كتب

كتاب يوثق لتجربة التخفي في مسيرة الثورة الفلسطينية

يتناول تجربة الاختفاء لدى الشيوعيين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وتجربة الاختفاء والمطاردة في جبال الضفة من جانب نشطاء حركتي "فتح" و"الجبهة الشعبية" بصورة أساسية.
يتناول تجربة الاختفاء لدى الشيوعيين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وتجربة الاختفاء والمطاردة في جبال الضفة من جانب نشطاء حركتي "فتح" و"الجبهة الشعبية" بصورة أساسية.
الكتاب: "تجربة الاختفاء الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي: 1967- 2022"
المؤلف: حسن نعمان الفطافطة
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية


يبحث هذا الكتاب في ظاهرة الاختفاء باعتبارها ظاهرة نضالية، مارسها المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، في مواجهة المطاردات الشرسة لهم من قبل الاحتلال الصهيوني، منذ العام 1967 وحتى يومنا هذا. وهي ظاهرة عرفتها مختلف شعوب العالم في صراعها ضد الغزاة والمحتلين، وضد ملاحقة أنظمة الحكم المستبدة، بحسب ما يقول حسن نعمان الفطافطة، الروائي والباحث الاجتماعي، الذي اعتقل في سجون الاحتلال ما مجموعه 24 عاما، لافتا إلى أنها في السياق الفلسطيني أخذت توجها ومنحى عاما ممنهجا لدى بعض القوى والأحزاب الفلسطينية، وبات يعد لها بصورة مركزية، على الرغم من انطلاقها في الأصل على شكل مبادرات فردية.

وبرغم تحفظات أبداها البعض حول الحديث عن هذه الظاهرة ودراستها، كون الاحتلال ما زال قائما ويترصد المناضلين في كل وقت، فإن فطافطة يرى أن تدوين هذه التجارب وتأريخها مسألة هامة لاعتبارات عديدة، منها؛ الحاجة الماسة إلى رفد المكتبة الفلسطينية والعربية والعالمية بقراءة واقعية وشاملة عن هذه الظاهرة ومختلف مراحل تطورها، سيما وأن المكتبة الفلسطينية تفتقر بشكل خاص إلى هذه الدراسات. كما يرى أنه من الضروري تزويد الأجيال اللاحقة من المناضلين بالخبرات المتراكمة في هذا المجال، وبكثير من طرق العمل، وأساليب التمويه والتخفي، ومن جهة أخرى فإن هذه الدراسات تزيد الوعي الشعبي والتنظيمي تجاه رعاية المختفين وسبل حمايتهم ورعايتهم.

وبسبب ندرة الأبحاث التي تتناول ظاهرة الاختفاء بصورة موسعة فقد لجأ فطافطة إلى كل المصادر المتاحة، بعد التأكد من دقة معلوماتها، من تقارير صحفية وأفلام وثائقية وتقارير تطرقت بصورة أو بأخرى إلى الظاهرة، والأهم من ذلك أنه اعتمد بشكل رئيسي على إجراء مقابلات، مباشرة أو عبر الهاتف، مع مجموعة من الأشخاص الذين خاضوا تجربة الاختفاء لعدة سنوات.

وفي الكتاب يقدم فطافطة ابتداء خلفية تاريخية لظاهرة الاختفاء والمطاردة، ويتطرق إلى العديد من التجارب العالمية والعربية والفلسطينية على هذا الصعيد، ثم يتناول الظاهرة خلال العقد الأول من سنوات الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بما فيها القدس، ويتطرق إلى تجربة الاختفاء في قطاع غزة لدى قوات التحرير الشعبية، ولدى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة محمد الأسود"جيفارا غزة".

كما يتناول تجربة الاختفاء لدى الشيوعيين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وتجربة الاختفاء والمطاردة في جبال الضفة من جانب نشطاء حركتي "فتح" و"الجبهة الشعبية" بصورة أساسية. ويعرض فطافطة أيضا إلى تجربة كتائب القسام في الاختفاء في الضفة والقطاع في الفترة من 1991- 2000، ثم يتناول تجربة الاختفاء منذ انتفاضة الأقصى سنة 2000حتى سنة 2022.

بيوت سرية وأنفاق

يذكر فطافطة أنه مع ظهور المقاومة الفلسطينية للهجرة الصهيونية والانتداب البريطاني اضطر المئات من الثوار العرب والفلسطينيين للجوء إلى الجبال، والتخفي عن أعين الاحتلال البريطاني الذي كان يلاحقهم، ومنهم قيادات بارزة مثل عزالدين القسام، الذي فر من حكم الإعدام بحقه الصادر عن الاحتلال الفرنسي في سوريا، فلجأ إلى فلسطين هو والعديد من رفاقه حيث تمركزوا في مغارة في قرية نورس في قضاء جنين.

