أفكَار

إسلام متجدد في عالم متعدد.. عن شروط نهضة ووحدة المسلمين

في عام 2023 نمر بذكرى آخر المصلحين أمثال عبد الرحمن الكواكبي والطاهر الحداد وقاسم أمين وعبد العزيز الثعالبي وعبد الحميد بن باديس وسعد زغلول ومصطفى النحاس وأمين الحسيني ومصالي الحاج.. (عربي21)
في عام 2023 نمر بذكرى آخر المصلحين أمثال عبد الرحمن الكواكبي والطاهر الحداد وقاسم أمين وعبد العزيز الثعالبي وعبد الحميد بن باديس وسعد زغلول ومصطفى النحاس وأمين الحسيني ومصالي الحاج.. (عربي21)
يواجه المسلمون اليوم عام 2023 تحديات جسيمة اختلفت عن تحديات الأمس لأنها تستهدف وجودهم كأمة بين الأمم فهي إذن تحديات وجودية ترمي إلى طردهم كحضارة من خارطة العالم وذلك بملاحقتهم بتهم الإرهاب والعنف دون وجه حق لأن الإرهاب لا دين له وهو غرس شيطاني تنامى في كل أمة من الأمم.. ثم انظر حولك أيها القارئ الكريم تدرك أن جرائم حرق المصحف الشريف تكاد تصبح عادية لما طرأ على بعض المهووسين في الغرب من عمليات غسيل عقولهم بتكالب إعلام عنصري خسيس على تشويه حضارتنا والطعن في قاماتنا، وهذا وقع بمباركة رسمية من دولة السويد على سبيل المثال وجاءت ردود الأفعال في العالم الإسلامي متفاوتة الشدة والنجاعة!

بل وكان فضل الإسلام دائما في مقاومة التطرف والعنف بالوسطية والاعتدال والاعتراف بالاختلاف وحرية الشعائر فكيف يتحول المسلمون اليوم إلى شعوب تحاصر جالياتها وأقلياتها في دول الغرب والشرق وتمارس حكومات كاثوليكية وبوذية وأرثوذكسية وهندوسية ضدها ما يرقى أحيانا إلى حملات إبادة؟

وحذار أن تتحججوا بأن الأمة لا تفنى فعديد الأمم والحضارات محيت من الوجود ولم يعد لها ذكر مثل الإنكا والمايا، ولعل الله يبدلنا بأمم غيرنا فعديد الدول التي كانت قائمة وقوية مسحت من خارطة العالم مثل كردستان وطاسمانيا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا فتحللت وانقسمت ثم أدمجت في مجموعات أخرى! ومنذ مدة لفت نظري برنامج تلفزيوني حواري على إحدى القنوات العربية خصصه الإعلامي منشطه لما سماه: "رأب الصدع ما بين السنة والشيعة" ومنذ اللحظات الأولى تحولت الكلمات الى لكمات وانهالت عبارات الشتيمة والتخوين على الجمهور المسكين كأنما المسلمون يحتاجون اليوم الى ما يفرقهم أكثر ما هم مفرقون وكأنما أعاد هذا البرنامج المتحاورين الى عصر الفتنة الكبرى وكأن غايتهم هي المزيد من شماتة أعداء الأمة فينا عوض أن نجعل غايتنا توحيد الأمة كما أمرنا الله حين قال عز من قائل بأننا أمة واحدة!

أستخلص شخصيا أن القناة ربما عن حسن نية دعت للحوار أشخاصا غير مؤهلين وغير أكفاء بل من ذلك الصنف من "الديوك" المستعدة للنزال لا للحوار حيث انتهى "النزال" ولم يترك لدى الجمهور سوى طعم المرارة واليأس والإحباط وفي فضائيات أخرى تشعبت حوارات وجدالات و انحرفت عن رسالتها و سمعت فيها بعض أكاديميين استعملوا عقولهم ومعرفتهم بالتاريخ وخفاياه لكنهم تقريبا منعوا من التعبير عن مواقفهم ومن تنوير مشاهديهم لأن الأغبياء الذين يناطحونهم (وليس يناقشونهم) أطلقوا عليهم صواريخ الشعبوية الفضفاضة المشحونة بالأوهام والشعارات لا في محاولة إقناع المنافس بل في كسب تعاطف الناس الطيبين المغرر بهم بل وبعضهم غايتهم الفوز بأصوات ناخبين لأنهم مترشحون لمنصب أو جاه سياسي أو جامعي أو بلدي.

أمثال هؤلاء الغوغاء يتاجرون بأوهام التاريخ بعيدا عن هموم الأمة بل يضيفون لأخطاء من سبقوهم في الفتنة أخطاء جديدة.

نقل عن الرسول (ص) قوله: "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها".. نلاحظ هنا أن رسول الإسلام استعمل مصطلح التجديد في الدين والتجديد ليس التحريف وليس التجديف بل ملاءمة الشريعة لتطور العصور في ظل التيسير وحسن التعايش مع قيم الإسلام الأصيلة في جيل مختلف عن جيلنا لأنه امتلك بالعقل أدوات النهضة العلمية والتكنولوجية وأصبح طبعا يعيش قضايا وأزمات أخرى تختلف ما درج عليه أباؤه وأجداده.

