كتاب عربي 21

البورصة الصينية

مصطفى محمود شاهين
1300x600
1300x600
من الاخبار المعتادة صباح مساء ان هناك ارتفاع فى مؤشر البورصة اوتدهور فى مؤشرها، خسارة البورصة لا تعتبر كارثة كبيرة، فبطبيعة الحال ستؤثر حتما على الاستثمارات لكن السوق سيظل في طريقه حتى يتعافى ويعود لمستواه قبل عام.لكن اذا حلت فاجعة فى اكبر ثانى اقتصاد فى العالم فطبيعة الحال سيكون له اثار ارتدادية على الاقتصاديات المرتبطة به سواء كبر ام صغر حجم الاقتصاد، ولك ان تتخيل ان خسائر البورصة الصينية فى يومين بلغ 3.2 تريليون دولار وهو 10 اضعاف حجم ديون دولة اليونان التى بلغت 325 مليار دولار وخسارة البورصة الصينية فى 27 يوم الاخيرة تمثل حجم الناتج القومى الاجمالى لبريطانيا عام 2014. 

فما أشبه الليلة بالبارجة او لايلدغ مؤمن من جحر مرتين،مثال يعبر عن الانهيار فى البورصة الصينية يذكرنا بما حدث فى البارحة من الانهيار المالى داخل الولايات المتحدة الامريكية فى عام 2008 فقد كان الاستثمار فى البورصة بالرهونات العقارية Mortgage backed securities   التى ادت الى خسائر ضخمة للبنوك وللاقتصاد الامريكى ككل، فقد تكرر نفس الامر فى البورصة الصينية حيث اصبح بمقدور الناس الشراء بالقروض دون ان تكون معهم الاصول او المدخرات الكافية للشراء الاسهم والسندات، حيث بدات الصين فى الانفتاح على العالم وتطبيق النهج الراسمالى منذ قرابة 25 سنة وطيلة هذه الفترة كانت الصين تتبع اجراءات اشتراكية للحفاظ على العملات الاجنبية التى تاتيها من قبل الصادرات وتمنع عملتها من الارتفاع، ومع بدايات الصعود الصينى لم يتخلف النمو الاقتصادى الصينى عن 11% فى اغلب الاحوال وهو رقم كبير اذا قورن بالنمو فى الدول المتقدمة التى لم يتجاوز فيها 3% كحد اقصى فى نفس الفترة الزمنية.فقد بلغ معدل النمو 13% فى عام 2007 قبل ازمة الكساد العظيم التى هبت على العالم فى 2008 والذى هبط فيه معدل النمو الى 6.4 % ثم عاد للارتفاع  ليصل الى 11% عام 2010. 

اسباب الازمة الصينية:

1 تحقق معدلات ادخار عالية 
فى ظل الارتفاع فى معدلات التنمية وارتفاع حجم الصادرات الصينية حتى تربعت على عرش الاقتصاد العالمى، فقد تحقق للصينين فوائض مالية ضخمة مما رفعت نسبة المدخرات الصينية فى البنوك لتبلغ نسبة المدخرات فى الصين 50% من الناتج القومى الاجمالى على حين كانت 16 % فى الولايات المتحدة الامريكية وفق تقرير البنك الدولى. وهذا اعلى معدل ادخارى فى العالم كله. 

2 رفع القيود عن الاستثمار فى البورصة 
 ونتيجة لهذه الفوائض المالية حاول الرئيس الصينى ان ينبة الى ان مشروعه هو تحقيق الحلم وهو تحقيق الثروة وزيادة الدخول لكافة الصينين من اجل ذلك قامت الحكومة الصينية برفع القيود عن الاستثمار فى البورصة فى العامين الاخيرين ، فقد دخل البورصة 90 مليون مستثمر اومدخر فى البورصة اى تقريبا نفس حجم سكان اكبر دولة عربية مثل مصر. ونتيجة لرفع هذه القيود كثير من هؤلاء المضاربين الجدد ليس عندهم دراية بكيفية الانتقاء او شراء الاسهم القوية او معرفة الفروق بين الشركات، فوفق تقرير هيئة سوق المال الصينية فان 67 % من المستثمرين الجدد اعلى شهادة حصلوا عليها هى الاعدادية. 

3 اغراء البنوك والشركات للصينين فى الاستثمار فى البورصة 
فما حدث فى سوق البورصة فى الصين ادى الى ظهور فقاعة مالية كبيرة جدا ،فقد قامت البنوك وصناديق الاستثمار الصينية بوعد الناس بتحقيق ارباح مرتفعة للغاية فى حالة شراء الاسهم والتى اغرت الناس للدخول فى البورصة، فقد اصبحت البورصة الصينية كصالة قمار وليس اكثر، فيندفع الناس لاجل تحقيق مكسب سريع بغض النظر عما اذاكان هذا الاصل الاستثمارى مربح لفترة طويلة ام لا.ام الاستثمار فيه امن ام لا كما حدث مع الرهون العقارية فى امريكا. 

