قضايا وآراء

هل من مستقبل لتحالف سعودي تركي يجمع مصر؟

1300x600
بعد حرب الخليج الثانية وتداعيات "الربيع العربي"، أصبح الحديث عن تحالف بعض الدول العربية مع دول إقليمية أمرا خارج المحرمات. كما أن مآلات الأمور في دول الربيع العربي ونجاح بعض الثورات المضادة، وحالة التمدد الإيراني والتدخل العسكري الروسي في سوريا، كل ذلك جعل من الحاجة لتشكيل تحالف إقليمي يحمي القُطر نفسه حاجة ملحة، لا تفي بها التحالفات مع الغرب البعيد أو الشرق القريب. هذا -بالتأكيد- مع عبثية فكرة الوحدة العربية في إطار "جامعة الدول العربية" أو تفعيل "الدفاع العربي المشترك" أو حتى مجلس التعاون الخليجي المحدود، والوحدة المغاربية المفقودة.

وبدا واضحا أن المسكوت عنه عربيا أصبح هو مثار الجدل العلني، ولم تبق عناوين "شرعية النظام" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية" و"الأمن القومي العربي" مظنة السلامة العربية، بل إن سقوط العراق وسوريا من أعلى هرم الدول المؤثرة في التوجهات العربية الجامعة؛ جعل من تحالف السعودية ومصر كأكبر دولتين عربيتين مؤثرتين في المشرق العربي والشرق الأوسط حاجة لكلا الدولتين، في مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد، بالذات بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران منتصف كانون الثاني/ يناير 2016. 

بل إن التغيرات الاقتصادية المصاحبة لهبوط أسعار النفط القياسية، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب الاقتصادي بين تركيا وروسيا، دفع باتجاه تقارب -بل تحالف- تركي سعودي، ظهر في شكل ومضمون زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرياض ولقائه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2015، حيث تم الإعلان عن تشكيل "مجلس استراتيجي" مشترك لتوثيق العلاقات بين البلدين.

معلوم أن العراق وسوريا اليوم تسيران في فلك إيران، بما يحويه كل بلد من حالة طائفية تصطف سياسيا بشكل واضح مع السياسة الإيرانية، وفي عداء مباشر مع كل من تركيا والسعودية وقطر. وهنا يبرز تساؤلين مهمين هما: لماذا قطر؟ وكيف يمكن لمصر في عهد السيسي أن تكون ضمن تحالف فيه تركيا أردوغان؟

الإجابة على السؤال الأول يسهل بالنظر إلى ارتباط الموقف القطري بالسعودية وتركيا، في مجموعة من المواقف ذات الصلة بسوريا واليمن وحتى إيران. وهي لا تزال تشكل داعما ورديفا واضحا وفاعلا، بخلاف دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تتذبذب مواقفها بحسب العلاقة مع إيران، كما هي سلطنة عُمان، والعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، كما هي دولة الإمارات.

أما عن مصر فالأمر لا يبدو يسيرا، خاصة إذا ما استحضرنا الموقف الإماراتي المخاصم -بل المعادي- للدور التركي، والمتعارض مع الدور القطري، وغير المتلاقي أحيانا مع السياسة السعودية في سوريا واليمن. كما لا تبدو محاربة تنظيم الدولة "داعش" هي في صلب التحالف! فالخطر الأمني لداعش لم يصل عند هذه الدول تهديدا وجوديا بقدر ما هي جماعة الإخوان المسلمين، في نظر النظام المصري ونسبيا النظام السعودي. 

بل إن الخطر الإيراني -كما تراه السعودية- يتهدد الجميع بما تمثله الميليشيات الشيعية المسلحة التابعة لها في سوريا واليمن، حيث لا تتورع إيران من التهديد الصريح "بتصدير ثورتها" وتفعيل المجموعات الشيعية للمس بأمن هذه الدول، كما حدث إثر إعدام الرياض للمعارض السعودي الشيعي "نمر النمر" وحرق السفارة السعودية بالرياض.

لا شك أن التحالف السعودي المصري استراتيجي، وهو ما ساهم بشكل حقيقي بالإطاحة بالرئيس مرسي وجماعة الإخوان في مصر في تموز/ يوليو 2013، مع شيء من الريبة السعودية تجاه مواقف مصر في سوريا، وترددها في اليمن. كما أن تشابك علاقات مصر التاريخية مع روسيا جعل منها نقطة تجاذب مع السعودية تؤول في النهاية إلى حالة من التوازن الاستراتيجي، حيث التصادم الروسي السعودي فيما يخص سوريا وتركيا، والتصالح بينهما فيما يتعلق باليمن الذي تكلل برفض روسيا طلبا من علي عبد الله صالح للتدخل ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن. 

ورغم الضبابية الطارئة في العلاقة بين مصر والسعودية في عهد الملك سلمان، إلاّ أن زيارته مطلع نيسان/ إبريل الحالي لمصر، والتي امتدت لخمسة أيام، تكللت بالنجاح الكبير بالنظر للأهداف المتوقعة لنظامي الحكم في البلدين.

بالنظر إلى كل ذلك، نرى أن وجود مصر في التحالف السعودي التركي القطري هو عنصر قوة في مقابل منظومة النشاط الإيراني في المنطقة، من العراق إلى اليمن مرورا بسوريا. كما أن ثمة بوادر تصالح سياسي بين أنقرة والقاهرة ظهر من خلال زيارات متبادلة بين مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين من كلا البلدين، رغم الشكل غير اللائق دبلوماسيا والذي ظهر جليا في عدم مشاركة الرئيس المصري في قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، وانسحاب وزير الخارجية المصري بعد إلقائه لخطاب تسليم بلاده الرئاسة الدورية لتركيا.

مهم جدا التأكيد على أن التحالفات الاستراتيجية بين الدول لا تفرضها الظروف التاريخية فقط ولا الأيديولوجية فحسب، بل هي مزيج بينهما لإنتاج حاجة سياسية استراتيجية للمحافظة على المصالح في شكلها الاقتصادي والسيادي، بل والوجودي أحيانا. وهذا يضاف إلى كل ما سبق من تعارض -قد يبدو واضحا- في الجمع بين المكون السعودي التركي القطري مع المصري، غير أن استراتيجية الحاجة تستحضر التاريخ والأيدولوجية هنا أيضا، لصالح ميلاد هذا التحالف الرباعي المهم.