قضايا وآراء

تأملات في تسلل السفير الإسرائيلي إلى المسرح القومي

1300x600
أشارت الصحف المصرية يوم العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2016؛ إلى أن السفير الإسرائيلي ظهر ضمن رواد المسرح القومي، وأن إدارة المسرح لا تعلم شيئا ولم تُخطر بوجوده. وما دام السفير دخل إلى المسرح القومي دون مراعاة وضعه كسفير لدولة أجنبية معادية للشعب المصري، فإن المخاطر عليه لا تتحملها الحكومة المصرية.

ويعتبر حضوره خلافا لهذه القواعد وإغفالا لها تسللا خطيرا؛ لأن القواعد العامة للدبلوماسي تقضي بأن السفير الأجنبي، خاصة في حالة إسرائيل، لا بد أن يخطر الداخلية والخارجية، والحكومة المصرية هي التي تنصحه بالذهاب من عدمه، ما دامت تتحمل المسؤولية عن سلامته، أما إذا عرض هو سلامته للخطر فلا مسؤولية على الحكومة.

والمعلوم أن السفير الإسرائيلي الجديد قد أعلن في الصحف المصرية عن مهمته خلافا للذين سبقوه، وهي قرار إسرائيل باقتحام حصون وعي الشعب المصري، بعد أن اطمأنت من الحكومة المصرية والقيادة السياسية، وهي تعلم أن هذا الاطمئنان ينطوي على توجيه كل من له علاقة بالسلطة لكي تشيع الطمانينة هو الآخر، وهذه دائرة لا يهتم بها السفير الإسرائيلي، وإنما ينصب تكليفه من جانب حكومته على اختراق صفوف المصريين في مقاهيهم وتجمعاتهم وبث أنصاره من المصريين في الإعلام وفي دوائر الحكم خاصة، وأنهم أنسوا أيضا إلى أجهزة الأمن المصرية منذ أن جندوا الملاك، وهو الاسم الحركي لأشرف مروان الذي أصدرخبير الموساد كتابا في أوائل أيلول/ سبتمبر 2016 عنه.

وبذلك صارت مهمة المخابرات المصرية في حماية المجتمع المصري من السموم الإسرائيلية مهمة دقيقة. ذلك أن المعلومات الحقيقية عن النظام ومدى شعبيته واستقراره، بصرف النظر عن شرعيته الدستورية، لا يمكن الحصول عليها من أتباع النظام، وإنما من رجل الشارع الذي يتواجد في الأسواق والمقاهي ودوائر الحكومة والخدمات والمسارح والسينما، وغيرها من تجمعات المصريين.

والسفير يؤدي مهمته المكلف بها مع حكومة صديقة وشعب لا يطيق أن يسمع اسم إسرائيل، ولذلك وضعوا خطة بالاستعانة برجالهم في مصر للانقضاض على الوعي الشعبي المصري، بل إن بعض عملاء الموساد الذين يزورون إسرائيل تفتح لهم الفضائيات مثلما تفتح للملحدين في الدين، ويتم تشجيعهم في بيئة تغلي.

والمعلوم أيضا أن الشعب المصري يربط عادة بين معاناته والنظام وحلفاء النظام، وأهم حديث الآن هو إسرائيل. ولعلنا نذكر أن السلام مع إسرائيل في معاهدة لا يعني تخدير الشعب المصري عن جرائمها وطبيعتها، فلا يزال الإعلام الإسرائيلي يعتبر مصر، وليس الحكومة، هي العدو.

وكنت في أيلول/ سبتمبر 2006 في مؤتمر في جنوب أفريقيا حول دور جنوب أفريقيا في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وقلت للوفد الإسرائيلي الذي كان حاضرا، ومن المنصة، بأن القاعدة الثابتة في مصر التي لا يجوز إغفالها هي أن إسرائيل تستطيع أن تستميل الرأس المصري إلى حضنها، وكلما اطمأن هذا الرأس إلى الحضن الإسرائيلي كلما تقطعت شرايين الرقبة بين الرأس والجسد، فيثبت الجسد ويقطع الرأس وتقذف به إسرائيل في سلة المهملات.

أما الجسد فيستنبت رأسا جديدا وتتكرر القاعدة كلما توفرت شروط انطباقها. ويبدو أن إسرائيل قد فهمت هذه القاعدة منذ ثورة الشعب الخالدة الوحيدة في تاريخ مصر (25 يناير 2011)، فوجدت مبارك كنزها الاستراتيجي وقد لفظه الشعب مهما حاول المجلس العسكري أن يضخ في نظامه روحا جديدة لاستيعاب الثورة، فركزت إسرائيل علي الجسد بعد أن ضمنت الرأس حتى لا يثور الجسد فيتخلص من الرأس كما حدث من قبل.

ووضعت إسرائيل خطة كبرى لهذا الغرض، تتوجه إلى التاريخ وإلي العقل، فتشوه تركيب العقل المصري كما تمحو ذاكرته، فيصبح الشباب في حيرة بين غرائزه الوطنية وبين الواقع السياسي والإعلامي الذي لا يتورع عن أن يصادق إسرائيل ويعادي الفلسطينيين بأكاذيب ملفقة.

ولذلك فقد ناشدت من تبقي من النخب التي لم تتلوث، وعددهم قليل، أن نعمل معا لتحصين مناعة العقل المصري والعربي ضد السرطان الصهيوني والطفيليات العربية بين بعض الحكام العرب.

وأجدد في هذه المناسبة الدعوة إلى النخب العربية والمصرية؛ لأن إسرائيل تنفذ هذا المخطط بالفكر والبحث والدراسة، وتجند كل حلفائها لتحقيق هذا الغرض.

والمعلوم أن إسرائيل والخليج والولايات المتحدة وروسيا هم أركان الثورة المضادة ضد ثورات الشعوب العربية. ولا سبيل إلى الجدل حول هذا الموضوع لأن إسرائيل لا تطيق حكما ديمقراطيا في مصر، وأن إسرائيل تزدهر على تعفن الحالة المصرية. فلا تتصور إسرائيل توفرالصحة والسلامة لمصر وإسرائيل في وقت واحد، رغم أوهامها بأنها تستأنس  السلطة في مصر.

هذه الحقيقة سوف تنقلب على إسرائيل دون أن تتنبه إلى ذلك. فإذا استبد الجوع بسبب الفساد والتدمير المنظم لهياكل السلطة في مصر؛ هرع الشعب المصري كله إلى إسرائيل واحة الاستقرار والرخاء، طلبا للقوت وليس عداء وحربا، ولن تطيق إسرائيل ما لا يقل عن خمسين مليونا يجتاحونها طلبا للحياة، وربما كان ذلك هو النبوءة القرآنية التي قررت أن يجوس المصريون خلال ديارهم، خاصة وأن أحدا لا يستطيع أن يمنع هذه الجموع من وجهتها مهما كانت التحصينات. فليس في مصلحة إسرائيل الإمعان في قتل مصر والمصريين، وإنما مصلحتها هي الحفاظ على الحياة للجميع، فلا يمكن أن تحيا إسرائيل في مقابر العرب.

وأخيرا إذا كانت إسرائيل واثقة من أنها حمل وديع يتقرب سفيرها بالمودة والرحمة إلي المصريين، فأنا أتحدى هذا السفير أن يظهر أمام شاشات أصدقائه لكي يستمع المصريون جميعا لكشف هذا الدجل والتلبيس الذي يساهم فيه الإعلام الصديق.