قضايا وآراء

احتفال التفريعة بين الواقع ومؤامرة التشكيك

1300x600
عندما تتوارى الإنجازات، وتتوالى الإخفاقات، وتتسع الهوة بين الواقع، والكلمات، ويغيب العقل السياسي، يصبح الفشل واقعا ملموسا، يلقي بظلاله على شتى المجالات، فتنتعش نظرية المؤامرة وتعتمد عليها أنظمة فاشلة لتحافظ بها على كتلتها الصلبة وتلملمها كلما أوشكت أن تنفض عنها وتنهار، ولتبرر فشلا واضحا، وتوفر غطاء لممارسة الاستبداد وانتهاك الحقوق والحريات.

في كلمته الأخيرة في الاحتفال بمرور عام على تفريعة قناة السويس، لم يتخل السيسي عن نظرية المؤامرة التي بنى عليها وجوده في المشهد المصري بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب.

عبر كلمات عاطفية كان الهدف هو الإقناع بما يخالف الواقع، غير أن الأمر لم يعد من السهل أن حتى لدى قطاعات واسعة من مؤيدي النظام، لأن الواقع بمراراته أكبر من أن يُسلم لكلمات عاطفية، حتى لدى من يُغدق عليهم على حساب باقي الشعب المصري.

التقارير والأرقام لا تعرف المؤامرة

 في كلمته الأخيرة ردد السيسي مصطلحا جديدا، يضاف إلى رصيد مصطلحاته التي تصب باتجاه نظرية المؤامرة، كالإرهاب، والإرهاب المنتظر، وأهل الشر، ويا نحكمكم يا نقتلكم، والبناء والبقاء، وغيرها مما يحمل مقاصد كثيرة، هو "الإنجاز والتشكيك" وشدد عليه من باب أن التشكيك في الإنجازات مؤامرة، ومرددا بالحرف "بيقولوا إن إيرادات قناة السويس قلّتْ، لأ طبعًا إنما زادت، وأنا لما بقول كده ده كلام مسؤول"!

غير أن أسئلة تطرح نفسها حول المليارات والإيرادات الانجازات وآثارها على حياة المصريين.

إن الواقع في مصر بالتقارير، والأرقام أصدق أنباءً من كلام مسؤول! اللهم إلا إذا اعتبرنا تقارير امتعددة، وأرقاما موثقة، وواسعة الانتشار تتآمر هي الأخرى، فوجب وقف هذا التآمر بكلمات عاطفية، وترفع الروح المعنوية للمصريين مرة أخرى، كما فُعل من قبل عندما سُئل السيسي عن مشروع التفريعة التي استهلكت ما يزيد عن 64 مليارا من الجنيهات، فرد قائلا إنه لرفع الروح المعنوية!

 لقد كانت البلاد في أمسّ الحاجة لهذه المليارات، لتُضخ في مشروعات حيوية أكثر الحاحا من أجل تنمية مستدامة في الصناعة، والتجارة، والتعليم، والصحة، والزراعة، والبنية الاساسية وغيرها بدلا من مشروعات الفانتازيا، والبحث عن اللقطة، والمشروعية، عبر هدر ما يزيد عن 64 مليارا، (أي ما يعادل 8 مليار دولار)، كانت سببا في نقص الدولار من السوق المصرية، كما صرح رئيس البنك المركزي السابق هشام رامز.

 ثمانية مليارات من الدولارات كانت كفيلة بتغيير جزء لا بأس به من واقع الذين خوت بطونهم، وخلت جيوبهم، ونهش الغلاء والتضخم دخولهم، في بلد تتفاقم فيه نسبة البطالة لتصل إلى أكثر من 25%، (بحسب تقديرات للمدير السابق لإدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي، بينما تُظهرها التقديرات الرسمية عند حد 13% تقريبا) ويتمدد فيها الفقر المدقع (والفقراء هنا اللذين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء والكساء وغيره) ليصل وفقا للتقديرات الرسمية إلى ما يقارب 28% من إجمالي السكان و65% من سكان ريف الوجه القبلي، ليزداد هؤلاء حسرة مع حسراتهم على عشرات المليارات التي أغدقت بها دول الخليج على نظام السيسي عينا ونقدا، فإذا بها تذهب أدراج الرياح.

