قضايا وآراء

تساؤلات حول مؤتمر "بغداد 2"

غازي دحمان
هل أصبح المؤتمر مؤسسة دائمة؟- الديوان الملكي
هل أصبح المؤتمر مؤسسة دائمة؟- الديوان الملكي
انعقدت على شاطئ البحر الميت قمة "مؤتمر بغداد 2"، الذي كان قد تم الإعلان عنه في العام الماضي، وعُقدت النسخة الأولى منه في بغداد بحضور إقليمي ضم إضافة للعراق ومصر والأردن ودول الخليج، كلا من تركيا وإيران، بالإضافة إلى فرنسا صاحبة الفكرة في عقد المؤتمر.

ومن الواضح أن مؤتمر بغداد يستحضر فكرة مؤتمر هلسنكي عام 1975 في خضم اشتداد أوار الحرب الباردة، والبحث عن مخارج لتخفيف حدة الصراع في القارة الأوروبية، وسينتج عن هذا المؤتمر، بعد تطوير صيغه ومقارباته، تأسيس مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، الذي تحوّل في مرحلة لاحقة إلى منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
من الواضح أن مؤتمر بغداد يستحضر فكرة مؤتمر هلسنكي عام 1975 في خضم اشتداد أوار الحرب الباردة، والبحث عن مخارج لتخفيف حدة الصراع في القارة الأوروبية

من حيث الشكل والعنوان، يبدو أن المؤتمر مخصص لمساعدة العراق على تجاوز أزماته والحفاظ على سيادته، في ظل أزمات دستورية وتدخلات خارجية أنهكته ووضعته في مسار فوضوي، بات يشكل خطرا على الجوار الإقليمي، الذي تداعت أطرافه بهدف المساعدة للخروج من هذا المأزق الذي يرزح العراق فيه منذ الاحتلال الأمريكي.

لا تخفي أطراف هذا المؤتمر دعواتها للعراق بالخروج من تحت خيمة النفوذ الإيراني، وتوسيع علاقاته بشكل متوازن مع دول الجوار الإقليمي؛ نظرا لمحورية موقعه بين مختلف اللاعبين الإقليميين، لكن عراق 2021، تاريخ انعقاد الدورة الأولى للاجتماع، يختلف عن عراق اليوم، ففي ذلك الحين كان هناك رئيس وزراء يدعى مصطفى الكاظمي، لديه توجهات استقلالية عن إيران ورغبة في تدعيم علاقاته بالمحيط العربي، في حين أن خلفه محمد شياع السوداني، جاء برضا إيران وبضغط من أدواتها في العراق، الأمر الذي يطرح التساؤل عن جدوى انعقاد المؤتمر في ظل تغير المعطيات بشكل حاد.

ليس هذا وحسب، لكن المؤتمر بحد ذاته يطرح الكثير من التساؤلات حول بنيته وأهدافه وأدواره، أكثر ما يتيح إجابات كان من المفترض أن تأتي في سياق فعاليات المؤتمر، ومن هذه التساؤلات:

- إذا كان المقصود من المؤتمر هو تقديم الدعم لاستقرار العراق، فهذا الشكل من المؤتمرات يعقد لمرة واحدة، يتم خلالها الاتفاق على صيغة معينة وجرى متابعتها ضمن مستويات معينة، ولا يحتاج إلى مؤتمرات جديدة. فعندما تعقد نسخة ثالثة للمؤتمر في مصر، وربما نسخ أخرى في أماكن جديدة، فهذا يعني أن هناك توجها لجعله لقاء دوريا سنويا، وهذا يعني بطبيعة الحال التوجه إلى مأسسة هذا المؤتمر، وفي هذه الحالة يجب أن يتم توسيع أهدافه أبعد من العراق.

- هل هو منصة حوار إقليمي للخروج من دوامة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة مُنذ أكثر من عقدين؟ وبتعبير آخر، هل هو منصة لحل الخلافات بين إيران والدول العربية؟ وهل تقبل إيران بالتفاوض على نفوذها في المنطقة؟ وهل تتراجع عن سياسة دعم المليشيات في المنطقة باعتبارها أحد ركائز السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية؟

- هل هو تجمع ما فوق إقليمي، كونه يضم دولا متعددة القوميات في الإقليم؟ وهل هو بداية لتشكيل منظومة إقليمية خارج الجامعة العربية؟ أم هو اعتراف عربي بأمرين ملحّين: انتهاء فعالية النظام العربي ومؤسسته الرسمية جامعة الدول العربية، الأمر الذي يستدعي البحث عن صيغ أكثر جدية، والثاني أنه من غير الممكن التغافل عن الأدوار التي تؤديها طهران وأنقرة، اللتان بات لهما حضور كبير في البلاد العربية؟

- هل المؤتمر يشكل أحد آليات إعادة تشكيل النظام الإقليمي؟ فالمؤتمر يأتي في سياق نشاط تقوم به دول عربية محدّدة، عبر تنظيم فعاليات ونشاطات دبلوماسي، ولا يشمل كامل المنظومة العربية، إذ إن تركيبة مؤتمر بغداد العربية، تنطوي على الدول نفسها التي حضرت اجتماعات الرئيسين الأمريكي والصيني في السعودية، فعلى أي أساس تم اختيار هذه الأطراف دون غيرها؟ ولماذا يتم تحييد المغرب العربي وبعض دول المشرق؟
حتى اللحظة، لم يستطع تنفيذ مخرجات المؤتمر الأول، ورغم وضوح مطامح كل طرف وأهدافه من المؤتمر المتناقضة مع أهداف الأطراف الأخرى، ما يثير التساؤل عما إذا كان الهدف من المؤتمر، هو مجرد محاولة إقليمية لسبر أغوار حقيقة أن النظام الدولي يمر بمرحلة انتقالية، ومن ثم استكشاف المسارات التي يمكن السير بها

- هل المؤتمر مجرد إطار لتوسيع الدور الفرنسي في المنطقة على وقع الانسحاب الأمريكي أو تراجع العلاقات بين دول المنطقة وواشنطن؟ وهو بذلك يتغذى من رغبة الأطراف العربية تنويع خياراتها الدبلوماسية، وهل تستطيع فرنسا إدارة هذه التناقضات الإقليمية، أم إنه أداة لتحقيق منافع اقتصادية تطمح لها باريس بعد إخراجها من القارة الأفريقية؟

أسئلة كثيرة يطرحها مؤتمر بغداد بنسختيه وبأفقه غير واضح المعالم، رغم أنه حتى اللحظة، لم يستطع تنفيذ مخرجات المؤتمر الأول، ورغم وضوح مطامح كل طرف وأهدافه من المؤتمر المتناقضة مع أهداف الأطراف الأخرى، ما يثير التساؤل عما إذا كان الهدف من المؤتمر، هو مجرد محاولة إقليمية لسبر أغوار حقيقة أن النظام الدولي يمر بمرحلة انتقالية، ومن ثم استكشاف المسارات التي يمكن السير بها للعبور للنظام الدولي الجديد.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)