وعيسى البطاط، وفؤاد نصار، وعبد الحميد الجولاني، وأحمد الحمود، وعبدالقادر الحسيني، وحسن سلامة الذي تجول في قرى يافا ثلاثة أعوام متخفيا يدعو الناس للثورة ضد الإنجليز والصهيونيين. كل هؤلاء وغيرهم نجحوا لفترات زمنية قصيرة في إقامة قواعد ارتكاز لهم في المناطق الجبلية ينطلقون منها لمهاجمة القوات البريطانية والمستعمرات الصهيونية. يقول فطافطة أنه كان ملفتا في تجربة هذا الجيل من المناضلين أن حركة المتخفين كانت تتجه إلى خارج حدود فلسطين في فترات الهدوء، فكانوا يتوجهون نحو سوريا والعراق ولبنان والأردن، لكن معظمهم عاد بعد صدور قرار التقسيم سنة 1947.

من جهة أخرى فقد كانت فلسطين ملاذا لمتخفين من القيادات الوطنية  في الأردن بعد العام 1957، بعد حل البرلمان وإعلان الأحكام العرفية، مثل بهجت أبوغربية الذي اختفى لثلاثة أعوام في إحدى المغاور في منطقة السواحرة الشرقية، ويعقوب زيادين من مدينة الكرك الذي اختفى لعامين في القدس، وعيسى مدانات أحد قيادات الحزب الشيوعي الي أمضى عاما متخفيا في نابلس.

مع انتهاء انتفاضة الأقصى سنة 2006 وحتى سنة 2021 اقتصرت ظاهرة الاختفاء على حالات فردية ومحدودة جدا لم تعمر طويلا، بسبب كثافة ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي لها، واستخدامه مختلف الوسائل الممكنة لهذا الغرض، بالإضافة إلى غياب الحاضنة التنظيمية التي توفر الرعاية والحماية لهذه الحالات، واقتصار الأمر على بعض الدعم والمساعدة الجماهيرية لها.
أما في الضفة والقطاع في الفترة ما بين 1967إلى 1977 فقد تميزت ظاهرة الاختفاء خلال هذه المرحلة بمجموعة من السمات ، حكمتها الجغرافيا وبدء انطلاقة العمل المسلح من جهة، والتجارب المتعددة للتنظيمات الفلسطينية التي مارست هذه الظاهرة من جهة أخرى. على مستوى قطاع غزة "استطاع المناضل الفلسطيني تطويع جغرافيا القطاع المحدودة والضيقة، والتي تخلو من الجبال، مستفيدا من الكثافة السكانية في مدينة غزة والمخيمات من أجل بناء مخابىء سرية داخل البيوت، ومستغلا انتشار البساتين وبيارات الحمضيات من أجل بناء الأنفاق والأوكار السرية فيها".

أما في الضفة فقد نجح المناضلون في الاختفاء ببناء قواعد سرية مؤقتة لهم في العديد من المناطق الجبلية، بينما ابتكر الشيوعيون نمطا جديدا في التخفي تمثل باستئجار بيوت سرية، وخصوصا في المدن الفلسطينية الرئيسية، وإن تم ذلك على نطاق ضيق. ويلفت فطافطة غلى حضور واضح ومميز للمرأة الفلسطينية، في هذه المرحلة، في مساعدة المتخفين في قطاع غزة، سواء تلك المنضوية في إطار التنظيم، او المرأة "الشعبية" التي كانت تسهر على خدمة المتخفين ورعايتهم وتوفير الملجأ الآمن لهم في بيوتهن وفي البيارات. كما أن المطاردين والمتخفين كان ينظر إليهم نظرة احترام وتقدير كبيرين من عامة الناس، الذين لم يترددوا في تقديم العون والمساعدة لهم، حتى لو كان الثمن اعتقالهم أو هدم بيوتهم.