أساطير التفريعة وواقعية الأرقام

"مصر بتفرح"... كان هذا هو العنوان الذي ملأ الدنيا ضجيجا؛ لأجل تفريعة جديدة ذكرت الدراسات والتقارير أنه لم يكن هناك ثمة حاجة إليها.

ورغم أنها مجرد تفريعة كغيرها من التفريعات الموجودة سابقا، بل إن تفريعة بورسعيد أطول منها إذ يبلغ طولها 40.1 كيلو متر، إلا أنهم قالوا عنها أساطير نوضحها في التالي:

ازدواجية حركة الملاحة

 قالوا إن التفريعة ستسمح بازدواجية حركة الملاحة في القناة، رغم أن ذلك غير صحيح، إذ أنه لا يمكن لتفريعة طولها 35 كيلو مترا أن تؤدى إلى ازدواجية حركة الملاحة في القناة البالغ طولها 193 كيلو مترا بشكل كامل، ولكن هذه التفريعة ستضاف إلى 80.5 كيلومتر بها ازدواجية في الأصل، ليصل الازدواج بالتفريعة الجديدة إلى 115.5 من طول القناة، وسيظل هناك انتظار للسفن في البحيرات المرة، وسيستمر الاعتماد على نظام القوافل لتنظيم حركة المرور للسفن القادمة من بورسعيد - قافلة الشمال- وقافلة الجنوب من السويس.

تحقيق زيادة في الأرباح

كذلك قيل أن التفريعة ستزيد من أرباح القناة، حيث عملت الآلة الإعلامية الرسمية والموالية على الترويج لذلك بقوة، فذكر مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس أن التفريعة ستؤدي إلى زيادة الأرباح إلى 13.5 مليار سنويا عام 2023، في تجاهل تام للمؤشرات السلبية للاقتصاد الدولي، حيث أشارت تقارير صندوق النقد إلى خفض في توقعات نمو الاقتصاد العالمي ليصل إلى 3.1 % و3.6% في الفترة اللاحقة من 2015، وما بعدها مما يعنى انتفاء فرضية انتعاش التجارة الدولية حتى يزيد عدد السفن العابرة للقناة من 50 إلى 97 سفينة يوميا، لتحقيق الإيرادات المتوقعة.

يضاف إلى ذلك ما ذكرته شركة (كابيتال أيكونومكس للدراسات والبحوث الاقتصادية) في تقرير لها في 2015؛ من أن الأرقام المعلنة من الحكومة المصرية تقوم على فرضيات غير قابلة للتصديق بخصوص نمو التجارة العالمية، وأنه لكي تحقق القناة هذه الأرقام التي يُروج لها لا بد أن تزداد التجارة العالمية سنويا بنسبة 9%، وهي حاليا 3%، كما أن الزيادة بمعدل ثابت بنسبة 9% يبدو أمرا غير وارد على أقل تقدير.

التمويل بالكامل عبر الاكتتاب

قالوا كذلك إن التفريعة تم تمويلها بالكامل عبر الاكتتاب الشعبي حيث تم جمع 64 مليار جنيه من مدخرات المصريين، أي حوالي 8 مليار دولار تقريبا وقتها مع وعد بفائدة 12%، غير أن هذا المبلغ لم يكن كافيا فلجأت الحكومة لقرض من البنوك المصرية يقدر بحوالي 850 مليون دولار، ليصل ما تم ضخه لحفر تفريعة بطول 35 كيلوا مترا حوالي 8.850 مليار دولار تقريبا.

