصر يدركون قبل غيرهم ان ازمة الدولار ماهى الا انعكاس للتدهور الانتاجى داخل الاقتصاد، بما يعنى ارتفاع فى الطلب على الواردات وانخفاض حاد فى نمو الصادرات، فسياسة البنك المركزى لاتعدو الا اطلاق قنابل دخان  كثيف فى الهواء لتخويف تجار العملة او السوق الموازية للصرف، فهل يعلم البنك المركزى ان مايفعله هو تسكين للالم فقط وليس علاجه، فحتما سعر الدولار سيعاود الارتفاع مرة اخرى طالما بقى انتاجنا في هذا التدهور. 

إن علاج نقص الانتاج معروف ولايخفى على احد ، وهناك العديد من تجارب التنمية الناجحة التى يمكن ان نحتذى بها كى نوفر فرص عمل للعاطلين او حتى نرفع من مستوى دخول الناس ونحد من انتشار الفقر، كل هذا يمكن فعله فى الاقتصاد، لكن كما اوضحت فان زيادة الانتاج واعادة عجلة الانتاج للدوران امر لن يفعله العسكر على الاطلاق فهم يحاربون الانتاج على طول الخط، لقد كان القبض على ستة عشر من رجال الأعمال، ماهى الا رسالة من  الانقلاب عبر عنها صراحة وائل الإبراشي، المذيع المصرى نقلا عن "مصدر سيادي"، أنه أخبره بان العديد من رجال الاعمال يقومون بتحويل اموالهم للخارج واغلاق مصانعهم  ووفقا لكلام الابراشى بان هناك من يقنع هؤلاء رجال الاعمال بان حدثا  سيقلب الامور على راس السيسى. انظر الى المليون فدان التى زرعها السيسى وزاد بها الانتاج ، ام  المليون وحدة سكنية ام شبكة الطرق التى ستربط مصر كلها خلال عام، ام المليار سائح.  الذى لايعرفه الا السيسى و خبراؤه الاستراتجين اللذين يملاون مصر بطولها وعرضها. 

أما المثل الثاني والذي يدل على التخبط في السياسات الاقتصادية، حينما يرفع البنك المركزى سعر الفائدة على شهادات البنك الاهلى وبنك مصر الى 12.5%، انما تعنى ارتفاع فى تكاليف الاقراض ومن ثم تكاليف الانتاج والتى ستشعل الاسعار ارتفاعا، والغرض الرئيسى لهذا الارتفاع هو الخوف من عودة الدولرة، والدولرة هى تحويل فلوس المصريين التى يحتفظ بها المصريون من جنيهات مصرية الى دولارات امريكية، وينبغى ان يكون معلوما ان سعر الفاذدة فى امريكا لم يتجاوز 3%  على الاطلاق، فرفع اسعار الفائدة سيدفع الى موجات من ارتفاع الاسعار وزيادة حدة الانكماش الاقتصادى وضعف فرص العمل وزيادة اعداد العاطلين عن العمل. 

وكثير من الناس تتسأل عن امكانية  افلاس مصر او افلاس البنك المركزى، والحقيقة انها حالة غير مرغوبة ولا مطلوبة للقوى الخارجية حتى لاتندلع ثورات اخرى على النظام المنقلب ، فمهم ان يتنفس المصريون ، وان يبقوا على قيد الحياة، فهى حياة اقتصادية يملاها البؤس ويعشش فيها اليأس والاحباط وينتشر فى ربوعها الفقر ،هذه هى الحقيقة المؤلمة التى ينبغى ان يدركها المصريون ان اقتصادهم لايسير في طريقه الصحيح، والحكومة تجره فى طريق للخلف در حتى تظل الحكومة  جاثمة فوق صدور الناس. 

إن المستهدف للاقتصاد المصري أن يظل فى غرفة الانعاش فلا ينتعش ويعود قويا معتمدا على ذاته وقدراته، ولن يموت فيهرب المصريين افواجا الى اوروبا فى قوارب الموت فيصدرون مصائب الاقتصاد المصرى الى أوروبا. 
التعليقات (1)
اقتصادى متواضع
الثلاثاء، 17-11-2015 10:59 ص
نعم يعتبر الافلاس سبة فى جبين اى دولة تتوقف عن سداد ديونها الخارجية و يمنع عنها اى فرص استثمار اجنبى و استثمار تبادلى مع الغير و لكنه و مع الاسف يؤدى إلى كارثة محلية إذا ما توقفت عن سداد الدين الداخلى الذى ظلت كافة الحكومات الفاشلة تغرق الميزانية العامة فيه لكى تورط الشعب معها إذا ما نقلب عليها او طالب بأى اصلاح و إزالة للطغاة ، إلا ان الأمر فى النهاية ل اقترن بثورة و إزاحة للطاغية و انكفاء على النفس بخطط سوية قوية مدروسة فإنه عقاب للخارج الذى عبث بنا و ببلادنا و أيد المنقلبين و عضدهم ودعم ظلمهم و هو أيضا إجبار للشعب و قادته المخلصين على ان يعملوا ما فى وسعهم لكى ينهضوا بنظافة و ينفذوا خططا لو لأنها مدروسة و ممنهجة لوصول الغاية الاولى و هى الاكتفاء الذاتى المنتج لسلعة و خدمة داخلية و تجويد فى التقدم الاقتصادى ، و الله ليستغنين البلد عن كل طامع و كل فاسد و كل حقير ، و بالمناسبة فالروس مروا بهذا الظرف عقب جورباتشيف و الاتراك مروا بذلك فى ما قبل اردوغان و الارجنتين مرت بهذا و البرازيل مرت بهذا و تشيل مرت بذلك ، فلا تفزعوا و استعينوا بالله الذى بيده خلاص الناس من من افسدوا ايامهم و اذلوهم بالتبعية ، ثقوا بالله و عليه فليتوكل المؤمنون