سياسة عربية

هل يتعايش مؤيدو الأنظمة القمعية ومعارضوها بعد رحيلها؟

سوريا
أثرت أحداث ما بعد "الربيع العربي"، على جميع من يسكنون المنطقة العربية بغض النظر عن مدى تأثر مناطقهم أو بلادهم، فقد أصبح الكل مؤدلجا، أو مستقطبا بدرجات متفاوتة بحسب كل بلد.

وما زاد في حدة الاستقطاب والشرخ بين مختلف مكونات الشعوب العربية، استخدام الأنظمة للقوة والعنف في مواجهة المعارضين، الأمر الذي خلف قتلى وجرحى ومعتقلين ومهاجرين، شمت وتشفى بهم مواطنون مثلهم، لكنهم فضلوا الاصطفاف إلى جانب الأنظمة، ما يثير التساؤل حول إمكانية العيش المشترك بين الطرفين معا في وقت من الأوقات.

معارضة سياسية= تكاليف أقل

القيادي في حركة النهضة التونسية، وعضو المجلس الوطني التأسيسي السابق، مختار لموشي، قال لـ"عربي21" إن التعايش والمصالحة في البلدان التي لم تشهد سفكا للدماء كانا أسرع وأسهل، وإن كانت نتائج "الثورة" فيها منقوصة بعض الشيء.

وقال إن الثورة في تونس على سبيل المثال لم تنجح بالكلية، وإن المنظومة القديمة عادت عبر صناديق الاقتراع، بسبب وجود بقايا لأي نظام سياسي يسقط، تتمثل في الأجهزة الأمنية، ورجال المال، والإعلام، والقضاء.

لكنه لفت إلى أن التونسيين وعلى رأسهم حركة النهضة التي فازت في أول انتخابات بعد الثورة، فضلوا السير في الطريق السياسية، ولم ينجر الشعب التونسي إلى حمل السلاح، الأمر الذي قلل من تكاليف الانتقال السياسي في البلاد.

ورأى القيادي التونسي أن الأمور في مصر على سبيل المثال أقرب إلى التعايش من سوريا، ورأى الحالة الليبية أقرب إلى تونس ما لم يدخل عامل خارجي كالدعم الروسي لحفتر، وإلا فستتجه الأمور إلى السيناريو السوري.

وشهدت تونس جلسات استماع علنية لمن عانى من الاضطهاد في عهد الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، على أن يخلفها بعد ذلك جلسات مصالحة علنية، رأى فيها البعض "مصالحة محمودة"، ورأى آخرون أنها "إفلات من العقاب".

شماتة وتدخل خارجي

ويزيد عراقيل التعايش المشترك ما تبثه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من فرح أو شماته من كلا الطرفين، المؤيد والمعارض للنظام، خصوصا في الحالات التي تسيل فيها الدماء بسبب العمليات العسكرية.

وأبرز مظاهر الشماتة كانت خلال الحصار الذي كان يفرض على مناطق المعارضة وافتقاد أدنى مقومات الحياة، في حين كان يعيش مؤيدو النظام برفاهية مقارنة بالمعارضين، كما حدث في مضايا السورية، والفلوجة بالعراق.

وساهمت عمليات "النهب"، أو "التعفيش" التي تقوم بها قوات النظام السوري على سبيل المثال، بحق منازل المواطنين في مناطق سيطرة المعارضة، على تعميق الشرخ وزيادة الأحقاد بين طرفي الصراع في سوريا.

الكاتب والسياسي السوري، محمود عثمان، أوضح أن ثقافة العيش المشترك ضعيفة في البلاد العربية، لافتا إلى أن السبب في ذلك هو الأنظمة الشمولية التي حكمت المنطقة.

وأشار في حديث لـ"عربي21"، إلى أن البلاد العربية يحكمها لون واحد، ما أثر على مواطنيها وشكل شخصياتهم، ففي سوريا على سبيل المثال ساهمت ثقافة حزب البعث في صياغة الشخصية السورية.

وانعكست التربية الحزبية سلبا على المجتمع السوري، لدرجة أن بعض المعارضين الآن يميلون إلى عدم تقبل الرأي الآخر، وتسود البلاد أجواء من عدم الثقة.

ولم يخف السياسي السوري أن التعايش المشترك في سوريا بعد رحيل النظام على سبيل المثال، سيكون صعبا بعض الشيء، لافتا إلى أن طريقة انتهاء الأزمة في سوريا ستحدد طبيعة التعايش بين السوريين.

ولفت إلى أن جزءا كبيرا من إقناع السوريين لاحقا بالتعايش سويا هم قادة المجتمع من علماء، وفنانين، وشيوخ، وعلماء، وأساتذة جامعات.

تعايش بقوة القانون

دكتور علم الاجتماع، إبراهيم أبو عرقوب، لفت إلى أن الشعوب يمكنها أن تنسى وتتعايش، لكن "الأحقاد" ربما تظل موجودة وتخرج في وقت من الأوقات.

ولفت لـ"عربي21" إلى أن هنالك تجارب ناجحة في التعايش، كالحروب في أوروبا، والحرب الحرب الأهلية الأمريكية، التي نجح مواطنوها لاحقا بالتعايش سويا.

غير أنه في الحالة العربية، لفت أبو عرقوب إلى أن الوضع قد يكون أصعب، فالأزمات التي وحدت الغرب، فرقت العرب، والتدخل الخارجي في المنطقة العربية زادها سوءا.

ولفت إلى أن ما يمكنه أن يوحد الشعوب العربية لاحقا، هو قيادة قوية متفق عليها تراعي مصالح الجميع، وتجبرهم بالقانون على العيش معا بسلام.

وحول تفاوت مستوى الخسارة بين مؤيدي الأنظمة ومعارضيها مثلا، وأن قبول التعايش على الخاسر أصعب، قال إن الكل خاسر، وإن من ظن أنه ربح اليوم سيخسر غدا، وإن من رأى أنه أجبر على التعايش لأنه الطرف الأضعف ربما يحاول الانتقام لاحقا.