قضايا وآراء

لماذا اختيرت حلب لتمرير المؤامرة الدولية والكونية؟

محمد يوسف الحمادي
الطيران الروسي يقصف حي القاطري في حلب - الأناضول
الطيران الروسي يقصف حي القاطري في حلب - الأناضول
استوقفني تعليق أحد الأصدقاء على مجموعة صور نشرها على صفحته الشخصية على "فيسبوك" عن ضحايا حلب، قائلاً إن "هذه الصور ليست فيلماً سينمائيا أو تماثيل، أو رسوما مشهورة في معرض عالمي تتصدر الأخبار الأولى في ترتيب الأهمية لوسائل الإعلام، هي صور حقيقية لأهالي مدينة سورية تذبح بصمت دولي وأممي".

ما قاله الصديق عن صدق الصور هو حقيقي وأقل مما يحدث بكثير؛ لأن وسائل الإعلام وبحسب قوانين النشر وتشريعات المهنة المتعارف عليها لا تنشر ما "يخدش الشعور البشري والإنساني"، أما ما قاله إن الصور ليست من فيلم سينمائي، فهنا يكمن الخطأ الكبير الذي وقع به الصديق، فما يجري في حلب هذه الأيام من مجازر بحق المدنيين العزل من نساء وأطفال وفرق طبية ودفاع مدني هو تطبيق عملي لدراما كتبت في كواليس السياسة الدولية لتمرير غايات ومصالح غائبة عن السوريين، لعل أبرز أهدافها القضاء على الجزء المتبقي من ثورة السوريين، وترك السلطة لنظام الأسد.

يسمع العالم اليوم عن عشرات المجازر في حلب ولا يُسمع عن تحرك دولي لوقف نزيف الدم فيها، والمفارقة أن هذه المجازر تتم في وقت تكثر فيه الاجتماعات الدولية المتعلقة بالوضع السوري، بدءاً من جلسات مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ الكثير من القرارات بقيت حبراً على ورق، ومروراً باجتماعات جنيف المتكررة والتي كان فيها وفد نظام الأسد يمارس دور الطفل المدلل، وليس انتهاء بالزيارات المكوكية لوزراء خارجيات الكبار، فطائرة وزير الخارجية الأمريكي لم تهدأ متنقلة بين موسكو وطهران ودول الشرق الوسط، وكأنه تستجدي حلاً يحفظ ماء وجه القوة العظمى في العالم.

تذبح حلب اليوم على يد المليشيات الشيعية القادمة من طهران وجنوب لبنان، والتي "باركها" المسؤولون وأئمة الطائفة، على أنها حرب دينية مقدسة، تحارب "قتلة علي" و "أنصار معاوية" وبأن قتل السوريين يعجل في ظهور المهدي المنتظر. وتشير إحصائيات المعارضة الإيرانية بأن عدد الجنود الذين أرسلهم نظام ولاية الفقيه إلى سوريا للدفاع عن نظام الأسد، وصل إلى 65 ألفاً، عدا عن المليشيات السابقة، مثل فيلق القدس ولواء فاطميون وأبو الفضل العباس وحزب الله، وما تم استقدامه من أفغانستان.

تركت حلب اليوم وحيدة تواجه الحكم بالإبادة الجماعية من قبل طيران الأسد وحليفه الروسي، مع اختفاء تام لمجموعة أصدقاء الشعب السوري، فلا تسليح للثوار، ولا حدود مفتوحة يفر إليها العزل مع ذويهم، ولا ضغوط تمارس على النظام وروسيا لإيقاف المجزرة. فما يحدث من عشرة أيام يحمل في طياته رضا مطلق من قبل المجموعة الدولية التي طبقت قرار الهدنة عندما شاءت، وعادت اليوم لتمارس دور المتفرج على نهر الدم المسفوك بحلب رداً على قرار المعارضة السورية، التي علقت مشاركتها في مفاوضات جنيف بعدما أيقنت بأن ما يدور وراء الأكمة يخالف مصالح السوريين، وظهرت بوادره في المشروع الذي تقدم به المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا في جنيف 3، والذي ينص على البقاء على الأسد في السلطة.

السياسة الدولية تجاه الثورة السورية كانت ثابتة على مدار ست سنين، فهي لم تعمل شيئا يذكر تجاه رحيل الأسد، رغم مناشدات الكثيرة بالتدخل، حتى أن التصريحات المعتادة تغيرت مع بداية العام الحالي، وتحولت إطلالات المسؤولين في عواصم القرار العالمي، من المطالبة برحيل الأسد ونقل السلطة لحكومة انتقالية تهيئ البلاد لحكم ديمقراطي وشعبي، إلى المطالبة بمحاربة الإرهاب الذي قالوا عنه كثيراً بأنه من صناعة نظام الأسد وحلفائه في طهران، فأجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية شاهدت كيف نقل نظام الأسد المئات من عناصر تنظيم داعش من جنوب دمشق بواسطة "الباصات الخضر" إلى الرقة ومنطقة القلمون، بعد انتهاء مهمتهم هناك، وليبدأ بتنفيذ مخطط جديد هو التخلي عن القلمون ويحيط بها لمليشيا حزب الله اللبناني.

لم تكن حلب وحيدة المدن السورية ممن حكم على أهلها بالموت والتشريد، وعلى منازلها وتراثها العالمي بالدمار، فمن قبلها ذبحت حماة وحيدة قبل ثلاثة عقود في واحدة من أكبر مجازر العصر، تحت مرأى ومسمع العالم أجمع، ومن بعدها درعا وحمص ودير الزور والرقة وإدلب وريف دمشق بأكمله، ولم تسلم دول المنطقة القريبة من سورية من حقد آل الأسد، فكل ذلك مر دون حساب أو تلويح بعقاب.

المنظومة الأممية على وشك الانهيار على أبواب حلب القديمة، وثقة السوريين بالدول المناصرة للحرية على وشك الزوال، فخسارة حلب ليست بالأمر السهل على الشعب الثائر، فما يريده الصامتون والمتفرجون من كسر إرادة الثورة للرضوخ لسياسة الأمر الواقع لا يتوازى مع حسابات من قدم نصف مليون شهيد وشرد بالملايين في أصقاع الأرض ليصل في نهاية المطاف إلى بر الحرية.
التعليقات (1)
hassan
الإثنين، 02-05-2016 02:51 م
واين العرب حکام وشعوب.مات ضمير الانسانيه فضلا عن السلام