قضايا وآراء

السيسى قاتل شعبه.. وسارق أحلامه

1300x600
بعد أن لاحت شمس الحرية على سماء مصر بعد صلاة جمعة الغضب في الثامن والعشرين من يناير 2011، هرعت طوائف الشعب الحر في مصر إلى الشوارع في كتل بشرية انطلقت من المساجد بعد أن هبط الخطباء من منابرهم وأنهوا صلواتهم، وكأن هذه الكتل تلتقط كل من يراها من أحرار يعيشون في سجن كبير اسمه مصر، باحثين عن حريتهم وكرامتهم فوجدوا ضالتهم في الانضمام لهذه الكتل.

وأشهد أن جُل هذه الكتل البشرية كان ينادي بالسلمية، وخاصة كلما اقتربنا من قسم شرطة أو مقر للحزب الوطني المنحل أو مجلس مدينة أو مقر للمحافظة، حتى انطلق المندسون رغم أنف المتظاهرين بإحراق ما تمكنوا منه من هذه المباني، وكأن ساعة الصفر لهؤلاء المندسين هي الرابعة عصراً طبقاً لأوامر جهة سيادية!! وفجأة أختفت شاحنات الأمن المركزي وجنودها وضباطها من الشوارع.

وبعدها بسويعات حلت محل شاحنات وسيارات الشرطة؛ مدرعات ودبابات الجيش المصري التي كُتب عليها في اليوم التالي (الجيش والشعب.. إيد واحدة)، وللأسف الشديد صدّق الشعب الطيب هذه الأكذوبة، وما زال بعضهم يصدقونها حتى الآن، رغم أن هذا الجيش هو الذي قتل أكثر من 800 ثائر وثائرة في خلال أسابيع، بعد أن اختفت الشرطة من الشوارع بوازع من العسكر، وكلنا رأى رأْي العين ضباط وجنود الجيش المصري وهم يصوّبون فوهات بنادقهم ومسدساتهم صوب رؤوس وصدور المتظاهرين، وكلنا قد رأى ست البنات وقد عراها ضباط وجنود جيش الكنانة وداسوا على صدرها ببيادتهم - حذاء عسكري - دون رحمة، رغم أن ما قتلته شرطة مبارك في يوم جمعة الغضب لم يتعدَ العشرين شهيد.

كل ذلك ولم يفطن من الشعب، إلا قليل، إلى ما يُحاك له من مؤامرة في بطن هذه الثورة من حامي حمى الدولة، حيث استولى المجلس العسكري على السلطة من خلال البيان الذي ألقاه اللواء عمر سليمان، أحد أقوى رجالات مبارك ورئيس المخابرات العامة ونائب الرئيس "مرغما"، بتنحي مبارك عن الحكم للمجلس العسكري، وكانت هذه هي سنم المؤامرة على الشعب المصري، بعودة العسكر لحكم مصر بعد أن نحّاهم أنور السادات عن حكم مصر وتلاه مبارك لأربع عقود.

ظن الشعب المكلوم أنه قد نال حريته بعد أكثر من ستين عاماً، وانضمت مزامير الشيطان التابعة لنظام مبارك بمباركة ثورة 25 يناير التى كانوا يواجهونها بالأمس القريب بكل السباب والشتائم، وأن من خلفها إيران وحماس ومؤامرات دول وغيرها من المعقول واللا معقول، ولكن النفاق كان سيد الموقف.

خطط العسكر لإحكام قبضتهم على السلطة التي فقدها بعد ثورة التصحيح في 15 أيار/ مايو 1971، واستكملها مبارك، حتى عادت السلطة لأحضانهم بعد أربعين عاما، فوعدوا الثوار بانتقال السلطة إلى المدنيين بعد سته أشهر - عشم إبليس في الجنة - وحلت محل أمن الدولة المخابرات العسكرية، ودفعوا بالسلفيين للمضمار السياسي مرغمين حتى يشوهوا بهم التيار الإسلامي، وبهم يسقطوا الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى بعد أن تعالت شعبيتهم - وأعترف أن مخططهم كان ناجعا بامتياز- وسوّف العسكر في تسليم السلطة، وبدأوا خطتهم بعد أن قرروا تسليم السلطة تحت ضغط المليونيات، بعد 16 شهرا بدلا من 6 أشهر، ودون رغبتهم فاز الدكتور محمد مرسي المنتسب للإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وبالطبع تم وضع الخطة (ب) للتخلص من مرسي ومن "الإخوان" قاطبة، حتى تخلو لهم السلطة دون شريك أو منازع، واستخدموا اللواء عبد الفتاح السيسي، رجل المشاة وقائد المنطقة الشمالية الذى زُج به في المخابرات قبيل 25 يناير وعُين بها مديرا على غير ما هو متعارف عليه في هذه الأجهزة بأن لا يوضع على كرسي الإدارة إلا أبناؤها، وهو لم يكن يوما يعمل بها حسب ما لدي من معلومات، ثم دفعه جنرالات العسكر المحنكون ليكون وزيرا للدفاع خلفا للمشير الطنطاوي، والفريق صدقى صبحى ليكون رئيسا للأركان بعد أن اعتلى الرئيس مرسي سدة الحكم بأنزه انتخابات تمت في مصر بشهادة كل المنظمات الدولية التي راقبت العميلة الإنتخابية.

خطط العسكر للتخلص من الرئيس مرسي عدة مرات بحيل متعددة، وتعاون في ذلك رجالات مبارك ونظامه بعد أن ارتأوا أن مصالحهم القائمة على الفساد سوف تنهار في ظل الحكم الرشيد الذي رفض التعاون تحت مظلة الفساد، وأصر على تطهير البلاد من الفساد المتجذر في كل مناحي الحياة بمصر. وكل الحيل فشلت، فلجأ العسكر، بتأييد من نظام مبارك وتعاون كبير منهم مع الانقلاب العسكري الفاشي لاستعادة السلطة مرة أخرى بلا شريك ولا منازع، فكان الانقلاب من المجلس العسكرى على الرئيس المدني الأول المنتخب في مصر في الثالث من تموز/ يوليو 2013، بقيادة الفريق عبد الفتاح السيىسي الذى تبين أنه قاتل ثوار 25 يناير بشهادة لجنة تقصي الحقائق، التي صدرت في كانون الثاني/ يناير 2013، والتي شكلها الرئيس مرسي من كوكبة من القضاة الشرفاء. وتم الانقلاب بشراكة الكنيسة والأزهر والسلفيين ونظام مبارك والبرادعي ومن على شاكلته.

استحوذ عبد الفتاح السيسي وجنرالات العسكر على البلاد قاطبة، حيث تركه العسكر يحقق أحلام المراهقة المتأخرة حتى يكون في الواجهة ويديرون البلاد من خلف الستار، ولكن الحصان الطائش قلب العربة وجمح في الطرقات، فحطم كل من يلقاه في طريقه وأفسد في البلاد وحطم العباد، واهما أنه بهذا الجموح الأهوج سوف تستقر له الأمور، فقتل الآلاف وحبس عشرات الآلاف، وأطلق يد الشرطة والمخابرات العسكرية على كل من تسول له نفسه الوقوف أمام طموحه في امتلاك البلاد والاستحواذ على السلطة وبقائها في حضن المجلس العسكري.

أصبح الرجل وأمسى عطشانا للدماء، وحُبه للسلطة والمال أخرجه ومن معه من الملة ومن الإنسانية، فأصبحوا وحوشا كاسرة يطيحون بكل من يعارضهم، حتى من ساندهم في المؤامرة الأولى ومن ساندهم في الاستيلاء على السلطة من الرئيس المنتخب للبلاد.

فشل العسكر أيما فشل في إدارة البلاد من كل النواحي الأمنية والاقتصادية والتعليمية والصحية، رغم التأييد الدولي والإقليمي والمحلي، وغض بصر المجتمع الدولي عن جرائمه التي أصبح من الصعب الآن حصرها أو وقفها.

وأخذ عبد الفتاح السيسي وعصبة العسكر مواصلة قيادة البلاد إلى الهاوية وبسرعة من الصعب أن يقف أمامهم أحد للسيطرة على هذا الحصان الهائج، وأصبح العسكر فاقدين لبوصلة السفينة، بعد أن تاهت السفينة في البحر العميق، وارتفعت الأمواج كالطود العظيم وضل العسكر الطريق، وأصبح مبلغ همّ العسكر السيطرة على موارد البلاد وعلى مقاليد الأمور وشغلهم جمع الأموال وتحويلها إلى حساباتهم السرية في البنوك السويسرية، كما صرحت بذلك وزيرة المالية السويسرية في عام 2015، حيث أعلنت عن تحويل أكثر من 65 مليار دولار من مصر إلى حسابات سرية بالبنوك السويسرية ما بين 2014 - 2015 .

الآن ترى عبد الفتاح السيسى وكأن من معه من عُصبة الجنرالات غير راضين عن أدائه، وكذا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن الرجل عرف من أين تؤكل الكتف، فاستقوى بالصهاينة بعد أن نفّذ لهم كل ما يتخيلوه وما لا يتخيلوه، فباع نفسه والبلد للصهاينة، وانبطح لهم أيما انبطاح نظير حمايته من كل من يريد أن يتخلص منه. وقد كان، فظواهر الأمور تدل على أن الرجل لا يطيقه أحد رغم تخاذله أمام كل قيادات العالم وانبطاحه لهم بلا كرامة، رغم أنه رجل عسكري في الأصل، وما شاهدناه في مؤتمر قمة العشرين بالصين من إهمال أوباما له وسخرية رئيس وزراء الهند، والرئيس فرانسوا هولاند بعدم استقباله، حتى الرؤساء الأفارقة لأنهم يعلمون أنه سارق للسلطة ولم يعت سدة الحكم إلا بالدبابة والرصاص وعلى دماء شعبه.

والآن هل فهم الشعب المصرى أصل المؤامرة وعرف من كان مخلصا حقا لله وللشعب، ومن كان خائنا لله وللشعب؟ هل سيستيقظ الشعب من هذا السبات العميق ويستفيق من مخدر العسكر قبل فوات الأوان؟ هل سيثأر هذا الشعب لاستعادة حريته وكرامته بعد أن سلبها منه العسكر في الثالث من تموز/ يوليو 2013؟ أسئلة أصبحت الإجابة عليها عسيرة.. الخوف والقهر أصبح سيد الموقف، وأصبح الشعب مغلوبا على أمره، لكن ما طال ليلٌ إلا وجاء بعده فجر ونهار وشمس تسطع تمحو الظلام وتخفيه من الوجود مهما طال هذا الليل، وعلّمنا التاريخ أن الحق أبلج والباطل لجلج، وكلما اشتد الظلم نعلم أن الفرج قد قرُب، وما زلنا نرى بصيص من الضوء فى نهاية النفق المظلم، ونتذكر قول الله عز وجل : {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.