قضايا وآراء

مجلس وزراء الداخلية العرب أو وهم العمل العربي المشترك

1300x600
تنعقد بتونس يومي 2 و3 مارس 2016 الدورة 33 لمجلس وزراء الداخلية العرب. ومعلوم لدى الجميع أن هذا المجلس يظل تقريبا المؤسسة الوحيدة من مؤسسات العمل العربي المشترك التي تواصل انعقادها باستمرار دون انقطاع وبحضور مكثف من أصحاب المعالي الوزراء المعنيين بالشأن الأمني من مختلف الأقطار العربية، في ظل تدهور وضع الجامعة العربية وتقلص دورها المفزع وانحسار أشكال ومحاور التنسيق العربي في مختلف المجالات بما فيها القضايا المصيرية التي كانت تحرك السواكن العربية سابقا مثل التصدي للعدوان الصهيوني على مقدسات وأراضي وأمن الشعب الفلسطيني.
 
لم يبق من العمل العربي المشترك إلا التنسيق بين أجهزة الأمن والمخابرات.. ويا ليت هذا التنسيق يشمل كل مجالات الأمن الشامل ويعمل على إنجاز سياسية أمنية عربية مشتركة للتصدي لكل الأخطار التي تهدد منطقتنا العربية وشعوبنا، أخطار الإرهاب والجريمة المنظمة وترويج المخدرات وشبكات التحيل الدولي وتبييض الأموال وشبكات الدعارة والرقيق الأبيض وشبكات نهب وتهريب الآثار من عالمنا العربي المستباح وشبكات التجسس التي تخترق دولنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا طولا وعرضا وشبكات التهريب والهجرة السرية وبقية الأخطار التقليدية منها وغير التقليدية . 

ولكن لم يحصل شيء من هذا.. ولن يحصل مادامت العقلية هي نفسها، ومادامت أجهزة الأمن والمخابرات التي تلتقي سنويا في تونس لا تخضع لأي مراقبة ديمقراطية في كل البلاد العربية، ولا تمثل شعوب بلدانها وإنما أنظمة قليل منها فقط تحترم إرادة مواطنيها.. وستظل اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب في كل اجتماع تركز على قضية الإرهاب والتصدي له وتجفيف منابعه، طبعا بالمناهج القديمة غير الفعالة والتعريفات المختزلة والمقتصرة للظاهرة الإرهابية والسياسات الرديئة والمتخلفة التي تستثمر هذه الظاهرة لضرب الخصوم السياسيين وتصفيتهم وتقليص الحريات وتبرير القمع وتعهد إرهاب الدولة..
 
للذين يدافعون عن هذا الخيط الرفيع المتبقي للعمل العربي المشترك نقول أننا سنفرح لانعقاد مثل هذه الاجتماعات عندما نرى نتائج للتنسيق الأمني العربي في مختلف مجالات الأمن الشامل المذكورة أعلاه، وعندما نرى حد أدنى من الشفافية في أعمال هذا المجلس ومقرراته بشكل يوحي  باحترام شعوب المنطقة، وعندما نستمع لبيانات ومقررات تنصص على ضرورة احترام المعادلة المطلوبة بين الأمن والحرية والديمقراطية وتدعو أجهزة الأمن والمخابرات في بلداننا إلى احترام الإنسان العربي حتى تنجح في بسط الأمن والتقليص من المخاطر.
 
سنفرح لتواصل عمل هذه المؤسسة عندما نرى نشاطا يذكر لبقية مؤسسات العمل العربي المشترك : مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وصندوق النقد العربي، والمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، والهيئة العربية للطاقة الذرية، والمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد)، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، ومنظمة العمل العربية ... وغيرها من المؤسسات التي تتلقى ميزانية من الجامعة العربية دون أن يكون لها نشاط لمصلحة الشعوب العربية وفي اتجاه تحقيق الاندماج العربي المنشود ..
 
سنفرح أكثر لتواصل عمل مجلس وزراء الداخلية العرب عندما نرى تطبيقا ولو أوليا للاتفاقيات العربية في جميع المجالات: معاهدة الدفاع العربي المشترك، واتفاقيات التعاون الاقتصادي، واتفاقيات الوحدة الاقتصادية العربية، واتفاقيات السوق العربية المشتركة واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية ... وغيرها من الاتفاقيات التي صدر أغلبها في أول السبعينات دون أن تفعل أو حتى يتم تحيينها بناء على التغييرات الجوهرية التي حصلت في المنطقة والعالم.
 
في الختام، لن يكون لاجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب ولا لأي مؤسسة من مؤسسات العمل العربي المشترك مستقبلا معنى في ظل بقاء جثة الجامعة العربية هامدة دون روح ولا مشروع مشترك .. الجامعة العربية ماتت في عقول العرب وقلوبهم، وماتت معها فكرة القومية العربية التقليدية المبنية على تحقيق الوحدة العربية عبر اندماج أنظمة تسلطية قمعية فاقدة للشرعية والدعم الشعبي. ولا أمل لانطلاق العمل العربي المشترك إلا بإطلاق مشروع عربي وحدوي جديد مرتكز على فكرة اتحاد الشعوب العربية الحرة أي اتحاد بين دول ذات سيادة واستقلال قد تختلف في أنظمتها السياسية (جمهورية، ملكية، اتحادية) ولكنها تشترك في احترام إرادة الشعب وكرامته ومواطنته وتقبل بإحالة بعض صلاحياتها لمؤسسات اتحادية ممثلة يسيرها دستور اتحادي وتعمل على بناء سوق مشتركة تجعل من أمتنا إحدى أهم القوى الاقتصادية في العالم.. على شاكلة الاتحاد الأوربي الذي نجح في عقود قليلة في تحقيق الاندماج التام بين دول وشعوب لا تجمع بينها سوى المصلحة المشتركة. 

قد يبدو هذا الأمر من قبيل الحلم المستحيل ولكن كل الإنجازات العظمى بدأت بأحلام وتحققت على مراحل. ومؤشرات استعداد الشعوب العربية لمثل هذا المشروع الوحدوي الشعبي المواطني تزداد كل يوم خاصة في ظل الوضع المتردي للأمة وكبر التحديات وتفاقم مخططات التقسيم والتفتيت والاستغلال، وبعد مخاض الثورة والتغيير المتواصل في أغلب بلدان المنطقة والذي يؤكد مسار التاريخ نحو التحرر والدمقرطة والمواطنية.
 

*الدايمي: عضو مجلس نواب الشعب في تونس، الأمين العام للمجلس العربي للثورات الديمقراطية.