قضايا وآراء

دلالات ونتائج زيارة العاهل السعودي لمصر

1300x600
جاءت زيارة الملك سلمان الأخيرة للقاهرة، والتي استغرقت خمسة أيام، للتعبير عن عمق العلاقات المصرية السعودية وأهمية التعاون بين الطرفين وتقريب وجهات النظر في عدد من القضايا العالقة، كمقدمة لإعادة الاستقرار في المنطقة، وذلك لما يتمتع به البلدان من مقومات تاريخية وثقافية واستراتيجية قد تسهم في ضبط إيقاع المنطقة وإعادة الاستقرار فيها، خصوصا في ظل تزايد المخاطر والتهديدات التي بدأت تحيط بالمنطقة في أعقاب ثورات الربيع العربي، وما تبعها من غياب وضعف الدولة في عدد من البلدان، وكذلك تصاعد قوى الاستعراض الديني وتمدد نفوذها.

ومن خلال العرض التالي سنحاول أن نسلط الضوء على الجذور التاريخية للعلاقات التعاونية بين البلدين، مرورا بدلالات وتوقيت زيارة العاهل السعودي للقاهرة، مع الإشارة إلى نتائج الزيارة وكيف يمكن للزيارة أن تسهم في ترسيخ الاستقرار في المنطقة وصولا لمستقبل العلاقات بين البلدين.

أولا : الجذور التاريخية للعلاقات المصرية السعودية

لا شك في أن الروابط العربية والإسلامية كانت محددا قويا لرسم جذور العلاقات المصرية السعودية عبر التاريخ، وهو ما عبر عنه الملك عبد العزيز آل سعود من خلال مقولته الشهيرة: "لا غنى للعرب عن مصر ولا غنى لمصر عن العرب". وحول الجذور التاريخية والمحطات المختلفة للعلاقات التعاونية بين الطرفين يمكننا الإشارة إلى:

- زيارة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود لمصر في عام 1946، والتي تعد بمثابة الزيارة الوحيدة الخارجية له، سواء في محيطه الإقليمي أو الدولي، وهو ما يشير إلى اقتناع القيادة السعودية منذ القدم بأهمية مصر ودورها في المنطقة بما يستلزم توثيق وتعزيز العلاقات فيما بينهم.

- كذلك لا يمكن تجاهل الدور السعودي الداعم لمصر أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، حيث قامت المملكة وقتها بتقديم 100 مليون دولار بعد سحب أمريكا عرضها لبناء السد العالي، بالإضافة لذلك فقد قامت السعودية بتعبئة جنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر.

- ولا يمكن إغفال دعوة الملك فيصل عام 1967 للدول العربية بضرورة التضامن والوقوف بجانب الدول العربية المعتدى عليها، وتخصيص مبالغ مالية تمكنها من الصمود ومقاومة العدوان.

- ويأتي الدعم السعودي لمصر في حربها ضد إسرائيل عام 1973 من خلال قرارها بقطع الإمدادات البترولية عن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الداعمة لإسرائيل، ليمثل نقطة تحول هامة في مسار الحرب لصالح القوى العربية وفي مقدمتها مصر.

- وتمثل المشاركة المصرية بجانب السعودية ضمن التحالف الدولي المكون من 34 دولة أثناء غزو صدام حسين للكويت عام 1990، تنفيذا لقرارات مجلس الأمن الرامية إلى انسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية إلى البلاد، نقطة جديدة في المسار التاريخي التعاوني بين البلدين.

- وتجلت مظاهر التعاون السعودي المصري في أعقاب ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث قدمت السعودية دعمها السياسي والاقتصادي والمالي لمصر، في وقت مرت فيه الدولة المصرية بظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، بالإضافة إلى رغبة عدد من الدول بتجاهل الإرادة الشعبية المصرية في الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، حيث استطاعت السعودية أن توفر لمصر غطاء إقليميا ودوليا من خلال دعمها للمسار السياسي المصري في أعقاب 3 تموز/ يوليو في عدد من المحافل الدولية.

