قضايا وآراء

الدُّب الذي فقأ عين صاحبه

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600
"إن جارتنا الشمالية (روسيا) تساعد أيضا في سوريا، ولكنها غير سعيدة بالمقاومة الإسلامية (حزب الله..)، ولكن على أي حال إنها تقدم المساعدات على أساس المصالح المشتركة، ولكن من الواضح أن مواقف روسيا لا تتطابق مع إيران بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد" . جاءت تلك الكلمات الهامة في مضمونها السياسي على لسان القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد على جعفري (3 نوفمبر)، في الوقت الذي أعلنت فيه الخارجية الروسية بأن "بقاء الأسد في السلطة ليس أمرا مبدئيا بالنسبة لموسكو".

تلك المواقف سالفة الذكر عبّرت عن وجود تباينات بين الطرفين، رغم حرصهما على التنسيق والتعاون، والظهور بمظهر الحلفاء لا سيما في الملف السوري. ولكن من الواضح أن حجم التباين بدأ يتعاظم إلى حد الخلاف والأزمة بين رأسين أو مشروعين على الساحة السورية، منذرا بوجود خلافات حادة بين طهران وموسكو.

مما لا شك فيه أن طهران سعت خلال الأعوام الخمسة الماضية من عُمر الأزمة السورية إلى التوسع للهيمنة على المنطقة الممتدة من طهران إلى شواطئ البحر المتوسط الشرقية، من خلال التواجد المباشر في سوريا، ولبنان، مرورا بالعراق، وذلك لتأمين مجالها الحيوي كدولة إقليمية من العيار الثقيل، مستخدمة في ذلك البعد الطائفي والمذهبي كما جاء على لسان قائد الحرس الثوري اللواء جعفري عندما قال: "إن توحيد قلوب شعوب العراق وسوريا وإيران يعني تشكيل الأمة الواحدة، الأمر الذي يمهد الأرضية لظهور الإمام المهدي" (وكالة مهر للأنباء 3 نوفمبر). 

لكن السياسة الإيرانية تلك، ووجهت بحائط صد قوي من الدول المنافسة لطهران عبر السعودية، وقطر، وتركيا التي احتضنت المعارضة السياسية السورية وملايين اللاجئين الفارين من جحيم المعارك العسكرية، ما حال دون نجاح المشروع الإيراني لحد الآن، بل واستنزافه اقتصاديا، الأمر الذي دفع طهران مؤخرا إلى تجميد مشروعها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والعسكرية عنها، ومن ثم اللجوء إلى الصديقة روسيا لنجدتها في حماية النظام السوري من السقوط، بعد أن بدأ يترنح أمام ضربات المعارضة السورية المسلحة، وخاصة جيش"الفتح" الذي شُكّل بدعم سعودي تركي. 

ظهور التباينات على السطح في المواقف السياسية بين طهران وموسكو، خلال شهر فقط من تدخل الأخيرة عسكريا في الأزمة السورية، والذي يفترض أن يكون داعما للسياسة الإيرانية هناك، يشير إلى أن إيران - بارتفاع مستوى التحديات - أصبحت مثل المستجير من الرمضاء بالنار، ليس فقط في مواجهة الخصوم السياسيين التقليديين، بل من قبل موسكو الحليف الإستراتيجي "المفترض". الأمر الذي قد يحوّل تلك التحديات، إلى أزمات برؤوس مدببة حادة في خاصرة المشروع الإيراني الشرق أوسطي. 

إن السياسة الروسية بدأت تفترق نسبيا عن الأجندة الإيرانية، كما ورد على لسان قائد الحرس الثوري اللواء جعفري، ومنها:

أولا: إمكانية تخلّي موسكو عن الرئيس بشار الأسد، مقابل حماية مصالحها المتمثلة في إعادة إنتاج النظام السوري بما يراعي المصالح الروسية بالحفاظ على نفوذها وقاعدتها العسكرية في طرطوس، وعلاقاتها الاقتصادية مع تركيا، والسعودية وقطر وعموم دول الخليج، ناهيك عن توظيف التدخل الروسي في سورية للضغط على الحلف الأطلسي في الأزمة الأوكرانية. 

فكيف ستواجه إيران هذا الخلاف على مصير الرئيس بشار، الذي يمثل الخط الأحمر بالنسبة لها، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن الكلمة الفصل ستكون لروسيا القائد الأعلى للعمليات العسرية في سوريا الآن، وبصفتها العضو الدائم في مجلس الأمن، والمصدر الأساس للسلاح ومتطلبات المشروع النووي الإيراني؟
ثانيا: روسيا حذرة من الغرق في الأزمة السورية، ولذلك اقتصر تدخلها عبر سلاح الجو، معتمدة بريا على جيش النظام السوري، وآلاف المقاتلين الإيرانيين، والعراقيين والأفغان، ومقاتلي حزب الله اللبناني. أي أن الفاتورة الأعلى ستبقى من نصيب إيران المنغمسة في الأزمة السورية منذ خمس سنوات، فهل ستقبل إيران بالتبعية مع استمرار الكلفة الباهظة التي تدفعها، خاصة أن مؤشرات التدخل الروسي لا تشي بالقدرة على حسم المعركة عسكريا في المدى المنظور.

ثالثا: تطويق روسيا لوجود حزب الله في سوريا، خاصة على الجبهة الجنوبية (الجولان)، وذلك تماشيا مع متطلبات أمن الكيان الإسرائيلي، ما يعني نزع الورقة الرابحة من يد إيران؛ حيث لحزب الله دور أساسي في تنفيذ الأجندة الإيرانية على الساحة السورية. 

رابعا: عمليات التنسيق الأمني والعسكري الجارية بين روسيا والكيان الإسرائيلي في سوريا، وهو الشق المعلن في العلاقة بين الطرفين، يسبب المزيد من الحرج لإيران الرافعة للواء العداء مع "إسرائيل"، الغدة السرطانية ـ حسب توصيف الإمام الخميني ـ ، ويهدم مصداقية خطابها تجاه القضية الفلسطينية. كما أن السلوك الروسي يولّد قلقا سياسيا وأمنيا متزايدا لدى حزب الله اللبناني الذي اعتبر أمينه العام في خطابه الشهير أن تحرير القدس يمر عبر الزبداني..، فكيف إذا كانت روسيا راعية التحالف مع النظام السوري تقود بنفسها التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي علنا؟! 

من الواضح أن إيران تعيش مأزقا مركبا في سوريا؛ فمن فشلها في حماية النظام السوري منفردة طوال عمر الأزمة السورية، إلى استدعائها الدب الروسي، صاحب الأجندة الخاصة التي ليس بالضرورة أن تتطابق مع الأجندة الإيرانية؛ إلى تراجع حلفائها الحوثيين أمام الضغط السعودي في اليمن، إلى عودة حزب العدالة والتنمية التركي لحكم تركيا منفردا .. وهو الطرف المنافس لإيران والحامل لتصور مخالف للأجندة الإيرانية في الأزمة السورية. 

المشهد الراهن يؤكد أن العمل العسكري أصبح عاجزا عن حسم المعركة، وأن المزيد من استخدام القوة من قبل النظام السوري وحلفائه لن يولد إلا مزيدا من سفك الدماء في ظل موازين القوى المنظورة، ما يفتح الباب مجددا أمام الخيار السياسي، الذي لن ينجح إلا إذا أخذ بعين الاعتبار مصالح وتطلعات الشعب السوري أولا.

*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
التعليقات (0)