ستغير خريطة العالم

كذلك لم يجد النظام المصري حرجا أن يعلن أن هذه التفريعة ذات الخمسة والثلاثين كيلو مترا ستغير خريطة العالم، وتعبر بمصر من الظلمات إلى النور، وأن أهمية هذه التفريعة تضاهي أهمية القناة الرئيسية نفسها.

ورغم أن حفر 35 كيلوا مترا في عام واحد يعد إنجازا من حيث وقت التنفيذ، لكنه لا يعدو أكثر من ذلك إذ أهدر الحفر عشرات المليارات من الجنيهات دون مردود ملموس تتحدث عنه الأرقام، ولم يمثل ثمة تغير في التجارة العالمية، كما فعلت القناة القديمة، كما أنه لن يزيد في دخول المصريين بما يستحق أن يجعله إنجازا تاريخيا.

بعد عام على التفريعة أين المؤامرة والتشكيك وما هي الإنجازات؟

استعرض السيسي في كلمته في الاحتفال بالتفريعة الإنجازات التي يبحث المصريون عنها فالشكوى تزيد والأوضاع تتدهور.

أما ما يتعلق بالقناة، فقد دافع عن الإنجاز الذي حققته وأكد في كلماته أن هناك زيادة في الإيرادات، وأن القول بغير ذلك تشكيك ومؤامرة في محاولة واضحة منه لتسييس الأرقام بعيدا عن الأرقام الصادرة عن هيئة قناة السويس ذاتها، والتي تؤكد انخفاض الإيرادات بقيمة 290 مليون دولار في 2015 عن مثيلتها في 2014.

كذلك يصادم هذا الكلام تقارير البنك المركزي بخصوص ميزان المدفوعات، والتي أظهرت تراجعا في الإيرادات، علما بأن البنك المركزي كشف في تقرير حديث في نيسان/ أبريل من السنة الحالية أن رسوم المرور في القناة تراجعت نحو 210 ملايين دولار، أي ما يوازي ملياري جنيه تقريبا، خلال النصف الأول من العام المالي الحالي (2015-2016)، حيث حققت الإيرادات ما يزيد عن 2.646 مليار دولار، مقارنة بنحو 2.857 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق.

خلاصة وختام 

بعد عامين من حكم السيسي، وعام على افتتاح تفريعة قناة السويس، يؤكد الواقع أن مصر بلد خال من الإنجازات، وأن هذه الفترة مثلت هدرا لموارد من الصعب ان تتوفر مرة أخري، والتي لو توفرت لنظام آخر لأحدث بها تغييرا في واقع مصر المتأزم بدلا من استخدامها في رفع الروح المعنوية، كما قال السيسي.

 إن غياب الإرادة لتحقيق تغيير حقيقي وعدم وجود إنجازات على الأرض وضبابية المستقبل في ظل حكم عيونه معلقة تجاه الخارج تنعش لدي النظام اعتمادا صريحا علي نظرية المؤامرة، (خاصة أن البلاد، وفي ظل مفاوضات صندوق النقد مقبلة على أوضاع غاية في الصعوبة)، لتمرير اجراءات قاسية ربما تجعل البلاد على حافة الانفجار.

إن كلمات عاطفية، وحملات إعلامية، وتحذيرا من أهل الشر والمؤامرات، ومزيدا من البطش والتنكيل، كل ذلك لن يُنقذ اقتصادا من الانهيار، ولن يحقق أمنا ولن يطعم من جوع ولن يحمى حدودا ولن يحقق استقلالا. ولئن أخر ذلك لوقت لحظة الانفجار، فإنه لن يمنع حدوثها بحال من الأحوال.

إن الاحتفال بمرور عام على افتتاح التفريعة في ظل ما آل إليه واقع مصر والمصريين؛ يجعل كثيرين يرون أداء النظام وحكومته هو عين المؤامرة على مصر وشعبها.