ثانيا: دلالات زيارة العاهل السعودي لمصر

لا شك في أن زيارة العاهل السعودي لمصر جاءت في ظل تحليلات ترمي إلى وجود توتر في العلاقات المصرية السعودية، بسبب اختلاف وجهات النظر في عدد من الملفات الإقليمية، والتي تأتي في مقدمتها الأزمة السورية ومستقبل النظام السياسي، بالإضافة إلى الموقف من جماعة الإخوان المسلمين ومستقبلهم في النظام السياسي المصري، وكذلك حديث البعض عن إمكانية قيام السعودية بدور وسيط للتوفيق بين وجهات النظر المصرية مع قطر وتركيا وهو ما قد ترفضه مصر بسبب إصرار الجانبين القطري والتركي بالتدخل غير المبرر في الشأن الداخلي المصري. ورغم ذلك لا بد من التأكيد على أن تباعد وجهات النظر في مثل هذه القضايا لم يخرج عن كونه تحليلا لعدد من المهتمين بالشؤون السياسية، فلم يأخذ هذا الخلاف أو هذه العلاقة التباعدية - كما يظن البعض - منحى رسميا، فلم نر أيا من المسؤولين هنا أو هناك يشير إلى ذلك بصورة مباشرة.

وحول دلالات الزيارة يمكننا التأكيد على أهميتها من خلال أنها فرصة جيدة لقطع الطريق على كل من يحاول أن يعكر صفو ومتانة وقوة العلاقة الوطيدة التي تجمع الطرفين السعودي والمصري، وهو ما بدا جليا في مدة الزيارة، والتي تعد ضمن الزيارات المطولة التي يمكن أن يقوم بها أي رئيس أو زعيم، وهي دلالة أيضا على إدراك الملك سلمان لمحورية مصر وعظم دورها في المنطقة، بالإضافة لذلك تعتبر الزيارة مناسبة جيدة للوقوف على عدد من الترتيبات والاستراتيجيات الهامة التي يمكن أن تنتهجها الدولتان في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع التطرف، سواء من خلال الاتفاق على آليات عمل القوة الإسلامية لمجابهة الإرهاب أو التطرق لوضع أسس يمكن الانطلاق منها، ومن خلالها نحو تشكيل قوة عربية مشتركة. أيضا تأتي أهمية الزيارة في دعم الاقتصاد المصري من خلال ضخ عدد من الاستثمارات السعودية في مختلف المجالات المصرية، حيث يقتنع الجانب السعودي بأن تحقيق الاستقرار الاقتصادي لمصر يعتبر بمثابة الركيزة الأساسية في بناء الأمن القومي العربي والذي يحتاج تحققه إلى تعافي الاقتصاد المصري.

ثالثا: النتائج المترتبة على زيارة العاهل السعودي لمصر

شهدت زيارة الملك سلمان توقيع 17 اتفاقية للتعاون بين البلدين، وجاءت هذه الاتفاقيات في عدد من المجالات المختلفة، ومن بينها الإعلان عن بناء جسر يربط البلدين فوق خليج العقبة، وكذلك اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وعدد من المشاريع التنموية في جنوب سيناء، بالإضافة إلى إنشاء جامعة وعدد من الاتفاقيات لتطوير مستشفى القصر العيني، وكذلك توقيع اتفاقية تمويل مشروع محطة كهرباء غرب القاهرة بقيمة 100 مليون دولار. وقد تم منح الملك سلمان الدكتوراه الفخرية تقديرا لدعمه الكبير لقطاع الصحة المصري، ولا يمكن تجاهل قلادة النيل التي منحها الرئيس عبد الفتاح السيسي للملك سلمان؛ تعبيرا عن مشاعر المحبة والتقدير التي يحملها النظام المصري تجاه السعودية وقيادتها.

ومن بين هذه الاتفاقيات الثنائية جاء الإعلان عن بناء جسر الملك سلمان، وكذلك اتفاقية ترسيم الحدود ليثير عددا من النقاشات المختلفة حول جدوى وأهمية الجسر، وكذلك مدى أحقية السعودية القانونية والتاريخية بجزيرتي "تيران" و"صنافير"، وهو ما يمكن عرضه كالتالي:

أ‌. جدوى وأهمية جسر الملك سلمان: على غرار جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين، يعتبر جسر الملك سلمان بمثابة الرابط بين قارتي آسيا وأفريقيا، ليس ذلك فحسب، بل سيعمل الجسر على ربط العالم العربي بريا. ويقدر المتابعون تكلفة الجسر بـ4 مليارات دولار، في حين أن حجم العوائد التي ستتحقق من خلاله تقدر بحوالي 200 مليار دولار، حيث إن الجسر سيساهم في تسهيل حركة التجارة والتنقل خاصة فيما يتعلق بالسياحة الدينية.

ب‌. ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية: أثار مبدأ ترسيم الحدود بين الطرفين حالة من الشد والجذب بين المهتمين بالشأن المصري، واتخذ كل منهم موقفه طبقا لدرجة تأييده أو رفضه للنظام المصري. فتحدث البعض عن الأحقية السعودية التاريخية في الجزيرتين، حيث إنهما تقعان ضمن المياه الإقليمية للسعودية وأن السعودية كانت قد أعطت لمصر حق إدارتهما دون أن تعطيها الحق في تملكهما، وكان ذلك في ظل الصراع المصري الإسرائيلي، كنوع من التضامن مع القضية المصرية والعربية ضد العدوان الإسرائيلي. على الجانب الآخر، اعتبر مناهضو النظام أن ما حدث تنازل عن جزء من الأراضي المصرية، وهو ما يعتبر انتهاكا للدستور المصري الذي يؤكد على قدسية الحدود وأهمية السلامة الإقليمية للدولة. وجاء بيان مجلس الوزراء المصري في هذا الشأن ليقر بأحقية الجانب السعودي التاريخية والقانونية، معلنا أن جزيرتي "تيران" و"صنافير" الموجودتين في البحر الأحمر تقعان في المياه الإقليمية للمملكة. ولا شك في أن ترسيم الحدود بين البلدين دليل على عمق العلاقة والرغبة في مواجهة التحديات الراهنة، فقد تم الاتفاق على أن تتمتع مصر بحقوق اقتصادية خالصة في المنطقة وأن تحصل على 25 في المئة من الاكتشافات البترولية والمعدنية، وكذلك مبلغ 2.5 مليار دولار في حالة طلب السعودية من الجانب المصري بالتدخل لحماية الجزيرتين.

رابعا: مستقبل العلاقات المصرية السعودية

يتوقف مستقبل العلاقة بين الطرفين على مدى وكيفية الاستغلال والاستثمار الأمثل لهذه الزيارة والبناء عليها، والعمل على تعزيز سبل التعاون بين البلدين، حيث تعد الزيارة بمثابة منعطف جديد يمكن الارتكاز عليه لتدشين مرحلة جديدة من التعاون بين الدول العربية لحماية مصالحها ومصالح شعوبها، من خلال توافق عربي يعمل على دعم سيادة الدول العربية ورفض أي تدخلات خارجية في الشأن العربي.

كذلك لا بد من تكاثف الدولتين ووضع رؤية مشتركة لمحاربة وتجفيف منابع الإرهاب، خصوصا أن جهود الدولتين ترمي إلى تحقيق ذلك وتصب في مصلحة واحدة، وهي كيفية تجفيف منابع الإرهاب ومنع تمدده، مما لا يترك مجالا للشك في أن العمل على تقريب وجهات النظر بين الدولتين خصوصا في القضايا الإقليمية موضع الخلاف؛ يسهم بشكل فاعل في استمرار العلاقات التكاملية بينهما. ويجب أن يتم ذلك بشكل مرن يضمن استمرار التعاون بين الدولتين وتنامي الدور الفاعل فيما بينهما، انطلاقا من فرضية أن السعودية ومصر تمثلان قاطرة النهوض من أجل تعزيز الطموحات العربية في واقع أكثر استقرارا.