مدونات

هل تونس مثالية حتى لم يبق من مشاكلها غير المثلية؟

الصحفي التونسي ذكر أن نسبة المثليين في بلاده تبلغ (3-7) بالمائة- أرشيفية

يبدو أن تونس كتب لها أن تعاني في كل مرة من الخارجين عن السياق العام والذين لا يهدأ لهم بال في كل مناسبة إلا بإثارة قضية هامشية لا تعني للتونسيين شيئا في مثل هذه الظروف الراهنة التي يعيشونها والتي تتعدد فيها مشاكلهم وتتأزم فيها الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية، فتصبح مواضيع الإرهاب والتنمية والبطالة وغلاء المعيشة هي الشغل الشاغل لهم لاعتبارها أهم القضايا التي يعاني منها المواطن التونسي حتى تتم في غفلة من الجميع إثارة قضية لا تعني المواطن في شيء على غرار موضوع المثلية الجنسية.

وأنت تشاهد تلك المنابر التلفزيونية التي تتناول بإسهاب واضح في المدة الأخيرة قضية المثلية الجنسية في تونس وتأتي بالمحللين والضيوف والشيوخ لمناقشة هذا القضية حتى يخيل لك أن هذا الموضوع أصبح خبز التونسيين اليومي، وأن حقوق المثليين وواجباتهم هي كل ما يفكر فيه المواطن البسيط بعد أن وفرت له الدولة كل شروط الحياة الأساسية لينتقل للمطالبة بحقوقه الثانوية -وإن كانت حقوقا- ولتمنحه وسائل الإعلام كل ذلك الوقت لطرح هذه القضايا، رغم أن الحقيقة تقول عكس ذلك تماما، وأن تلك القضايا التي تطرح في منابر الإعلام لم تكن يوما من أولويات التونسي بل مجرد قضايا هامشية يعمل البعض على إثارتها لتهميش القضايا الرئيسية التي تمس المواطن والتي كان من الأولى الاهتمام بها ودراسة أسبابها وإيجاد الحلول لها حتى تبلغ آذان السياسيين والحكومة التي تصم آذانها عن قضايا التونسيين الأساسية.
   
يمثل المثليون في تونس ورقة الضغط التي تعتمدها الجمعيات الأجنبية المقيمة في تونس في كل مرة للمطالبة بتعديل بعض القوانين التي تخص الأقليات أو التي تهم الحريات الفردية التي لا تلائم طبيعة المجتمع التونسي المحافظ والتي تسعى لإدخال تقاليد جديدة تهدف إلا تحطيم كيان هذا المجتمع وبث الفاحشة فيه، لكن الغريب أن هذه الجمعيات وفي كل مرة تستعمل هذه الورقة للضغط إلا وحصلت على مبتغاها بجعل هذه القضية قضية رأي عام حتى أصبح التساؤل مبررا حول هذا الترابط العجيب بين ما تثيره هذه الجمعيات وبين ما تبثه وسائل الإعلام وحول العلاقة بين مصادر تمويل الاثنين معا وصاحب التعليمات بإخراج هذه القضايا إلى العلن في كل مناسبة، فليس من المصادفة أن تعمد إحدى القنوات التلفزيونية إلى تخصيص ثلاثة برامج كاملة في أقل من أسبوعين للحديث والتطرق إلى موضوع المثلين ووضعيتهم في تونس ونظرة المجتمع لهم في نفس الوقت الذي  يكون فيه قد سافر وفد عن مجموعة "شمس" المدافعة عن المثليين في تونس إلى فرنسا من أجل المشاركة في إحدى الندوات الداعمة لهم وحديث البعض من هؤلاء المثليين عن تهديدات وهمية يتعرضون لها وعن انتهاكات تحدث لهم وعن حقوق تسلب منهم.

يقول بعض الأعضاء عن جمعيات "شمس" أن نسبة المثليين في تونس تتراوح بين (3-7) بالمائة وتظهر دراسات أخرى أن نسبة 80 بالمائة من التونسيين ضد حقوق المثليين، ورغم هذه الدراسات التي تؤكد على هامشية هذه القضية وتحسم في نظرة المجتمع لهاته الفئة إلى أنها باتت بفضل وسائل الإعلام الأكثر تداولا في مواقع التواصل الاجتماعي وذلك ما يكشف قدرة وسائل الإعلام على تغيير مجرى الأمور وتشتيت الانتباه التي القضايا التي يريد لها أن تكون محور حديث التونسيين، فيفي نفس الوقت التي تكثر فيه الاحتجاجات في جزيرة قرقنة من ولايات صفاقس احتجاجا من سكان هذه الجزيرة على نهب شركة "بيتروفاك البترولية" لموارد المدينة دون تقديم أي فائدة  تحصل لهم ودون التزام الشركة بتشغيل أبناء الجهة وتحول هذه الاحتجاجات إلى مواجهات مع الأمن التونسي، و في نفس الوقت الذي يحتج فيه سكان مدينة السند من ولاية قفصة في الغرب التونسي احتجاجا على انتشار البطالة وتعاطفا مع أحد الشباب الذين حاولوا الانتحار بسبب عدم حصوله على الشغل رغم امتلاكه لشهادة جامعية، في نفس ذلك الوقت تجد المنابر التلفزيونية مخصصة لاستضافة ممثل تلفزيوني تحدث عن عدم تقبله لظاهرة المثليين في تونس فتطور النقاش ليشمل رد جمعية المدافعين عن المثلية ورأي الدين وعلماء الاجتماع في هذا الموضوع وليصبح موضوعا رئيسيا تختلف حوله الآراء وتمنحه وسائل الإعلام أغلب وقتها ومساحتها.

يسقط بعض التونسيين دون وعي في فخ هذه القضايا الهامشية التي تثار دون موجب ويمنحون الساعين إلى جعلها قضية رئيسية مبتغاهم في إطالة أمد النقاش حولها والوقوع في فخ الاستفزاز الذي يهدف إلى إظهار المدافعين عنها في دور الضحية الذين تسلب حقوقهم في تونس رغم أننا لم نسمع لهم تشكيا إلا سعيهم إلى تغيير القانون عدد 230 والذي صيغ بطريقة تتلاءم مع طبيعة المجتمع التونسي الرافض لهذه العلاقة التي تسارع بإسقاط الحضارات في صورة الموافقة عليها والتي تخالف كل تشريعات الدين الإسلامي الذي تتبناه الدولة التونسية في فصلها الأول من الدستور لاعتباره دين هذا الشعب ، ولا يبدو خفيا أن الهدف الأساسي من تحريك هذه القضية في الوقت الحالي منح صورة سلبية للدول الغربية التي تدافع عن المثليين وتسعى لتغيير قوانين دولنا العربية إلى ما تعتبر حقوق كونية لا تتلاءم مع مجتمعاتنا ولا نملك حتى الوقت لمناقشتها بسبب ما نعانيه من مشاكل أخرى أهم وأكثر جدية وأكثر حاجة لإيجاد الحلول لها، فلسنا تلك الدولة المثالية التي انتهت كل مشاكلها ولم يبقى لها إلا مشكل المثليين لحله.
 
*صحفي تونسي