تجربة خاصة

يتوقف فطافطة كذلك عند السمات العامة لنمط الاختفاء الذي مارسته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الفترة 1976-1994و يقول إنه لتجاوز الضربات الأمنية التلاحقة لبنيتها التنظيمية من جانب الاحتلال، اتخذت الجبهة توجها يقضي بالعمل على خطين؛ أولهما الصمود في التحقيق لحماية التجربة وأسرارها، وثانيهما اعتماد الاختفاء للكوادر المفصلية كأسلوب نضالي يحافظ على استقرار البنية التنظيمية للجبهة وضمان استمرارها في أداء مهماتها النضالية. وقد انتهج هذا النموذج من التخفي سياسة الاختباء في بيوت سرية داخل المدن، وعدم التحرك خارج حدود البيت إلا في نطاق ضيق عند الضرورة. وقد أدى هذا النمط من التخفي إلى أن يقطع الشخص الذي يمارسه صلته بالحياة الاجتماعية التي عرفها قبل التخفي، وأن يكرس معظم وقته للقيام بالمهمات الحزبية، فالحاضنة هنا لم تكن شعبية أو جماهيرية إنما حاضنة تنظيمية.

وبالانتقال إلى سمات نمط الاختفاء لدى كتائب القسام يشير فطافطة إلى أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "خاضت تجربتها الخاصة في مواجهة الاحتلال من دون أن تستفيد كثيرا من تجارب الحركة الوطنية التي سبقتها على هذا الصعيد، لا سيما في مجال الاختفاء، وبالتالي اضطرت الحركة إلى دفع الثمن من جديد.".ويسجل ملاحظاته على هذه التجربة على النحو التالي، حيث تنوعت أماكن الاختباء التي استخدمها متخفو كتائب القسام فشملت البيوت السرية المستأجرة كما هي حال الكثير من القيادات مثل زاهر جبارين، ويحيى عياش، وعادل وعماد عوض الله، ومحمود أبو هنود وغيرهم ممن اختفوا في شقق سرية مستأجرة في نابلس ورام الله والخليل. وهناك من اختبأوا لدى عائلات فلسطينية متعاطفة معهم في قطاع غزة مثل عماد عقل. كما أنهم استخدموا الأوكار والآبار في بيارات القطاع، والكهوف والمغاور في الضفة، وخصوصا في اللحظات التي كانت تشتد فيها ملاحقة القوات الاحتلال لهم.

من جهة أخرى سادت ظاهرة التنقل وعدم الكمون لفترة طويلة في مكان واحد لدى قيادات وكوادر القسام، وذلك بهدف متابعة الأوضاع التنظيمية، والقيام بوضع الخطط والمهمات بالتنسيق الحي والمباشر مع قيادات المناطق المختلفة، والتقليل قدر الإمكان من استخدام الرسائل فيما بينها. وعلى الرغم مما شكلته هذه التنقلات من خطر تعرض المتخفين للانكشاف فإنها كانت تعطيهم المجال للتقدم خطوة على أجهزة أمن الاحتلال والسلطة الفلسطينية، الذين كانوا يصلون متأخرين بعد أن يكون المتخفي قد غادر المكان.

ويلفت فطافطة إلى تميز قيادة القسام بانتهاج سياسة "تصدير العديد من الكوادر والقيادات العسكرية المطلوبة من قطاع غزة إلى الضفة الفلسطينية، ولا سيما في السنوات الأولى لهذه التجربة"، فضلا عن الاستخدام الواسع والمتنوع لأساليب التنكر والتمويه. أما في ما يخص التواصل واللقاءات بين المتخفين وعائلاتهم فقد تكفل بهذا الأمر غالبا طاقم من المساعدين الملفين حماية المتخفي ورعايته، وأحيانا كان المتخفين المتزوجين يقيمون مع أسرهم الصغيرة في بيوت سرية بعيدا عن بيوتهم الأصلية.

يقول فطافطة إنه خلال انتفاضة الأقصى عام 2000 وبعدها بسنوات ساد طابع علني للظاهرة الكفاحية، وخصوصا في العام الأول قبل الاجتياح الإسرائيلي لمناطق" أ"، وتحرك معظم المطلوبين ضمن نطاق هذه المناطق بصورة شبه علنية، معتقدين أنهم محميون من الاعتقال والاغتيال، وهذا ساهم في محدودية ظاهرة التخفي واقتصارها على أعداد محدودة جدا من المطلوبين، الذين كان معظمهم ملاحقين من الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية معا.

ومع انتهاء انتفاضة الأقصى سنة 2006 وحتى سنة 2021 اقتصرت ظاهرة الاختفاء على حالات فردية ومحدودة جدا لم تعمر طويلا، بسبب كثافة ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي لها، واستخدامه مختلف الوسائل الممكنة لهذا الغرض، بالإضافة إلى غياب الحاضنة التنظيمية التي توفر الرعاية والحماية لهذه الحالات، واقتصار الأمر على بعض الدعم والمساعدة الجماهيرية لها.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل