ملفات وتقارير

جدل حول إشراك "حملة السلاح" في الانتخابات بتونس

أحد منشورات معارضي إشراك الأمن والجيش في الانتخابات البلدية- فيسبوك
أطلق نشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتونس، حملة رافضة لإشراك القوات الحاملة للسلاح، سواء من الأمن أو الجيش، في العملية الانتخابية المتعلقة بالانتخابات البلدية.

وتتزامن الحملة التي أطلقت عبر هاشتاغ "لا لتسييس الجندي والبوليس"، مع تعطل النقاش بين الأحزاب السياسية تحت قبة البرلمان التونسي، بخصوص مشروع القانون المنظم للانتخابات البلدية، والذي ظل عالقا مع مطالبة بعض الأحزاب السياسية، ومن بينها "نداء تونس"، بالسماح لقوات الشرطة والحرس والجنود بالانتخاب.

تهديد للديمقراطية الناشئة

وقال الناشط والمدون أحمد بن عمار، إن الحملة تهدف إلى الضغط من أجل الإسراع بتنظيم الانتخابات البلدية؛ لحاجة المواطنين لخدمات البلديات، والتي ظلت في حالة شلل شبه تام منذ حل المجالس البلدية إثر الثورة، وفق تعبيره.

وأضاف لـ"عربي21" أن الدستور التونسي منح للحكم المحلي عبر البلديات وزنا هاما من خلال الباب السابع، مشيرا إلى أن عددا هاما من المشاكل التي يعيشها التونسيون في حياتهم اليومية يحتاج إلى تطبيق هذا الباب.

وأوضح أن "المصادقة على القانون المنظم للانتخابات البلدية؛ عطّلتها رغبة البعض في إقحام القوات الحاملة للسلاح في العملية السياسية بخلفية انتخابية، وهو أمر خطير، ويهدد العملية الديمقراطية الناشئة في تونس"، متابعا بالقول: "نريد جيشا وأمنا جمهوريا يسهر على الحفاظ على التجربة الديمقراطية.. وإقحامه في التجاذب الانتخابي يهدد مبدأ حياد هذه القوات".

وشدد بن عمار على أن الفصل 49 من الدستور "أباح للمشرع تحديد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات؛ لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، وهو ملخص الوضع في ما يتعلق بحق عام، وهو الانتخاب، وضابط مخصوص يتعلق بالقوات الحاملة للسلاح التي يجب أن تبقى بعيدة عن المناكفات؛ حفظا للأمن العام في البلاد"، وفق تقديره.

أمنيون وعسكريون يحذرون

وفي رسالة وجهها لرئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب؛ حذر أمير اللواء المتقاعد، محمد المؤدب، من خطورة إقحام المؤسستين الأمنية والعسكرية في الصراع السياسي.

وجاء في نص الرسالة التي حصلت "عربي21" على نسخة منها، أن "الحديث عن منح القوات الحاملة للسلاح حق الانتخاب يبدو على غاية من التقدمية، إلا أنه لا ينسجم وروح الفصول 18 و19 و49 من الدستور، ولا يأخذ في الاعتبار خصوصيات تلك الأسلاك (القطاعات) ولا واقع البلاد، فضلا على أنه لا يخدم بالمرة؛ لا مصلحة تلك الأسلاك، ولا مستقبل البلاد".

وتابع: "لا بد من الإشارة إلى أن الموضوع لا يتعلق -كما يروج له البعض- بإقصاء فئة من المواطنين من حقوق جاء بها الدستور، بل هو تعليق ظرفي لعدد من الحقوق والحريات لمن يحمل السلاح، ويبقى حمل السلاح وما له من مقتضيات؛ المبررات الرئيسة لعملية التعليق تلك، حيث إن مفعول ذلك الإجراء (تعليق الحقوق) ينتهي بصفة آلية وبدون أي إجراءات، حال مغادرة المعني المؤسسة المسلحة، ويسترجع كامل حقوقه تماما كغيره من سائر المواطنين".

وأشار المؤدب إلى أن الدستور التونسي نص في فصليه 18 و19 على ضرورة أن تؤدي كل من المؤسستين العسكرية والأمنية "مهامها في حياد تام"، مؤكدا أن "ممارسة عملية الانتخاب تفترض من الناخب، العسكري والأمني في هذه الحالة، أن يولي اهتماما بالشأن السياسي؛ من أحزاب ومترشحين وبرامج وخيارات سياسية، حتى تتبلور لديه مواقف وقناعات شخصية يصوت من خلالها للجهات السياسية التي تتبناها".

وأضاف أن أي شخص بممارسته التصويت "يعبر عن قناعات سياسية؛ يمكن أن تتطور إلى ميولات، ومن ثم إلى ولاءات، ومن المستحيل ضمان عدم تأثيرها على كيفية أداء أصحابها لمهامهم، وعلى التزامهم بالحياد التام".

وفي السياق ذاته؛ نظمت جمعية العسكريين المتقاعدين ملتقى حضره سياسيون وحقوقيون وعسكريون وأمنيون يعارضون ما أسموه "بدعة تشريك الأسلاك المسلحة في الانتخابات" القادمة "خلافا لما هو معمول به في الدول الديمقراطية، وفي تونس منذ عشرات السنين".

وكان من أبرز المشاركين في هذا الملتقى؛ المدير العام السابق للأمن العسكري أمير اللواء محمد المؤدب، والمدير العام السابق للأمن الرئاسي والأمن الوطني الجنرال علي السرياطي، والوزير الأول الأسبق الهادي البكوش.

موقف "النداء" و"النهضة"
 
ورغم حالة التوافق بين الحزبين المسيطرين على الساحة السياسية في تونس؛ فقد مثلت نقطة إشراك الأمنيين في الانتخابات إحدى مواطن الاختلاف بين حركة النهضة وحزب نداء تونس، باعتبار أن "النهضة" تعارض هذا الخيار، مدعومة بقيادات المؤسسة الأمنية والعسكرية، في حين يدافع "نداء تونس" عن إشراك حملة السلاح في العملية الانتخابية.

وقال النائب عن حركة النهضة، أسامة الصغير، في تصريح لـ"عربي21"، إن الجلسة الأخيرة للجنة التوافقات المخصصة للنظر في النقاط الخلافية المتعلقة بمشروع قانون الانتخابات المحلية؛ أفضت إلى تأجيل الحسم، في انتظار مراسلة رئاسة الحكومة لتوضيح موقفها الرسمي من ثلاث نقاط.. وهي العتبة، ومشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات، ناهيك عن النقطة المتعلقة بطريقة التنظيم والإجراءات في حال منح حق الانتخابات للمؤسسات العسكرية والأمنية".

يذكر أن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، شفيق صرصار، كان قد صرح، الثلاثاء الماضي، بأن تأخير الانتخابات البلدية إلى سنة 2018 "يعد كارثة بكل المقاييس"، وفق تعبيره.

وقال صرصار، في تصريح لإذاعة موزاييك، إن مزيد تعطيل المصادقة على مشروع قانون الانتخابات والاستفتاء من قبل مجلس نواب الشعب؛ قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات المحلية والجهوية إلى سنة 2018، ما سيتسبب في تقلص نسب المشاركة فيها، خصوصا أن الانتخابات التشريعية والرئاسية ستقام سنة 2019، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في نفور الناخبين من المشاركة، بحسب تقديره.