أصل التجديد وقاعدته الأولى هو في تطوير العقيدة وتأطير نهضتنا بقيم القرآن وأخلاق الإسلام لأن الدين لدى كل أمة هو منطلقها ومعينها الذي لا ينضب وغاية رسالته فهو الذي يضع كل مجهود بشري ضمن دائرة الحلال والحرام ويجعل المؤمنين يميزون بين الحق والباطل
الملاحظ أننا في عام 2023 نمر بذكرى أخر المصلحين أمثال عبد الرحمن الكواكبي والطاهر الحداد وقاسم أمين وعبد العزيز الثعالبي وعبد الحميد بن باديس وسعد زغلول ومصطفى النحاس وأمين الحسيني ومصالي الحاج، ذلك الجيل الذي أفاق منذ مطلع القرن العشرين على حقيقة ساطعة مرعبة حين تمكن الاستعمار الصليبي من احتلال أراضي المسلمين شرقا وغربا وفرض عليهم ثقافته بدعوى تمدينهم وتخليصهم من "التخلف".. وأرى أن أول جهود التجديد هي في سعي شعوب الأمة إلى توحيد غاياتها وسياساتها لتكون قوة قوامها خمسون دولة تشكل كتلة عتيدة يحترمها الأخرون ويهابها الأعداء وتتكلم بلسان واحد في المحافل الدولية وأولها منبر منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها الأممية، فنحن المسلمين من ابتدعوا الوحدة وأسسوا خلافة راشدة على منهج النبوة ثم تخلينا عن قوتنا الحقيقية بسبب التشتت والاستعمار وانحراف بعض أصحاب الأمر نحو الاستعانة بالعدو ضد الشقيق.

وثاني التجديدات هي التمكن الرقمي وامتلاك ناصية الحداثة الأصيلة في عالم معولم أصبح يعيش مرحلة ما بعد الحداثة.

وثالث التجديدات هو إعادة النظر كمسلمين في العلاقات الدولية من أجل عودتنا لاحتلال مكانتنا المرموقة بين الدول والكتل فالغرب ليس كما نظن كتلة من الاستعمار والهيمنة بل في صلبه تيارات إنسانية وأخلاقية علينا حسن التعامل معها والاستعانة بها لرفع المظالم عنا.. فانظروا إلى تغيير صورة إسرائيل لدى شرائح متزايدة من الغرب من دولة ديمقراطية مظلومة إلى دولة احتلال عنصري وحتى فصائل من الجيش الاسرائيلي ترفض اليوم الانصياع لنظام ناتنياهو وترفض الخدمة العسكرية!

وأذكر أنني كنت حين أحدث طلابي في محاضراتي بجامعات عربية أو أوروبية عن التجديد في الدين يجيبني بعضهم بالقول يا دكتور التجديد الضروري هو في الاقتصاد و المعرفة والعلوم حتى نلتحق بالأمم الأخرى ويكون جوابي لهم: "إن كل تجديد في هذه المجالات مطلوب ولكن أصل التجديد وقاعدته الأولى هو في تطوير العقيدة وتأطير نهضتنا بقيم القرآن وأخلاق الإسلام لأن الدين لدى كل أمة هو منطلقها ومعينها الذي لا ينضب وغاية رسالته فهو الذي يضع كل مجهود بشري ضمن دائرة الحلال والحرام ويجعل المؤمنين يميزون بين الحق والباطل حتى يعتمد حكم الناس على العدل وصيانة حقوقهم و ضمان حرياتهم و إلا أصبح التقدم وبالا وأخضع المستضعف للمستكبر ودفع المليار ونصف مسلم الى قبول الاستعمار ثم الاستبداد.

مع العلم أننا لسنا وحدنا الواعون بضرورة العودة للدين والأخلاق فها هو مؤتمر دولي يعقد في كوالالمبور بعنوان (مخاطر الذكاء الإصطناعي على توازن المجتمعات) وها هو أكبر فلاسفة أمريكا (مايكل ساند) يصدر كتابه بعنوان (عدالة) ترجم الى عديد اللغات وانتشر بسرعة وهو يدعو الى إحلال مفهوم العدالة في الأنظمة العلمانية وعدم التخلي عن معاني الأديان حتى بدون أديان و أنصح قرائي أن يطالعوا كتاب الباحث التونسي مصطفى بن تمسك الصادر حديثا بعنوان (الحداثة الأوروبية مسارات التفكيك و نهاية الريادة) ليدركوا أن الغرب لم يعد القطب و لم نعد نحن هوامشه لم يعد الشمس و لم نعد نحن كواكبه.. نعم أخذ التاريخ منعرجا جديدا.. ويوم الأحد 23 يوليو الجاري لأول في التاريخ الحديث قبل صندوق النقد الدولي أن تسدد الأرجنتين له دينها بالعملة الصينية (اليوهان) و ليس بالدولار!!!  
التعليقات (1)
ابو احمد
الخميس، 27-07-2023 03:05 م
مقال غير منصف وغير مجدي