كتاب عربي 21

تقرير التنمية البشرية يعرّي الانقلاب العسكري في مصر

1300x600
صدر التقرير الأخير للتنمية البشرية من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مؤكدا على تراجع مؤشرات التنمية البشرية وأداء الاقتصاد المصري في عام 2015 مقارنة بعام 2014 في فترة حكم الانقلاب العسكري، وهذا من واقع البيانات المقدمة من قبل الحكومة المصرية للمؤسسات الدولية. وإذا دققنا النظر في البيانات الاقتصادية التي تصدر في مصر تجد كما هائلا من الأكاذيب في إعداد هذه البيانات والتقارير في كافة المقاييس. فخذ على سبيل المثال لا الحصر إذا أردنا أن نحسب كيف ترتفع الأسعار في بلد ما فيتم حساب سلة من السلع والخدمات التي يستهلكها المواطن بصفة شهرية كالمسكن والمأكل والمشرب والإنفاق على مصاريف الرعاية الصحية أو التعليم وغيره لقياس ما يعرف بمعدل التضخم. لكن العجيب في الأمر أن البنك المركزي وعلى صفحته الرسمية قد بين أن حساب التضخم لا يشتمل على الإنفاق على الطعام والشراب وتقريبا يمثل الإنفاق على الطعام والشراب 37% شهريا من دخله، وبذا يكون مؤشر التضخم كاذبا لا محالة. الأعجب من ذلك أن البنك المركزي يؤكد أنه أجرى حساباته أسوة بحساب التضخم في الولايات المتحدة وهذا محض كذب وافتراء، لأن الولايات المتحدة تضع الإنفاق على الطعام والشراب في حسابها للتضخم، فأرقام التضخم أو حدود خط الفقر أو مستوى البطالة كلها أرقام لا تعبر عن الواقع على الإطلاق، فكلها أكاذيب لا تصدق. 

ورغم هذه الأكاذيب، يرتب تقرير التنمية البشرية مصر في المرتبة 108 من إجمالي الـ188 دولة، فتسبقنا كل من إسرائيل وقطر وعديد من الدول العربية، فكيف لو أعدت البيانات الحقيقية عن الاقتصاد المصري على أسس سليمة وشفافة!

ويوضح التقرير أن مستوى مصر في التنمية البشرية قد انخفض في حكم السيسي بخمس درجات عن العام السابق. 

ووفق تقرير التنمية البشرية لعام 2015 فإن مفهوم العمل لم يعد مرتبطا بالدخل كمقياس لمدى التقدم الاقتصادي، فقد ركز التقرير على أهمية أن يتمتع العامل في فرصة عملة بالحرية وتعزيز حقوقه وإمكاناته، فضلا عن تمتعه بحياة صحية مديدة. ويؤكد التقرير على أهمية جعل القضاء على البطالة هو الهدف الأول للسياسة الاقتصادية، ولا ينبغي ترك البطالة وحلها كنتاج للنمو الاقتصادي كهدف فرعي.

وقد أكد التقرير على وضع إطار اقتصادي كلي داعم من أدوات السياسة العامة للحد من التقلبات الاقتصادية كمحاربة التضخم والكساد، وإيجاد وظائف والعمل على تثبيت سعر الصرف الحقيقي والحفاظ على قدرته التنافسية، وإعادة هيكلة الميزانيات بحيث توسع الإنفاق للقطاعات التي يمكن أن توفر فرص عمل أكبر وتوسيع الإنفاق العام لتوسيع مظلة التأمين الاجتماعي للعمالة وللمجتمع، وخلق بيئة مؤازرة لقطاع الأعمال، وتأمين بنى أساسية بجودة عالية، وخلق بيئة تنافسية لكل المنتجين. 

حينما تطالع تلك التقارير تسأل: أين نحن في مصر؟ خاصة على مدار 70 عاما الأخيرة، ستجد أن مصر قد طبقت خططا للتنمية وبرنامجا للإصلاح الاقتصادي، ومن باب الإنصاف كانت تجربة التنمية في عهد عبد الناصر فيها من الإيجابيات خاصة ما ارتبط بمجال التصنيع والخدمات التي قدمت للمواطنين إذا ما قورنت بالوضع الحالي في مصر، فقد صحونا في عهد الرئيس المخلوع مبارك في التسعينيات على كارثة اسمها انتشار الفساد في القطاع العام وزيادة مديونيته، وهو ما خلفته الحكومات تحت إدارات فاسدة أدت به في النهاية إلى أن يكون عبئا على الاقتصاد المصري، بعد أن كان هو المستوعب الأول للعمالة في مصر وكان من الممكن أن يكون هو مفتاح التنمية ومن ثم تمت تصفيته وتشريد عماله، وكان الهدف المعلن أن يكون القطاع الخاص هو القائد لعملية التنمية من أجل توفير كافة السلع والخدمات للمواطن في جو من المنافسة لتحسين جودة الإنتاج من السلع والخدمات.

وللأسف، لم ير المواطن إلا التدهور في كافة الخدمات والسلع المقدمة له، بعد أن وعد المصريين بتحقق الرخاء وزيادة الدخل وتحسن الخدمات. إذن، لنسأل أنفسنا: أين المنافسة في مصر، في أي من قطاعات الاقتصاد القومي، مثل قطاعات الحديد والصلب أو صناعات الإسمنت أو الأسمدة أو الاتصالات أو السيارات أو حتى السلع الغذائية كالقمح أو السكر أو الأرز؟
 
دعنا نسأل أنفسنا: أين نحن من المحاسبة والمكاشفة والمصارحة ورئيس الجهاز المركزي يقول إنه لا يستطيع مواجهة الفساد؟ أو أين ناهبو الأموال في عصر مبارك؟ أين هم الآن؟ وكيف يفسّر قرار وزير عدل الانقلاب بالإفراج عن كل ممتلكات العادلي والتحفظ على ممتلكات أبو تريكة؟

إن نتائج تقرير التنمية البشرية الأخيرة لتؤكد حقيقة أن غياب الحرية والمنافسة في مصر دفعت بالاقتصاد إلى التردي في كافة القطاعات الاقتصادية، التي تصب في النهاية إلى مشقة وعنت يعانيهما المواطن المصري أينما ذهب أو ارتحل.