4 تسويق الاعلام الحكومى للبورصة
لعب الاعلام الحكومى والرسمى دورا فى تسويق الاصول المالية خاصة الحكومية والتى كانت مقدرة باعلى من قيمتها للغاية over estimated  ولم تكن بالجودة المالية مما اوقع الصينيون فى شراء هذه الاصول رغم عدم جدواها ماليا. 

5 السياسة النقدية التوسعية 
قام البنك المركزى الصينى بخفض اسعار الفائدة اربع مرات متتالية فى نوفمبر عام 2014 حتى بلغت 4.75 % مقارنة ب 11% فى عام 2000 مما سهل للصينين الاقتراض والشراء من البورصة بالديون حتى يحققوا ارباحا سريعة فقد انتشر نظام الشراء بالهامش في الصين. فقد قصرت الحكومة التعامل به قبل سنوات على الأثرياء، فسهولة الاقتراض بالدين ترفع المكاسب حين يرتفع السوق. لكن بمجرد أن يبدأ سوق الأسهم في الانخفاض تتضاعف الخسائر فى نفس الوقت . وفي كثير من الحالات يدخل الصينيون في استثمارات محفوفة بالمخاطر باستخدام مدخراتهم لكونهم جدد فى السوق وليسوا على دراية كافية باحوال الشركات المستثمر فيها، ويلجؤون في بعض الأحيان لرهن منازلهم. هؤلاء المخرون الجدد قد يصابون بالذعر فى حالة انهيار الاسهم وضياع كافة مدخراتهم  بل من الممكن  ان يثور الناس لضياع مدخراتهم وهذا مايخشاه الحزب الشيوعى الحاكم. 

6 التوسع فى الانفاق الاستثمارى 
قامت الحكومة الصينية بزيادة الانفاق الاستثمارى لتعبيد الطرق فما تم انفاقة على الطرق فى العشر سنوات الماضية يضاهى ماقامت امريكا من انفاقة فى 100 عام، لم يتوقف الامر على الاستثمار الحكومي فقط بل ما انفقة الصينين من شراء منازل، على سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة قرابة 30 مليار دولار فى العام الماضى وهو مايقابل ربع انفاق كل الامريكين على شراء البيوت. والاعجب من ذلك ان 70% من هذا الانفاق تم نقدا cash وهذا امر عجيب  ونادر داخل الاقتصاد الامريكى .وقد تم ذلك رغم ان الحكومة الصينية تضع سقفا على التحويلات المالية الا تتجاوز 50 الف دولار سنويا الى خارج الصين.

فانهيار السوق قد يخلق رد فعل شعبي واسع ضد الحزب الحاكم في البلاد، كما أن الحكومة ما زالت تخشى الرأي العام؛ فتلك الاضطرابات الاجتماعية قد تؤدي الى اثار اقتصادية مدمرة.

تدخل الدولة لحل الازمة. 
من هنا كان كان لابد من حتمية تدخل الدولة ، فقد اصدرت هيئة سوق المال الصينية قراراً يمنع كل من يملك أكثر من 5% من أسهم أي شركة سواء اكانوا من اعضاء مجلس ادارة الشركات او كبار المساهمين من بيع حصصهم من الأسهم في الشركات المدرجة في البورصة لمدة 6 أشهر. هذه الاسهم تقدر ب3.2 تريلون دولار بما يمثل 45% من قيمة سوق التداول فى البورصة الصينية، 
كما أصدرت الهيئة قراراً بإيقاف جميع عمليات الطرح الأول والاكتتاب مؤقتاً إلى أن تهدأ الأوضاع. كما قامت الهيئة بتعليق التداول على اسهم  1300 شركة مدرجة في البورصات الصينية وقامت هيئة سوق المال بتقديم 41.8 مليار دولار إلى 21 شركة سمسرة لمساعدتها على تجاوز الأزمة الراهنة.
ويبدو ان هذا التدخل كان له اثارا ايجابية وسلبية فمن ناحية منع السوق من الانهيار الكامل ، ومن ناحية اخرى فقد فاقم الازمة فاعطى مؤشرا لصغار المدخرين بالبورصة ان الاوضاع غير امنة مما اصاب المستثمرين فى البورصة بالذعر والذى انتقل بالتبعية الى بورصات العالم. 

أيا ماكان الامر فيبدو اننا أمام مرحلة جديدة فقد انتقلت الازمات من مصدرها بالغرب الى الشرق ويبدو ان الشرق سيجر من ورائه الغرب حتما مع تداعى هذه الانهيارات، فمن كان بدرى ان التدهور فى الصين سيكون له اثار على بورصات العالم مرورا ببورصات الشرق الاوسط كبورصة الامارات او السعودية ومصر مرورا باوربا ونهاية عند اقصى المحيط الاطلنطى فى امريكا فلننظر من قريب. 

* الكاتب مدرس الإقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية. 

التعليقات (1)
أبو خالد
الجمعة، 28-08-2015 10:44 م
هل نتوقع معاودة الانهيار أم ستكون مرحلة إستقرار أو معاودة الارتفاع