قضايا وآراء

ليلة باريس الدامية والمستفيد الوحيد

محمد يوسف الحمادي
1300x600
1300x600
ألقت أحداث باريس، ليلة الجمعة 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، ظلالها المؤلمة على المشهد الدولي، خاطفة الأنظار عن أهم المؤتمرات الهادفة إلى إيجاد حل للقضية السورية التي دخلت عامها الخامس. وربما إن صح التعبير لتغير دفة القرارات الصادرة عنه بما يخدم مؤسس الإرهاب في الشرق الأوسط بالدرجة الأولى.

عند سماع أخبار تنظيم داعش المتوالية، ومنها امتلاكه تقنية إسقاط طائرة روسية في سماء صحراء سيناء، واختراق منظومة حزب الله الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت بتفجيرات ضربت حي "برج البراجنة"، بالإضافة إلى الوصول إلى العاصمة الفرنسية باريس وشن هجمات إرهابية فيها طالت عدة أحياء، يتبادر إلى الذهن سؤال وحيد؛ هو كيف لهذا التنظيم أن يضرب في أصقاع الأرض ويكتسح أفريقيا ولا يمكنه في الوقت نفسه أن يصل إلى دمشق ويطال نظام الأسد عدوه الأول كما يدعي؟

لا أريد الخوض في بنية التنظيم العقائدية وأسباب وجوده وعلاقاته مع نظام الأسد، ولكن أريد أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن الهجمات الإرهابية على باريس تهدف بالدرجة الأولى إلى تغيير السياسة الخارجية الفرنسية فيما يخص الملف السوري، وكما هو معروف فإن باريس هي القوة الكبرى عالميا ثابتة على موقفها تجاه رحيل الأسد وتنادي بضرورة محاسبته مع أركان نظامه.

ولا يوجد اثنان قد يختلفا على أن المستفيد الوحيد من هذه الهجمات هو نظام الأسد الذي أراد الانتقام من فرنسا لأنها القوة الأكبر أوروبيا وغربيا في تأييد الثورة والشعب السوري، فضلا عن مطالبتها المستمرة بتنحية نظام الأسد، سياسيا وحتى عسكريا إبان الهجمات الكيميائية على غوطة دمشق، وجميعا يذكر عندما بقيت البوارج الفرنسية وحيدة في مياه المتوسط عام 2013 .

ولو فرضنا بأن تنظيم داعش يريد مصلحة السوريين والعراقيين، كما يقول، لما هاجم العدو الأهم عالميا للأسد، والداعم الكبير لملف اللاجئين، ففرنسا فتحت أبوابها في مقدمة دول العالم للاجئين السوريين الهاربين من بطش نظام الأسد، وتحتضن اليوم عشرات آلاف منهم. وهو ما قد يرتد سلبا على وجودهم على أراضيها.

توقيت الهجمات السابق لمؤتمر فيينا لا يدل إلا على غاية واحدة وهي تحويل قرارات الدول الكبرى دوليا وإقليما والتي تتمحور حول مصير الأسد، إلى قرارات تتعلق بالقضاء على الإرهاب المتمثل بداعش.

هذا ما ترجمه بشار الأسد الذي أطل مسرعا بتصريحات تنتقد سياسات فرنسا، والتي قال عنها "إن السياسات الخاطئة التي انتهجتها الدول الغربية ولا سيما فرنسا إزاء ما يحصل في المنطقة ساهمت في تمدد الإرهاب".

بشار الأسد أراد أن يستثمر هجمات باريس في التجييش ضد الإرهاب وليبعد عنه شبح الزوال، فكما هو معروف فإن مصيره أصبح رهن إشارة الروس الذين قد يفاوضوا على تنحيته مقابل أي صفقة تعرض عليهم من قبل الغرب.

ولعل تصريحات مندوب نظام الأسد في الأمم المتحدة بشار الجعفري، كانت أكثر جرأة من رئيسه، حيث حمل فرنسا مسؤولية دعم الإرهاب والإرهابيين، وقال إن الإرهاب يرتد على داعميه، معتبرا أيضا أن أي حلف في المنطقة خارج الحلف الروسي السوري هو إرهابي وغير صحيح.

ولم يكتفِ الجعفري بذلك بل هاجم جهازي الجيش والشرطة الفرنسيان قائلا: "الجيش الفرنسي هو أول من اخترع موضة قطع الرؤوس في الجزائر، والبوليس الفرنسي أثبت أنه أخرق في عدة مرات، 300 رصاصة أفرغها الجيش الفرنسي والشرطة الفرنسية في جسد إرهابي من أصل مغربي ذات مرة".

قالها الجعفري ونسي أن جيش نظامه قتل 350 ألف مدني، وجعل من قصص اللجوء لملايين السوريين مادة لا تفارق وسائل الإعلام على مدار الساعة من الموت بردا في المخيمات إلى الغرق في عرض البحار، وذلك بعد أن هدم 80 بالمئة من المدن والبلدات السورية بالبراميل وصواريخ السكود.

المؤكد بأن أحداث الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر ستكون فارقة دوليا ليس كما قبلها، وسيبدأ العالم بتأريخ الأحداث وفقا لهذا اليوم، كما حدث في أحداث الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة الأمريكية، وربما ستكون تبعاته كبيرة على الشرق الأوسط، وهو ما ستوضحه الأيام المقبلة.
التعليقات (0)